المعارضة السورية.. اسمحوا لنا أصدقائي
غسان المفلح
سأبدأ من حيث تنتهي جميع الفرضيات النقدية حول المعارضة السورية بسؤال: لو كان لدينا كوكبة من المعارضين الذين تحدثت عنهم أو تأملهم المقالات النقدية، والدراسات والأبحاث بشأن المعارضة، ولديهم الآن كتلة اجتماعية لا بأس بها، فهل هذه الكتلة قادرة على فرض شعار واحد من شعارات المعارضة السورية كإلغاء قانون الطوارئ على سبيل المثال لا الحصر؟ لهذا من الطبيعي البحث عن نتائج ملموسة، لا عن نقد الغرض منه النقد فقط، أو وضع الناقد في موقع النزاهة البحثية والدوافع النبيلة، والتي تقتضي شئنا أم أبينا، معيارا ما لعملية النقد هذه
بداية على النقد تلويث يديه في طين البلاد وسجونها وشجونها، ليس من موقع المزايدة على أحد، بل من موقع الحرص على النقاد أنفسهم وعلى استمرار العملية النقدية تجاه كل الفعل المعارض. لأنه أساسا ليس من باب الأمانة أن يزايد أحدا منا كمعارضة على الآخر، وانطلاقا من هذه المقدمة البسيطة، نضع مقدمة أخرى مفادها “لو قام الرئيس بشار الأسد بوضع إستراتيجية انتقال ديمقراطي في سورية، لما ترددت لحظة بالوقوف معه” هذا أمر لا جدال فيه مطلقا. ولكن الذي يحدث أن الفعل الاجتماعي برمته وبمستوياته كلها يعتمد على معيار واحد، تستقيه السلطة وأجهزتها كلها (انطلاقا) من مبدأ” كم من القوة تمتلك للاستمرار كما هي حاليا سلطة قوة عارية، ودون أي تغيير داخلي” وهذا يفترض سؤالاً: كم تمتلك المعارضة من القوة لفرض بعضا من أجندتها أو أهدافها السلمية في التغيير الديمقراطي؟ لهذا نحتاج إلى قليل من العقل العملي للتفكر في الفعل السياسي في سورية. على المعارضة أن تحسم قضايا ذات طابع عملي ومباشر، ودون توريات مزايدة أو مناقصة على السلطة وعلى نفسها، بعد هذه المقدمات، وأولها، الديمقراطية معركة تحتاج إلى كل سوري. وبعدها وفي ظل هذه الديمقراطية، يعاد الفرز الاجتماعي والطبقي والسياسي وفي ظل الحرية. وبعدها يعيد المجتمع في سياق حركته العادية تنضيد طبقاته ومصفوفاته الاجتماعية، وليأخذ وقتها أي فصيل سياسي أو تجمع مدني موقعه بناء على التنضيد الجديد في ظل الحرية السياسية والاجتماعية، والمصالح المتحركة بتحرك الفعل الاجتماعي. النقطة الأخرى التي يجب التعامل معها بكثير من الدراية والحسم والمرونة، دور الرأي العام الدولي والعربي في دعم عملية التغيير الديمقراطي في سورية. وهذه نقطة اتضحت من خلال مجموعات من المعارضة التي انفرجت أساريرها جراء ما توهمت أن ساركوزي قام بإدارة دفة المجتمع الدولي نحو وجهة أخرى، بما يتعلق في سورية، وبأن ساركوزي أصبح الآن يقف حجر عثرة في وجه المعارضة السورية، وأن الرئيس الفرنسي قد أنقذ النظام السوري من براثن الهجمة الإمبريالية الأمريكية الشرسة. هذه المعارضة المتمحورة حول إعلان دمشق وجبهة الخلاص، والتي تعرضت إلى هجمة نقدية من جهة ومنها ما هو تشهيري في الآونة الأخيرة، رغم أنني خارج هذين الإطارين بالمعنى التنظيمي للكلمة، ومن هذه الهجمات ما هو شامت جراء الحركة الساركوزية، التحليل السياسي خاضع دوما لوجهات نظر، عكس الخبر الذي يتعلق بمعلومة وحدث رابض على الأرض، وساركوزي قام بحدث علينا رؤيته وعدم التخفيف منه أو تضخيمه جراء توقنا نحن السوريين للتحليل السياسي. أن تشمتوا فهذا حق لكم، ولكن ماذا لديكم بعد هذه الشماتة؟ لو رددنا بنفس الطريقة، لقلنا عار على من يهاجم الإمبريالية الأمريكية وهو يرى إسرائيل تحمي نظامه! ومع ذلك لن نقول هذا الكلام لأننا مؤمنون بأن معركة التغيير الديمقراطي ليست تهجمات وليست تحاليل سياسية، بل هي موازين قوى تتحكم بالعملية السياسية، وتستقي منها مفرداتها اليومية” لن نتحدث أيضا في هذا الإطار، ونقول أن شهر العسل الساركوزي لن يطول كثيرا، إلا بعد أن تمنح إسرائيل الثقة من جديد لشروطها التي يمكن أن تتحقق في سياق المفاوضات الجارية عبر الوسيط التركي اللامع إسلاميا. كنا منذ زمن بعيد نتحدث أن المجتمع الدولي منظمات وحكومات هو ما نحتاجه وليس هو من يحتاجنا، لأنه قادر على استجلاب كثير من مصالحه من مؤسسات السلطة، والمعارضة ماذا لديها لتقدم له؟ ويعقب ذلك سؤال: كيف نجعل المجتمع الدولي يميل إلى مطالبنا؟ لا نقول يتبناها بالكامل ولكن نتحدث عن ميل ما، بهذه الدرجة أو تلك لتبني بعضا من مطالب المعارضة السورية. وحتى لو تم ذلك، ماذا بوسع المعارضة أن تفعل والذكرى الصدامية ماثلة أمامنا؟ ثلاثة عشر عاما من الحصار والدعم للمعارضة العراقية لم تستطع أن تحرك ساكنا في العراق، رغم أن قسما مهما منها كان مسلحا إيرانيا وسوريا! بعد ذلك ما الذي تستطيع المعارضة السورية القيام به في ظل ميزان القوى الكاسح داخليا لصالح أجهزة القوة والفساد لدى النظام، وهي تدرك من جهة أخرى أن النظام لم يعد لديه ما يقدمه للبنية الاجتماعية السورية، سوى مزيدا من الحصار الداخلي والفساد والقمع؟ إلى أين ستستمر مسيرة النظام لاستكمال عقود مديدة من الظلم والتجبر والفساد، وكل أنواع الأمراض الاجتماعية التي باتت تهدد المجتمع السوري بالكثير مما يخاف فيه على نفسه؟ المسألة ببساطة متناهية، التغيير يحتاج إلى قوى تغيير! فأين هي؟ وهل سيبقى المناضلون يدفعون كل هذا الثمن من سجون ومنافي ومعتقلات؟ وإلى متى؟ وهل هنالك من أفق؟ ليجيبنا الذين فرحوا بالاختراق التكتيكي الذي أحدثه السيد ساركوزي في جدار الضغط الدولي على النظام السوري؟ ليس لدينا سوى ما نستطيع قوله، وهل هذا يمكن أن يغير في ميزان القوى الداخلي لصالح قوى التغيير؟ لهذا (فإن) جلد الذات ضروري بحدود معرفة موازين القوى وحسب، أما أن يكون لغايات أخرى فهو أمر يزيد من الضغط النفسي على خطاب التغيير ويحرفه عن مجراه الحقيقي. وسؤالي الأخير في الحقيقة: هل تغيرت ظروف الاعتقال السياسي في سورية؟ وهل تغيرت معاملة ميشيل كيلو وعلي العبد الله وولده، وأنور وأكرم البني وبقية المعتقلين؟ طالما أنها لم تتغير وهذه أبسط الأمور، ما الذي لدى النظام لنراهن عليه؟