إلى متى يستمر الشعب السوري في الصمت؟
د.أكرم شلغين
ما من يوم يمر إلا وبه، بشكل أو بآخر، مشهد جديد من مشاهد إذلال السوريين تحت حكم نظام الأسد، ولعل القمة الرباعية التي جمعت الرئيس الفرنسي، رئيس الوزراء التركي، الأمير القطري ورئيس العصابة المافيوزية الأسدية في دمشق تُظهر في بشاعتها ما به أشد هذه المشاهد قهراً وإذلالاً للسوريين، فإذا استمعنا إلى الأخبار حول أوائل وأهم القضايا التي تم البحث بها في قمة هؤلاء الفرسان الأربعة تبرز أكثر رموز ودلالات ومعان بها ما هو أبعد من القفز فوق أسوار الشعب السوري. تمتهن كرامة السوري في المشهد السوريالي الذي يضم هؤلاء الأربعة على وجه التحديد وهدف التئامهم إذ يوضع الحاضر كما الماضي، تاريخ سوريا كما جغرافيتها في خدمة هدف واحد هو تثبيت واستمرار حكم طاغ، مغتصب، مستبد، يفتقد بنهجه ومساوماته وصفقاته إلى الحد الأدنى من مقومات الشخصية الوطنية السورية. هل هناك ما هو أشد تحقيراً للشعب السوري عندما يلتقي المستعمر التاريخي الفرنسي كما المحتل الحالي الأسدي، سالخ أراضي لواء اسكندرون السورية (الفرنسي) كما المسلوخة له هذه الأراضي (التركي)، بائع أراضي السوريين (الأسد) بحجة بناء المنشآت السياحية كما شاري أراضي السوريين (القطري) لا للبحث في ما يخص سوريا وشعبها بل للبحث في كيفية ترتيب صفقة مع إسرائيل من أجل أرض الجولان السورية والهدف المطلق والوحيد ـ كما قلنا ـ هو كيفية استمرار بشار حافظ الأسد وعصابته في الحكم!؟
ونحن في زمن ترتفع به أصوات من وقع عليهم الظلم تاريخياً لتطالب برد المظالم وبالاعتذار وبتعهد عدم تكرارها، في زمن تدفع به ليس فقط ألمانيا بل أوربا والعالم بأسره تعويضات لليهود عن جرائم النازية، في وقت يطالب به الأفارقة باعتذار وتعويضات عن فترة العبودية، في زمن تطالب به الدول التي استعمرت تاريخياً الدول المستعمرة بالاعتذار، في نفس الوقت الذي تحمل به الأخبار أن إيطاليا ستعوض لليبيا خمسة مليارات دولار على شكل استثمارات وغيرها، يتاجر نظام الأسد مع المستعمر التاريخي الظالم بنا وبأرضنا، يمحو تاريخنا ويتنازل عن أراضينا ويتنكر لشهدائنا الذين قاوموا الاستعمار الفرنسي… وعن أية أرض نتكلم؟ هل نتكلم عن الجولان التي فرط بها حافظ الأسد وتدور حولها المباحثات الآن ولن تعود لسوريا مادام حكم الأسد مستمراً!؟ أم هي اسكندرون التي أبدت تركيا من قبل استعدادها للبحث بترسيم حدودها بشكل مغر ومقبول للسوريين ولكن حافظ الأسد رفض ذلك تراضياً ولاحقاً وقّع مذلولاً، بسبب سياسته الرعناء، اتفاقية يتعهد بها بعدم المطالبة بلواء اسكندرون!؟
أما الهبات التي سيعطيها الأسد للشعب السوري فيوضحها أثناء القمة الرباعية عندما تتوجه إليه القناة الفرنسية الثانية بالسؤال عن الديمقراطية للشعب السوري وعن المعتقلين فيتكلم فيلسوف زمانه بأن الديمقراطية لديه هي وسيلة وليست هدف، وأما الهدف لديه فهو التركيز على الاستقرار والوضع الاقتصادي…ترى هل سيختلف “الاستقرار” الذي يعنيه عن ذلك الذي أرسى له مورّثه والذي يقوم على مبدأ كم الأفواه والقمع والتشريد والقتل من أجل وضع آل الأسد وشركائهم “الاقتصادي”؟ ويبقى السؤال: إلى متى سيبقى الشعب السوري ساكناً تحت هذا الجور والذل؟ إلى متى سيبقى صامتاً عن جرائم نظام الأسد بحقه!؟
ترى، هل كان لوقع كلمات الأسد في مقابلته لقناة “المنار” التابعة لحزب الله إلا ما يستشيط غضب وغيظ السوريين و اللبنانيين والعراقيين والفلسطينيين؟ يبدو أن الأسد يستخف بذكاء وعقول هؤلاء حينما يجيب عن سؤال متعلق بتقديم تنازلات سورية بخصوص حركات المقاومة في لبنان وفلسطين بالقول:
“لم يطرح علينا هذا الموضوع واعتقد ان هذا الموضوع بالنسبة الى كثير من الدول صار واضحاً… لا نرى مصلحة في التخلي عن المقاومة، فموقفنا واضح دائماً ومازلنا في كل خطابنا السياسي موقفنا ثابت من المقاومة أينما كانت ضد أي احتلال في العراق، في لبنان، في فلسطين، موقفنا ثابت لم يتغير، فهذا الخطاب السياسي لسوريا لم يتغير، ولا يبدو أنه سيتغير ما لم تتغير معطيات الاحتلال نفسها… نحن لسنا دولة نقدم هدايا، نحن دولة نتحدث عن مصالح ونقول لأي دولة أخرى أن نطلب منها أن تطرح مصالحها أمامنا ونرى اين هي المصالح المشتركة”.
سيقول السوري: حقاً إن خطابك القولي واضح وأما نهجك الفعلي فأكثر وضوحاً، لقد تنازلت أنت ومورّثك عن لواء اسكندرون وستتنازل عما هو الأهم في الجولان فقط لتستمر في حكم وسرقة سوريا أنت وأسرتك ومافياتكم، فالعالم يبتزك ليس فقط لأنك غير شرعي في كرسي الحكم الذي تحتله بل وأيضاً لأن عليك استحقاقات قانونية دولية يستطيع المجتمع الدولي تحريكها ضدك في أية لحظة ما لم تقم بما تقوم به الآن من تفريط بأراضي سوريا وبيعها في سوق النخاسة العالمي. وأما اللبناني فسيقول: أويظن بشار الأسد أن المقاومة في لبنان أو فلسطين وجدت إلا بسبب احتلال الأراضي؟ ألا يعتقد الأسد أن الطفل اللبناني كما الفلسطيني سيسأله ـ لو استطاع ـ أو ليست الأراضي السورية في الجولان أيضاً محتلة؟ أم أنك تقاوم بمزيد من القتلى اللبنانيين والفلسطينيين؟ أو هل تعتقد أنك ستسترجع الجولان بدمائنا؟ وأما العراقي الذي يستمع لمقابلة بشار الأسد وكلامه عن الموقف الثابت من مقاومة الاحتلال في العراق فسيضع كلام الأسد هذا لقناة “المنار” بجانب كلامه الآخر وفي أكثر من مناسبة لصحفيين أمريكيين حين قال إنه أنقذ حياة أمريكيين وسيسأل العراقي الأسد عن التناقض في كلامه ومتى كان صادقا ومتى كان كاذباً في أحاديثه ـ إذ لايعقل أن يكون الأسد داعماً للمقاومة في العراق وبنفس الوقت حامياً لأرواح جنود الاحتلال في العراق!؟
من جديد نذكر بالمشهد المهين للشعب السوري في القمة الرباعي ونقول إن تاريخنا قد كتب بدماء شهدائنا وأما الأسد فيتنكر له ويبرم صفقات الذل فقط ليستمر في سرقة بلادنا، لم يكن تاريخ الشعب السوري إلا تاريخ كرامة وتضحية من أجل الاستقلال وفي سبيل الأرض، وأما تاريخ الأسد وأبيه فهو تاريخ اغتصاب وصفقات وبيع أراضي الشعب السوري؛ إن الأسد يعبث بتاريخنا مادام ليس تاريخه ويبيع أرضنا لأن جشعه في المال والسلطة يعميه عن معرفة قيمتها… المشهد يتكرر والماضي صنع الحاضر والشعب السوري تحت حكم هؤلاء هو الخاسر.. إلى متى سنستمر في الصمت؟ إلى متى سنبقى أسرى حكم الأسد ؟
خاص – صفحات سورية –