واقع منظمات حقوق الإنسان في سورية وآفاقها
وائل السواح
لا تتمتع سورية بسجلّ ممتاز في مجال حقوق الإنسان. ويعتبر مفهوم حقوق الإنسان مفهوما جديدا على الساحة السورية. فمع التطورات السياسية السريعة التي عصفت بالبلاد منذ ستينات القرن الفائت، كانت المفاهيم السياسية مثل الاشتراكية والإمبريالية والقومية والوحدة والديمقراطية هي المتداولة، وفي حين تقدم مفهوم التحرّر الوطنيّ تراجع مفهوم الحريات الفردية وحقوق الإنسان. وقد أعلنت حالة الطوارئ في سورية بالقرار العسكريّ رقم 2 الصادر صبيحة الثامن من آذار، 1963. رغم إقرار دستور للبلاد في عام 1973، إلا أن قانون الطوارئ لم يعدّل، كما أنّ حالة الطوارئ بقيت مستمرّة دون انقطاع على امتداد العقود الأربعة الفائتة.
بدأ إدخال مفهوم حقوق الإنسان إلى ساحة العملين الثقافي والسياسي متأخّرا جدّا عن باقي بلاد الدنيا. بل إنّ أول منظمة معروفة لحقوق الإنسان لم تشكّل إلا مع نهاية الثمانينات من القرن الماضي، وهي منظمة لجان الدفاع عن الحريات الأساسية وحقوق الإنسان.
ومع ذلك لم تكن هذه المنظمة هي أوّل منظمة بالفعل. ففي الستّينات من القرن الماضي تمّ تأسيس جمعية لحقوق الإنسان سميت برابطة الدفاع عن حقوق الإنسان، وكان مؤسّسوها مجموعة من خيرة المحامين والأطباء السوريين المرموقين منهم د. أحمد بدر الدين؛ د. أسعد الاسطواني؛ المحامي بشير كعدان؛ المحامي عاكف باكير؛ المحامي عبد الحميد الخليل؛ د. عبد المسيح داغوم؛ د. فايز القوتلي؛ د. مروان محاسني؛ د. موفق الكزبري؛ والمحامي نزار سعيد. ومن الغريب أنّ هذه الجمعية كانت مرخّصة من قبل السلطات المختصة في الحكومة السورية، وقد تم إشهارها بكتاب من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل إلى “رئيس رابطة الدفاع عن حقوق الإنسان بدمشق.” وفي نصّ الكتاب أنّه “عملا بأحكام المادة 9 من قرار رئيس الجمهورية 1330 لسنة 1958، المتضمن اللائحة التنفيذية لقانون الجمعيات والمؤسسات الخاصة، نرسل إليكم طيا نسخة من نظام جمعيتكم الذي تم شهره برقم 700 وتاريخ 8/7/1962، مؤشرا عليه بذلك. تاريخ 5/7/2006؛ توقيع وزير الشؤون الاجتماعية والعمل”.
كان ذلك الكتاب هو الأوّل والأخير الذي يصدر منذ العام 1963 وحتى الآن، فلم يسبق أن منح قبلها ترخيص لجمعية سورية لحقوق الإنسان، ولم يحدث ذلك بعدها أيضا. وأعلنت الرابطة أنّ هدفها “إرساء مبادئ حقوق الإنسان في نفوس المواطنين” وإلى “تطوير هذه المبادئ ونمائها وضمان حقوق الإنسان وحرياته الأساسية والدفاع عنها عملا وفولا”. غير أنّ فاعلية الرابطة ظلت ضعيفة على أية حال، وظلت قائمة حتى تلاشت، دون أن يعلن رسميا عن حلّها.
أما أوّل تحرّك فعليّ لامس قضايا حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سورية، فكان بلا شك تحرّك نقابة المحامين الذي قامت به في نهاية السبعينات. ففي آذار/مارس 1978، قام مجموعة من المحامين بصياغة كتاب، وجمعوا عليه توقيع ربع أعضاء الهيئة العامة لمحاميي دمشق، للمطالبة بعقد جلسة للهيئة لمناقشة قضايا الحريات العامة وحقوق الإنسان. وقبل موعد انعقاد الهيئة العامة بأيام، اجتمع ثلاثة محامين يمثلون تيارات مختلفة داخل النقابة، وهم هيثم المالح ومروان الحصري ونزار عوايني، واتفقوا صياغة مشروع لمسألة حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
وفي 22/6/1978، عقد مجلس نقابة المحامين في دمشق جلسة رسمية درست فيه حالة الطوارئ والأحكام العرفية في البلاد، حيث تلي مشروع القرار فنال شبه إجماع. وصدر عن فرع نقابة دمشق للمحامين قرار يرى أنه التزاما من النقابة “برفع الظلم عن وإزالة الحيف والدفاع عن المواطن (…) وإيمانا منها بأنّ قانون الطوارئ المعمول به حاليا لم يحقّق الغاية من إصداره بل أدّى إلى عكس ذلك. فضلا عن أنه قد أسيء استعماله إساءات بالغة، واستعمل في ما لا علاقة له بالحرب (…) واعتقادا منها بأن لا شيء يساعد على قوة الوطن ومنعته وازدهاره مثل الأوضاع الطبيعية، وهو الأمر الذي لا يأتلف مع قانون الطوارئ والأحكام العرفية المعلنة، ذلك أنّ الدفاع عن حدود الوطن يبدأ من الدفاع عن كرامة المواطن (…) فإنّ الهيئة العامة لفرع نقابة المحامين في دمشق (…) تطلب من المؤتمر العام ما يلي:
أولا: المطالبة برفع حالة الطوارئ المعلنة بالأمر العسكريّ رقم 2، تاريخ 38/3/1963، فورا.
ثانيا: السعي لتعديل قانون الطوارئ بحيث يقيد إعلان تلك الحالة بأضيق الحدود والقيود، وعلى أن تقصر مدنها بثلاثة أشهر قابلة للتمديد إلى مدة مماثلة بعد استفتاء الشعب مباشرة.
ثالثا: اعتبار الأحكام العرفية الصادرة خلافا لأحكام قانون الطوارئ والتي أضحت شبه مؤسسة تشريعية سرية معدومة انعداما مطلقا، والطلب إلى الأساتذة المحامين والقضاة إهمالها وعدم التقيد بمضمونها وعدم المرافعة استنادا إليها ومقاطعتها مقاطعة تامة.
رابعا: اعتبار أي محام، وخاصة محامي الدوائر الرسمية والمؤسسات العامة وجهات القطاع العام، (…) يشير على تلك الجهات بالعمل والسعي لاستصدار أوامر عرفية بمصادرة أموال المواطنين والاستيلاء عليها وحجز حريتهم وتجاوز الأحكام القضائية (…) إنما يرتكب زلة مسلكية يجب مساءلته عليها أمام مجلس التأديب…
خامسا: السعي لإلغاء المحاكم الاستثنائية تحت أي تسمية كانت، وإحالة القضايا المعروضة عليها إلى المراجع المختصة في القضاء العادي، واعتبار أنّ كل ما صدر عنها ويصدر من أحكام خلافا لأحكام القانون ومبادئ العدالة إنما هو معدوم.
سادسا: الطلب إلى الأساتذة المحامين عدم المثول والمرافعة أمام المحاكم الاستثنائية، ومقاطعتها مقاطعة تامة تحت طائلة المساءلة المسلكية أمام مجلس التأديب، وذلك حتى لا تكون مؤسسة المحاماة المقدسة ستارا يضفي الشرعية على أعمال تلك المحاكم.
سابعا: تحريم جميع صور الكبت والقهر والقمع والتعذيب الجسدي والنفسي المنافية للكرامة الإنسانية والوطنية، وتطبيق مبدأ سيادة القانون واستقلال القضاء العادي، وتمكينه من أداء واجباته بحرية تامة وإنهاء كل حالات الاعتقال الكيفي وإطلاق سراح المعتقلين بسبب الرأي أو الفكر أو العقيدة، أو إحالتهم إلى القضاء العادي لمحاكمتهم محاكمات عادلة وعلنية يؤمن لهم فيها حق الدفاع وتحترم فيها حقوقهم الأساسية.
ثامنا: التصدي لجميع أنواع الاعتقال والاتهام والامتهان وفرض العقوبة، التي تمارسها جهات غير قضائية لا تخضع إجراءاتها لأي رقابة قانونية أو قضائية.
تاسعا اعتبار مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الدستور الأساسيّ للمواطن وتقديم أحكامه على أيّ نصّ تشريعيّ محلّيّ مهما كان نوعه في حال تعارض أحكامهما.
بعد صدور القرار، شكلت نقابة دمشق ما سمّي بلجنة الحريات العامة وبدأت اللجنة تتحرك وتقوم بعمل جيد ضمن النقابة، كما راحت اللجنة تشكل ضغطا معنويا وتقدم مشروعات قرارات أخرى وتنشط ماديا لتطبيق قرار نقابة المحامين، واستمر عملها منذ تأسيسها في صيف 1978 وحتى مطلع العام 1980. وقامت مجلة لوموند ديبلوماتيك بنشر القرار بعد شهر من صدوره. واستلم نقيب المحامين آنذاك صباح الركابي رسالة من اتحاد الحقوقيين العالمي يشيد الاتحاد بالقرار رقم واحد ويقول إنه خطوة عظيمة في سورية، ووجه الاتحاد دعوة إلى الركابي لزيارة فرنسا.
وكان تحرك المحامين بداية لتحرك نقابيين مهنيين آخرين، بينهم اتحاد الكتاب ونقابة المهندسين وأساتذة الجامعات. وكان من الممكن لهذه الحركة أن تسفر عن نتائج مختلفة لولا وقوع حدث استثنائيّ في تاريخ سورية المعاصر هو قيام جماعة “الإخوان المسلمين” بتحركات عنفية في سورية، استهدفت في البداية رموزا من السلطة السورية، ثم امتدت لتشمل رموزا مهمة في القضاء والتعليم الجامعي وشخصيات مجتمعية مرموقة، من مثل الأستاذ والمحامي محمد الفاضل، الذي كان لاغتياله أثر كبير على السلطة السورية والشارع. والأسوأ أن تحرك الإخوان تطور ليمتد إلى قطاعات شعبية واسعة في بعض المدن السورية، مثل حلب وحماة، التي شهدت أكبر صدام مسلح بين الجماعة والسلطة، انتهى باقتحام قوات سورية خاصة للمدينة ومقتل آلاف من شباب المدينة، ومن ثمّ تدمير أحياء كاملة من المدينة القديمة وإعادة بنائها بشكل عصريّ، بشوارع واسعة، بدلا من الحواري القديمة التي كانت تسهل عملية اختفاء مقاتلي الإخوان المسلمين وهربهم.
وقد اتهمت السلطة جماعة الإخوان المسلمين بقتل “المئات، إن لم يكن الآلاف من خيرة أبناء الشعب السوري،” وبنشر ” الفتنة وإشعال الحــرب الأهليــــة في سوريا منذ عام 1975– 1986 وخاصة بين أعوام 1976– 1982،” واتهمتهم بأنهم “اختطفوا مدينة حماه في شباط 1982 وقتلوا على الفور المئات من مواطنيهـا الأبرياء ومن مسؤوليهـا في الحـزب والدولــة، وبسلاح ثقيل ومتوسط ومحطات اتصـال متطورة حصلوا عليها بتمويل ودعـم مـن (الرئيس العراقي السابق) صدام حسين.” وتتساءل “هل يوجد دولة في الدنيا تخدم نفسها، تقبل بأن تخطف لها طائرة أو باخرة أو سيارة، ويقتل الخاطفون ما تطوله أيديهم، ثم لا تقوم تلك الدولـة باستخدام القـوة لتحرير الطائرة أو الباخرة ، فكيف إذا كان المخطوف مدينة بكاملها ؟ وهل حدثت عمليـة تحرير لطائرة مخطوفة، إلا وسقط فيها أبريــاء، فكيف بتحرير مدينة مخطوفة؟! وخاصة عندما تمادى القتلة الخاطفون في ذبح وقتل الأبرياء قبل أن تتمكن الدولة من وضع حد لعملية الخطف؟”
ومهما يكن، ومهما تكن الحقيقة، فالحقيقة الأخرى التي مراء فيها أن الصراع بين السلطة السورية والإخوان المسلمين أنهى زمنا من التراخي السلطويّ الذي تميز به بداية عهد الرئيس السوريّ الراحل حافظ الأسد، وسارت الأمر باتجاه تصعيد، صار معه الحديث عن حقوق الإنسان أمرا من المحرمات. واستمر الوضع على هذه الحالة، حتى نهاية التسعينات، حين أدخل إلى الساحة المجتمعية السورية مصطلح بدا غريبا في تلك الأثناء: حقوق الإنسان.
وكان ذلك على أيدي حفنة من الناشطين السياسيين السابقين الذين اعتقل بعضهم لسنوات بتهمة العمل في منظمات سياسية محظورة. وقد تخلى هؤلاء الأفراد عن العمل السياسي لصالح العمل الحقوقي. وينبغي الاعتراف لهذه المجموعة بقصب السبق في هذا المجال. ذلك أن نشاط المحامين في العام 1978 لم يسمّ الأمور بمسمياتها، ولم يتحدث عن حقوق الإنسان كمفهوم وكواقع، أما رابطة حقوق الإنسان فلم تقدم سوى اسم لا يذكره معظم السوريين. بالمقابل، يعتبر الكثيرون في سورية والعالم العربي تشكيل “لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان” في 10/11/1989 بداية انطلاق الحركة الحديثة لحقوق الإنسان في سوريا.
وتقول ناشطة حقوقية مرموقة في سورية ومن مؤسّسي الجمعية في مرحلته الثانية، حسيبة عبد الرحمن- إنّ تأسيس الجمعية جاء “بتأثير المدّ الديمقراطيّ الذي انتشر في العالم بعد سقوط الأنظمة الشمولية في أوربا الشرقية والانهيار المدوّي والدراماتيكيّ للسلطة في رومانيا وتأثيره في النخب السياسية والثقافية بالعالم الثالث ومنها سوريا، ولعلّ أحلاماً كبيرة داعبت البعض في لعب دور سياسيّ قادم”.
وترى الناشطة عينها أنّ هذا المناخ الدوليّ شكّل أرضية ملائمة للإعلان عن قيام اللجان “كجمعية أهلية طوعيه ولكن بآليات عمل حزبية سرية تأثراً بالمحيط السياسيّ السائد آنذاك وكنتيجة للشروط الموضوعية القائمة.” وهي غياب الحريات السياسية من جهة و غياب إرث الجمعيات الأهلية في سورية. وتضيف أنّ تاريخ سورية الحديث “تاريخ أحزاب وهذا ما ترك أثره على مختلف الأنشطة وأدوات التعبير وما تزال الجمعيات تفتقد إلى رؤى وآليات عمل خاصة بالعمل الأهليّ وتتعثّر به، وتعيش حالة خلل وظيفيّ إن كان في البنية أو الأهداف رغم انهيار وسقوط مرحلة أيديولوجية وسياسية بأكملها لكن ثقافتها النظرية والميدانية لا تزال هي السائدة”.
وبسبب انعدام الخبرة في هذا المجال، وبسبب الماضي السياسيّ لمؤسّسي اللجان، فقد خلطت اللجان بين تجربتها الحقوقية وتجربة الأحزاب السياسية في التنظيم والخطاب، بحيث كان يصعب التمييز بين بياناتها وبيانات المعارضة السياسية (وخاصة اليسارية) في تلك الفترة. وكان آخر بيان أصدرته في العام 1991، بيانا سياسيا بامتياز، بمناسبة إعادة انتخاب الرئيس الراحل حافظ الأسد. وهو ما اعتبره البعض “الشعرة التي قصمت وقضمت المنظمة وأودت بها إلى السجن نهاية كانون أول عام 1991.”
وصدرت أحكام قاسية بحق مؤسسي اللجان وناشطيها، تراوحت بين ثلاث وعشر سنوات وتجريدهم من الحقوق المدنية، وهو ما يمنعهم في حال إطلاق سراحهم من المشاركة في العملية السياسية والانخراط في وظائف الدولة.
بقي فرع اللجان في الخارج يعمل ويصدر البيانات ويطالب بإطلاق سراح أعضاء المنظمة وبقية معتقلي الرأي واستطاعت المنظمة بالخارج إطلاق حملة عالمية للإفراج عن أكثم نعيسة الناطق باسم المنظمة، توّجت أخيرا بإطلاق سراحه فعلا في عام 1997 وكان قد أطلق سراح مجموعة من اللجان في وقت سابق وبقيت مجموعة أخرى في السجن حتى غاية 2001.
حقوق الإنسان في العهد الجديد
بعد تولّي الرئيس السوري بشار الأسد سدة الحكم في سورية، وبعد خطاب القسم الذي أداه في تموز 2000، بدأ محامون وسياسيون وناشطون في مجال حقوق الإنسان بتشكيل جمعيات غير حكومية للدفاع عن حقوق الإنسان ورفض كل أشكال التعدّي على هذه الحقوق. وقد حاولت معظم هذه الجمعيات تقديم طلبات للترخيص، إلا أنّ هذه الطلبات رفضت جميعا.
وقد أعادت لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان تأسيس المنظمة في الداخل. وفي 15/9/2000، تم الإعلان عن إعادة التأسيس ليكون أول خطوة علنية في سوريا منذ سنوات طوال. وقد تم في الاجتماع تأسيس مجلس أمناء جديد من ثلاثة عشر عضوا، بينهم سيدة واحدة، وانتخب مجلس الأمناء أكثم نعيسة رئيسا للمجلس، كما انتخب مكتب أمناء لإدارة العمل اليوميّ، وتألّف المكتب من أكثم نعيسة، حسيبة عبد الرحمن، حازم نهار، أحمد درويش، جديع نوفل، وغياث نعيسة.
مع إعادة تشكيل اللجان، بدأت مرحلة جديدة من العمل العلنيّ في مجال حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سورية. وبدأت اللجان تصدر بيانات وترصد الخروقات، وتوجت سنتها الأولى بإصدار تقريرها السنوي الأول، من 34 صفحة، في العام 2001 عن “الحريات العامة وانتهاكات حقوق الإنسان في العام 2000 والانفراجات في العام ذاته والمنفيين الطوعيين والجولان والانتفاضة الفلسطينية.
وجاء في التقرير: “بعد سنوات من العسف المباشر والقهر الأمني الشديد، تشهد البلاد بعض الانفراجات على المستوى الأمنيّ، في عهد الرئيس بشار الأسد. وتترافق هذه الانفراجات ذات الطابع الأمنيّ بانفراجات على المستويين السياسيّ والاقتصاديّ.
بيد أن المنظمة الحقوقية الأولى، والتي خلطت بين السياسيّ والحقوقيّ، حملت معها بذور المرض الرئيس الذي تتمتع بها الأحزاب السياسية في سورية: الانقسام. وسرعان ما بدأت بذور الخلاف داخل اللجان، بسبب ما أسماه ناشطون مرموقون “تفرّد رئيس اللجان التاريخيّ أكثم نعيسة، بمنصب الرئيس واحتكار الإعلام والتقدير الذي ينبغي أن يعود إلى المنظمة وليس إلى شخص واحد.”
ويقول بعض المتابعين لقضايا الحقوقيين السوريين إنّ نعيسة بدأ يفقد بريقه الذي حازه في نشاطه عبر السنوات. وقد ساهم هو في ذلك، عندما يحتجّ على أيّ ظهور لأيّ ناشط غيره في أيّ مجال داخلي أو محفل خارجي. ويستشهدون على ذلك بالرسالة القوية التي وجهها إلى السيد حجاج نايل، مدير البرنامج العربي لحقوق الإنسان الذي كرّم في العام 2002 المحامي هيثم المالح. واتّهم نعيسة البرنامج باستخدام “ذات الوسائل التي تستخدمها السلطات العربية،” وذلك من خلال تكريم “شخصيات حقوقية ليس لها تاريخ.” وقد أدّت الرسالة المذكورة إلى اضطراب في الوسط الحقوقي السوريّ وداخل اللجان نفسها مما دفع بأحد أعضاء مكتب الأمناء في اللجان إلى توجيه رسالة اعتذار إلى المحامي هيثم المالح بسبب تهجم نعيسة عليه.
أما البرنامج العربي فوجّه رسالة قوية إلى نعيسة يذكره بتاريخ المالح النضاليّ، من جانب ويذكّره بأنّ البرنامج لم يأل جهدا في الدفاع عن نعيسة وزملائه عندما كانوا في السجن، وإطلاقه أربع حملات دولية من أجل إطلاق سراح نعيسة بسبب سوء وضعه الصحيّ.
كان ذلك بداية النهاية بالنسبة لتاريخ نعيسة، ولئن لم يحسم الخلاف في اجتماع الهيئة العامة في القاهرة عام 2003 في شهر تشرين أوّل، حيث أعيد انتخاب أكثم نعيسة رئيسا للجان، فإنّ الخلاف حسم في اجتماع الجمعية العمومية الثانية في أواخر آب عام 2006 في عمان، حيث انتخب مجلس أمناء وانتخب مكتب أمانة وانتخب دانيال سعود رئيسا للجان.
على أنّ نعيسة لم يستسلم لذلك، فبادر مع اثنين من أشقائه وبعض أنصاره إلى الاحتفاظ باسم اللجان، ولكنه توقّف عن النشاط منذئذ، باستثناء بعض البيانات التي يصدرها بين الفينة والأخرى، والتي تؤيّد بشكل أو بآخر الحكومة السورية.
جمعية حقوق الإنسان في سورية
ومن أوائل هذه الجمعيات التي تأسّست في العهد الجديد “جمعية حقوق الإنسان في سورية.” أنشئت جمعية حقوق الإنسان في سورية، في تموز عام 2001، من قبل مجموعة من المثقفين والمهتمين بالشأن العام. وكان الدافع الأساسيّ لتأسيس الجمعية هو “الواقع المتردّي لحقوق الإنسان في سورية.”
وساهم في تأسيس الجمعية محامون وناشطون معروفون في الساحة السورية منهم هيثم المالح وأنور البني وسليم خير بيك وأحمد فايز الفواز وجهاد مسوتي وأكرم البني، وحبيب عيسى ومحمد نجاتي طيارة و جاد الكريم الجباعي ووليد البني. وانتخبت الجمعية رئيسا لها المحامي هيثم المالح، الذي كان عضوا نشطا في نقابة المحامين نهاية السبعينات واعتقل لمدة سبع سنوات في فترة الثمانينات. وحاول المؤسّسون الحصول على ترخيص للجمعية فقدّموا الطلبات الرسمية إلى السلطة المعنية وهي وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وجاء الردّ برفض تسجيل الجمعية بعد 63 يوما، مما يعني “أن الردّ تجاوز المهلة القانونية، وهي ستّون يوما من تاريخ استلام الطلب. وقابل بعض المؤسسين وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل آنذاك غادة الجابي، التي كانت قد وعدت بالمساعدة في الترخيص، ولكنها أصرت على موقف الرفض، فرفع المؤسسون دعوى قضائية ضد الوزارة ادعوا فيها أن قرار الوزارة غير قانونيّ لأنه تجاوز المدة القانونية، ووفقا للقانون فإنّ القرار معدوم، لأنّ الجمعية تصبح مرخّصة قانونا في حال عدم الرد بالرفض خلال ستين يوما.
وبينما لا تزال القضية بين أخذ ورد، كانت الجمعية تنشط بشكل ملحوظ، فكانت ترصد الانتهاكات وتصدر البيانات وتشارك في الاعتصامات، وتصدر تقارير سنوية حول واقع حقوق الإنسان في سورية. وتحول مكتب المحامي هيثم المالح، وسط العاصمة دمشق، إلى ورشة عمل حقيقية وإلى مركز إعلاميّ لقضايا حقوق الإنسان والمجتمع المدني. وكان من المألوف أن تجد مراسلي الصحف وكاميرات التلفزيونات تتناكب في المكتب عند الإعلان عن تصريح صحفي أو مقابلة مع بعض الناشطين الرئيسين في هذين المجالين.
وعلى عكس تجربة اللجان، فقد أسست الجمعية لعلاقات جديدة في الحياة الداخلية للمنظمات الحقوقية السورية. ففي عام 2004، اجتمعت الهيئة العامة للجمعية، بحضور أكثر من سبعين عضوا، بينهم 57 عضوا يحقّ لهم التصويت والترشيح، حيث تمّ طرح كامل المشاكل التي تعاني منها الجمعية، ثم انتخبت مجلسا جديدا للإدارة من أحد عشر عضوا. ولم يرشح الرئيس السابق هيثم المالح ولا نائبه نفسه لأنّ النظام الداخليّ يحظر عليهما ذلك، فانتخب أحمد فايز الفواز خلفا له في رئاسة الجمعية. كما انتخب كل من محمد نجاتي طيارة نائبا للرئيس، بهاء الدين ركاض أمينا للسر، عفراء هدبة خازنة، وانتخب نجيب ددم وسليمان الكريدي وعبد الله الخليل وعلي الشريف وعلي المحمد وسعاد خبية ومروان الخطيب أعضاء.
ولسوف تشهد السنوات التي تلت أن نشاط الجمعية لم يكن على نفس المستوى، ولكن ذلك لا يعود بالضرورة إلى الدور الذي كان يلعبه هيثم المالح فحسب، ولكن إلى تردّي الأوضاع الأمنية في البلاد، وخاصة بعد اعتقالات 2006 و2007، وهو ما جعل نشاط الجمعية يتراجع بشكل ملحوظ.
المنظمة العربية لحقوق الإنسان
تأسست المنظمة العربية لحقوق الإنسان في سورية كامتداد للمنظمة العربية لحقوق الإنسان في القاهرة. وغلب عليها التوجه القوميّ الناصريّ. وكان من مؤسسيها محمد رعدون، الذي ترأس المنظمة في بداية تأسيسها حتى اعتقاله في العام 2005، وراسم الأتاسي، الرئيس الحالي للجمعية، وآخرون، من بينهم الناشط المعروف عمار قربي، الذي كان لفترة من الزمن الصوت الأبرز في المنظمة.
وتعرف المنظمة العربية نفسها بأنها منظمة أهلية للدفاع عن حقوق الإنسان ليست بذات ارتباط خارجي بأيّ منظمة دولية أخرى ولها تمويل ذاتيّ . وتؤكد المنظمة العربية لحقوق الإنسان على وحدة الأراضي السورية وتعلن وقوفها بمواجهة أية محاولة للمس بوحدتها باسم حقوق الإنسان وتسعى لتعزيز وحدة المجتمع السوري وتماسكه وتدعيم دولة الحق والقانون دولة جميع المواطنين.
ونشطت المنظمة العربية منذ تأسيسها ولغاية اعتقال رئيسها محمد رعدون بنشاط ملفت. ويعتقد أن جزءا كبيرا من هذا النشاط كان مرتبطا بشخص عمار قربي الناشط الشاب الذي يكرس معظم وقته للنشاط الحقوقي. ولكن حملة الاعتقال من جانب، وازدياد الضغوط الأمنية من جانب آخر، وانفصال قربي عن المنظمة وتشكيله منظمة أخرى، كل ذلك أدى إلى خفوت صوت المنظمة العربية في مجال الإعلام على الأقل.
المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان
أسست المنظمة الوطنية بمبادرة من مجموعة من الحقوقيين السوريين أبرزهم عمار قربي الذي غادر صفوف المنظمة العربية لحقوق الإنسان في سورية لأنه “بعد تجربة بسيطة في هذه المنظمات عانينا من مشكلة الإيديولوجية ومشكلة السياسة وتدخلها في العمل الحقوقي، فحاولنا أن ننشئ المنظمة الوطنية وكان لدينا هاجس أن لا تدخل السياسة في العمل الحقوقي، لذلك وضعنا شرطا في النظام الداخلي لمنظمتنا هو أنه يجب أن يكون أعضاء المنظمة الوطنية غير منتسبين إلى أحزاب سياسية سواء كانت أحزابا معارضة أو موالية.”
كما شغل المؤسسون بنقطة الثانية وهي ألاّ تتصف منظمتهم بصفة معينة “ومن هنا أتى اسم الوطنية حتى تشمل كل التيارات والمكونات ومن هنا نجد في مجلس الإدارة من كل الطوائف والأديان، مع أن هذا الاسم أحدث لبسا خارج سورية لأن كلمة وطنية تعني الدولة.”
وتعرف المنظمة نفسها بأنها هي منظمة للدفاع عن حقوق الإنسان والحريات العامة وتعزيزها في الجمهورية العربية السورية ومركزها دمشق ويمتد نشاطها ليشمل كافة أراضي الجمهورية العربية السورية من خلال لجانها في المحافظات والمناطق. ليس للمنظمة أية أهداف سياسية أو حزبية أو دينية وتنحصر أهدافها بكل ما هو حقوقي وإنساني، وتؤكد المنظمة استقلالها التام عن أية مرجعية سياسية أو حزبية، وتعمل في سبيل تحقيق أهدافها المنصوص عليها في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان بكل مواثيقها بالتعاون مع كافة الهيئات النشطة في مجال حقوق الإنسان. وهي عضو في المنظمة العربية لحقوق الإنسان “القاهرة” وعضو التحالف الجنائي العربي.
وقد تقدمت المنظمة بطلب ترخيص، ورفض من قبل الوزارة المختصة ولكن القضية لا تزال بين يدي القضاء السوري.
المنظمة السورية لحقوق الإنسان (سواسية)
تأسست المنظمة السورية لحقوق الإنسان في عام 2004. وكان لافتا منذ تأسيسها أسماء المؤسسين، حيث كان بينهم أساتذة ومفكرون يتمتعون باحترام كبير من قبل السوريين عموما، منهم المفكر صادق جلال العظم (الرئيس الفخري للمنظمة) وطيب تيزيني ومحمد شحرور وعاصم العظم والمحامي مهند الحسني. وتتمتع المنظمة بحسّ قانوني عال، نظرا لتمكن رئيس مجلس إدارتها مهند الحسني من القضايا القانونية النظرية. على أن الخلافات الداخلية بين أعضائها بدأت قبل أن يجفّ حبر التوقيع على إعلان التأسيس. فاستقالت أولا رهاب البيطار بسبب انتمائها لحزب سياسي، ومن ثم نشأ خلاف بين رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي للمنظمة عبد الكريم الريحاوي، انتهى إلى خروج الريحاوي من المنظمة وتشكيله لمنظمة أخرى حملت نفس الاسم لوهلة قبل تحولها إلى الرابطة السورية لحقوق الإنسان.
منظمات حقوقية كردية
إلى جانب المنظمات المذكورة، ثمة منظمات حقوقية كردية، تركز عل حقوق الأكراد إضافة إلى حقوق الإنسان بشكل عام. من هذه المنظمات: اللجنة الكردية لحقوق الإنسان في سوريا، منظمة حقوق الإنسان في سوريا (ماف)، منظمة حقوق الإنسان والحريات العامة في سوريا (داد).
وتقول هذه المنظمات إنها تأسست إيمانا منها “بأهمية احترام حقوق الإنسان والحريات العامة في سوريا، والوقوف عبر الوسائل الديمقراطية السلمية، استنادا إلى المرجعيات الفكرية لحقوق الإنسان، ضد أي اعتداء من أي نوع كان على هذه الحقوق والحريات بغض النظر عن مصدرها.” ثم تخص “الشعب الكردي في سوريا (بسبب ما يتعرض له) من انتهاكات فظة لحقوقه الأساسية وحرياته العامة واعتقال المواطنين الكرد لمجرد القومية وزجهم في السجون والمعتقلات.”
مراكز حقوق الإنسان
إضافة إلى منظمات حقوق الإنسان في سورية، ثمة مراكز نظرية تعنى بتطوير الوعي السوري بقضايا حقوق الإنسان عن طريق إعداد دراسات عن حقوق الإنسان في سورية. ومن أهم هذه المراكز:
مركز دمشق لدراسات حقوق الإنسان
هيئة علمية وبحثية وفكرية أنشئت عام 2005، وتهدف إلى تعزيز واحترام قيم ومبادئ حقوق الإنسان في سورية، من خلال جملة من البرامج، منها:
1- برنامج تعليم حقوق الإنسان: ويهدف إلى “تعليم ونشر حقوق الإنسان وتطوير أساليب وأدوات التربية على القيم العالمية لحقوق الإنسان والديمقراطية، من خلال عقد دورات وورش تدريبية لقطاعات متنوعة مع التركيز على الشباب.”
2- برنامج تعزيز دور المجتمع المدني والأحزاب السياسية في سورية: ويهدف إلى تعزيز العمل مع المنظمات غير الحكومية وحركات حقوق الإنسان في سورية، في إطار أنشطة تستهدف رفع الوعي بقضايا حقوق الإنسان والثقافة المدنية والديمقراطية.
3- برنامج الشباب وحقوق الإنسان: ويهدف إلى إقامة ورشات تدريب للشباب السوري في مجال حقوق الإنسان.
ويصدر المركز نشرتين هما البوصلة، وهي نشرة شهرية، والمشكاة، وهي نشرة فصلية، يشرف على تحريرهما الناشط والطبيب حازم نهار. كما يعمل المركز على إصدار عدد من الكتب في قضايا مفهومية تتعلق بحقوق الإنسان والديمقراطية.
المركز السوري للدراسات القانونية
أسسه المحامي المعتقل الآن أنور البني والمحامي خليل معتوق مع عدد من المحامين والناشطين الآخرين. ويعمل على نشر دراسات قانونية نظرية، وصياغة مفاهيم قانونية جديدة، ومشاريع قوانين، يقدمها إلى هيئات المجتمع المدني، بهدف مناقشتها قبل تقديمها إل الجهات الرسمية لأخذها بعين الاعتبار ودراستها، وإقرارها إذا ما ارتأت ذلك.
ومن المشاريع التي قدمها المركز مشروع دستور جديد للبلاد، ومشروع قانون جديد للأحزاب، ومشروع قانون جديد للجمعيات. يشرف على المركز الآن خليل معتوق. وقد أدى اعتقال رئيس المركز أنور البني والانكفاء الأمني الذي تمر به سورية إلى تراجع في أداء المركز.
إلى ذلك ثمة بضعة مراكز أخرى لا تزيد عن كونها أسماء بلا محتوى، يشرف عليها الناشط أكثم نعيسة واخوته، منها مركز شام لدراسات حقوق الإنسان، ومنظمة ألفا التي تعنى بتأهيل ضحايا العنف، ولجنة الدفاع عن المعتقلين.
المركز السوري للتدريب على حقوق الإنسان
لم تتح لهذا المركز الفرصة ليبدأ نشاطه، فقد أغلق بعد أيام من افتتاحه بشكل رسمي، وبحضور ممثلين عن الحكومة السورية والمفوضية الأوروبية في دمشق. أسس المركز المحامي والناشط المعروف أنور البني، ضمن “المبادرة الأوروبية الديمقراطية لحقوق الإنسان” والتي تتضمن 6 مشاريع مدنية وصحية. وانفق على المركز “معهد المساعدة والتضامن الدولي” (ايفياس) البلجيكي مبلغ 93 ألف يورو. وكان الهدف من إنشاء المركز توفير مكتب ومراجع حقوقية وتدريب نحو 300 صحافي ومحام سوري في شؤون حقوق الإنسان.
ووفقا لتقارير صحفية، كانت المفوضية الأوروبية في دمشق أعلنت في 21 شباط/فبراير 2006 عن افتتاح المركز في مكتب المحامي أنور البني. لكن الأمن السياسي طلب بعد فترة قصيرة من البني إغلاق المركز، وطلبت وزارة الخارجية في 27 شباط/فبراير 2006 من البعثة الأوروبية إغلاق نشاطات المركز، وذلك قبل موعد بدء نشاطاته التدريبية المقررة في 1 آذار/مارس 2006. وكشف أسلوب تعاطي السلطات السورية مع المركز عن فجوة عميقة بين الجانبين السوري والأوروبي في التعاطي مع المنظمات غير الحكومية وفي الموقف من حقوق الإنسان كجزء أساسي من اتفاق الشراكة السورية ـ الأوروبية الموقع عليها بالأحرف الأولى. ويؤكد الجانب السوري أن الحكومة السورية لم تتحفظ على برامج المبادرة الأوروبية للديمقراطية وحقوق الإنسان في سوريا بل رفضتها بشكل كامل ولم تقرها أصلا، وذلك لأن جميع المشاريع المشتركة مع الأوروبيين وغيرهم يجب أن تنفذ بعد حصولها على موافقة السلطات السورية الرسمية.
واعتقل البني بعد إغلاق المركز بفترة وجيزة بسبب توقيعه على إعلان دمشق-بيروت/بيروت دمشق وبسبب نشره أنباء عن رجل لقي حتفه في أحد السجون السورية بسبب الظروف اللاإنسانية التي تم احتجازه فيها.
منظمات حقوق الإنسان في الخارج
ثمة عدة منظمات تعن بحقوق الإنسان في الخارج، وهي غالبا ما تكون قريبة من التيارات السورية المعارضة في الخارج.
المرصد السوري لحقوق الإنسان
المرصد السوري لحقوق الإنسان مرصد لانتهاكات حقوق الإنسان في سورية في الخارج، مقره لندن. يحمل المرصد شعار “وطن يتساوى فيه الجميع أمام قانون مرجعيته شرعة ومواثيق ومعاهدات حقوق الإنسان.” ويعرف المرصد نفسه بأنه “فريق من المهتمين والمؤمنين بحقوق الإنسان، من داخل الوطن وخارجه، نراقب أوضاع حقوق الإنسان في سوريا، ننبّه إلى الانتهاكات وننتقدها، نصدر التقارير، ننشرها ونعممها على نطاق حقوقي وإعلامي واسع، نتعاون مع منظمات تعمل في حقل حقوق الإنسان ضمن سوريا والوطن العربي والعالم، بما ينسجم مع أهدافنا وتطلعاتنا إلى وطن تسوده الديمقراطية، والحرية، والعدالة، والمساواة.
مؤسس المرصد ومديره هو رامي عبد الرحمن.
اللجنة السورية لحقوق الإنسان
جماعة حقوقية قريبة من جماعة الإخوان المسلمين في الخارج، مقرها في لندن، ويرأسها وليد سفور. تعرف اللجنة نفسها بأنها هيئة حقوقية إنسانية مستقلة ومحايدة، تعنى أساساً بالدفاع عن الحريات العامة وحقوق الإنسان السوري.
تحديات وصعوبات
ثمة عدد كبير من التحديات والصعوبات التي تقف في وجه تطور حقوق الإنسان في سورية وتطور جمعياته. منها:
1- استمرار إعلان حالة الطوارئ منذ 8/3/1963.
2- عدم استقلالية القضاء عن السلطة التنفيذية، حيث أن رئيس الجمهورية هو نفسه رئيس مجلس القضاء الأعلى، ينيب عنه وزير العدل، وهو عضو في السلطة التنفيذية، مما يلغي أساسا مبدأ الفصل بين السلطات.
3- وجود قائمة طويلة من القوانين المتعارضة مع مبادئ حقوق الإنسان والحريات العامة ومن بينها القانون رقم (49) الذي يفرض عقوبة الإعدام جزاءً لكل من يثبت انتسابه لحزب الإخوان المسلمين حتى لو لم يكن قد قام بأيّ عمل جنائيّ، وقانون المطبوعات رقم (50) للعام 2001 الذي يضع شروطاً عسيرة لإنشاء مطبعة أو إصدار مطبوعة دورية، ويفرض عقوبات على مخالفيه تصل إلى السجن ثلاث سنوات، وكذلك استخدام عقوبة التجريد من الحقوق المدنية “التجريد المدني” كعقوبة فرعية تتلازم مع ارتكاب بعض الجنايات.
4- خضوع تعيين القضاة لمعايير أمنية وسياسية.
5- انتشار القضاء الاستثنائيّ، متمثلاً في محكمة أمن الدولة العليا التي تعمل بقانون الطوارئ ومحاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية. ولا تتوافر في محاكم أمن الدولة الضمانات اللازمة للمتهمين، ويمكن لوزير الداخلية تعديل الأحكام الصادرة عن تلك المحاكم كما يمكن لرئيس الجمهورية إلغاء أحكامها أو الأمر بإعادة المحاكمة. وتتسم الاتهامات الموجهة إلى المتهمين في القضايا التي تنظرها هذه المحاكم غالباً بالغموض، ولا يمثل المتهم أمام المحكمة خلال التحقيق الابتدائي الذي تجريه المحكمة حيث يقوم المدعي العام بتقديم الأدلة في غياب المتهم، ولا يسمح للمحامي بالترافع أمام المحكمة ولكن يسمح له فقط بتقديم وجهة نظره كتابة. وأغلب القضايا المقدمة لمحاكم أمن الدولة العليا تتعلق بانتماء المتهم لتنظيمات غير معترف بها أو لأحزاب سياسية محظورة.
ويشعر معظم الناشطين في مجال حقوق الإنسان في سورية بإحباط كبير، ويمتاز عملهم بحذر شديد يجعل أداؤهم متراجعا عن الفورة التي شهدتها البلاد في العام 2000-2001 و2003-2005. ويؤدي الحذر والرهبة إلى أن ينشغل الناشطون بأنفسهم بدلا من انشغالهم بقضايا حقوق الإنسان، ويؤدي ذلك كما رأينا أعلاه إلى انشقاقات واتهامات متبادلة يتبادلها الناشطون السوريون فيما بينهم، بينما تنظر الحكومة بعين الرضا عن ذلك.
موقع الآوان: نشرت في حلقتين