“التغيير” لا تخافه سورية ولا تعمل له السعودية !
سركيس نعوم
العارفون بالمملكة العربية السعودية من لبنانيين وغير لبنانيين يقرون بعدم ارتياحها الى النظام الحاكم في سورية وخصوصاً منذ خروجه في رأيها عن سياسة التعاون معها ومع مصر وتحالفه مع الجمهورية الاسلامية الايرانية التي لا تخفي اطماعها الخليجية، ومساهمته مع الاخيرة في تغيير وجه العراق، واظهارها علناً رغبتها في السيطرة نهائياً على لبنان منذ عام 2004. ويعترفون ايضاً بالغضب الشديد الذي سيطر على المسؤولين الكبار في المملكة حيال قادة النظام المذكور سواء لامتناعه عن الوفاء بوعود او لإمعانه في سياسة التحدي. لكنهم يعترفون في الوقت نفسه بان المملكة العربية السعودية هذه لم تصل يوماً الى حد التفكير او التخطيط لاسقاط النظام السوري كما تعتقد مصادر اقليمية مطلعة عادة. وعدم وصول المملكة الى هذا النوع من التفكير يعود الى اسباب كثيرة. منها حرصها على عدم “الدق” بالنظام العربي السائد رغم انزعاجها الشديد من بعض اطرافه. وينبع هذا الحرص من ادراك بان التغيير اذا بدأ لن يقف عند نظام واحد الامر الذي يجعل الجميع في خطر. ومنها ايضاً ان لبنان الساحة الاساسية للصراعات بل للحروب لا يقتصر النفوذ فيه او التدخل على المملكة وحدها. فسورية اكثر نفوذاً منها فيه لانها على حدوده ولانها ارتبطت بتحالفات مع “شعوب” فيه وحولت هذه الشعوب جيوشاً محترفة صارت هي الدولة بعد انتهاء الحروب عام 1990 ولانها مدعومة من ايران الاسلامية التي قوي نفوذها كثيراً في لبنان. في حين ان من للمملكة نفوذاً عندهم من اللبنانيين على اهميتهم السياسية والديموغرافية لا يتمتعون بالقوة اللازمة لمواجهة سورية وحلفائها اللبنانيين، الامر الذي يجعلهم عاجزين عن اسقاط نظامها. ومن الاسباب ثالثاً ان المملكة هي حليفة لاميركا واميركا هذه تراجعت من زمان عن تأييد اسقاط النظام السوري، وتبنت بعد تدخل اسرائيل، سياسة المحافظة عليه والضغط عليه في الوقت نفسه لتغيير سلوكه. وكان الدافع الاسرائيلي للتدخل اقتناع بان نظاماً آخر سيكون اسلامياً اصولياً سلفياً عنفياً وتالياً اكثر خطرا على اسرائيل من النظام الحالي. ومن الاسباب رابعاً واخيراً ان اللبنانيين الذين تعتمد عليهم السعودية “للدق” بالنظام السوري هم عرضة ايضاً لنفوذ مصري. فهم كانوا موضع تجاذب مصري – سعودي عندما كانت الرياض والقاهرة على غير وفاق. وكانوا موضع تفاهم مصري – سعودي على دعمهم وحمايتهم عندما كانت هاتان العاصمتان على وفاق كما هي حالهما اليوم.
طبعاً لا يعني ذلك ان المملكة ومعها مصر ستستسلم الى سورية بشار الاسد وخصوصاً في لبنان حيث المعركة الفعلية بين الفريقين. فهما ستدعمان من يحتاج الى دعمهما لمنع تحولهم مجموعة بلا قيمة ولا نفوذ في بلادهم ولمنع تحول لبنان جزءاً من المحور الاقليمي المعادي والخطر على العرب جميعاً. وقد ينتج من ذلك وفي ظل اصرار سورية على الاستمرار في سياستها اللبنانية حرب اهلية او مذهبية لن يكون سهلاً على اي فريق حسمها لمصلحته الا اذا حصل تدخل خارجي. وعدم الحسم هنا قد يشكل على المدى الطويل خطراً على النظام السوري وإن من دون ان يكون مقصوداً سواء من السعودية او من مصر.
ماذا عن سورية؟ وهل تشعر فعلا بالخوف على نظامها من اصوليي سنة لبنان وتحديداً شماله “المدعومين” من المملكة العربية السعودية؟
بداية يجيب العارفون بالنظام الحاكم في سورية بان السياسة الاميركية في الشرق الاوسط عموماً وخصوصاً في فلسطين والعراق وافغانستان ولبنان وتحول معركتها ضد الارهابيين المسلمين الاصوليين حرباً على الاسلام في نظر المسلمين في صورة عامة أفادا هذا النظام وقوّيا قاعدته الشعبية ووسّعاها بعدما كان مصدر قوته مقتصرا على الاجهزة الامنية والعسكر. انطلاقاً من ذلك يمكن القول ان لا خوف على النظام السوري من اهله او بالاحرى ان الخوف قليل جداً وخصوصاً في ظل ترافق توسع القاعدة الشعبية له مع مواقف اقليمية ودولية رافضة تغييره بل منزعجة من الضغوط التي فرضت عليه الانسحاب من لبنان عام 2005 خوفا من سيطرة “حزب الله” عليه وقد حصل ذلك تقريباً، لكن العارفين يقولون، الى ذلك، ان استمرار قوة نظامها يقتضي محافظته على التقاء المصالح بينه وبين اسرائيل وتعزيز الانفتاح الاوروبي الاخير عليه والافادة من الامرين لتأمين انفتاح اميركا عليه وتسوية الخلافات التي تكاد ان تصبح مستعصية بينه وبين العرب الاخرين وفي مقدمهم مصر والسعودية. ذلك ان المنطقة العربية والاسلامية صارت منقسمة مذهبياً على نحو لا سابق له كما ان تحول هذا الانقسام عنفياً قد يورط الجميع ولا يعود في مقدور احد ان يحمي احداً ويصبح الجميع في خطر اي خطر الحروب الاهلية ذات الطبيعة المذهبية. وهذا امر قد يبدأ قريباً اذا لم يكن بدأ استنادا الى مصادر اقليمية مطلعة وقد يشمل كل مناطق العالم التي فيها مسلمون.
طبعاً لا يرمي هذا الكلام الى “احباط” المحاولة التي يقوم بها زعيم تيار “المستقبل” النائب سعد الحريري لمصالحة المتحاربين “مذهبيا” في طرابلس تجنباً لحرب واسعة في الشمال يظن هو وحلفاؤه ان سورية تعد لها لاستعادة سيطرتها على البلاد وإن سياسياً او على الاقل لالحاق الهزيمة بهم. فنحن كما اللبنانيون كلهم مع نجاحها. لكن ذلك لا يتحقق الا اذا كان اللبنانيون الاخرون الذين ايدوها صادقين في تأييدهم لها واذا كانت سورية متخوفة فعلاً من حرب مذهبية او من سيطرة سلفية على شمال لبنان. ويتطلب التأكد من الامرين بعض الوقت وخصوصاً بعدما طالب بعض حلفاء سورية من الطرابلسيين وعبر التلفزيون الاحد الماضي بأمرين لا يعتبرهما اخصامهم مشجعَيْن. الاول، اعتبار “تيار المستقبل” طرفا في “حرب طرابلس” وليس وسيطاً. والثاني، الطلب من “المستقبل” والسلفيين التراجع عن اتهام سورية بانها وراء اطلاق الفتنة المذهبية او الحرب في طرابلس والشمال والاصوليين.
النهار