لبنان بين الحوار والاغتيال
عمر كوش
يعيش لبنان، منذ مدة، حالة من التجاذب ما بين التأزم والتهدئة، وأخذت الأمور في بعض الأحيان مجرى تصاعدياً خطيراً وصل حدّ الانقسام والاقتتال الداخلي وسفك الدماء، فيما كانت الاغتيالات السياسية تحصد الأرواح وتزيد من التهاب الأوضاع، وتنسف أسس التوافق والمصالحات. ويأتي انعقاد طاولة الحوار اللبناني في القصر الجمهوري، ما بين الأطراف السياسية اللبنانية، كي يسهم في سحب فتيل التفجير والاحتقان، وكي يعزز المصالحات التي جرت في طرابلس، وفي البقاع وبيروت، ويهدئ من روعة المرحلة فائقة الخطورة التي دخلها لبنان منذ اندلاع الصدامات الدموية في 7 مايو (ايار) الماضي، وجعلت أزمته أكثر صعوبة، كونها أشرعت أبواب فتنة لا يتحمل لبنان ولا دول المنطقة مفاعيلها وإرهاصاتها.
وجاء اغتيال صالح العريضي، القيادي في الحزب الديمقراطي اللبناني، عشية انعقاد طاولة الحوار، كي يرجع لبنان من جديد إلى دوامة الاغتيالات السياسية، ويبقيه ساحة مفتوحة للاستثمار والتوظيف في مختلف الاتجاهات والتجاذبات الإقليمية والدولية، وكي يرسل رسالة إلى حوار اللبنانيين تكون بمثابة مقدمة له، وإنذاراً لهم بأن لا يدفعوا مصالحاتهم حتى نهاياتها المرجوة، خصوصاً وأن أجواء المصالحة باتت أكثر قابلية للتقارب عشية رعاية الرئيس اللبناني ميشال سليمان للحوار الوطني في السادس عشر من شهر سبتمبر (أيلول) الجاري.
وإن كان رصاص الاغتيال السياسي قد ضرب ضربته، فإن الرسالة كانت واضحة، وفهمها اللبنانيون جيداً، حين اعتبروها رسالة من المتضررين والرافضين للحوار والمصالحات السياسية، وأن ليس أمامهم سوى خيار الحوار وتعميق المصالحات، تماشياً مع ما قاله الرئيس اللبناني في خطاب القسم ودعوته إلى «تحصين الوطن بثقافة الحوار وليس بجعله ساحة للصراعات». ويبقى التحدّي الأقوى من الاغتيالات يتجسد في كيفية ترجمة هذا الخيار إلى واقع يجسد وحدة لبنان وشعبه، عبر تحول لبنان إلى دولة لمجموع مواطنيه، بصرف النظر عن مختلف الانتماءات المذهبية والطائفية والقبلية. لا شك في أن هناك من لا يروق له الحوار ولا المصالحات في لبنان، وفي خارج لبنان، كونها تشكل بداية الطريق المفضي إلى سحب الأوراق من أيدي القوى التي تهدف إلى إبقاء هذا البلد عرضة للاقتتال والتدخلات في شؤونه، وتريده جاهزاً للاستخدام وللمقايضة وللتفجير.
وظهر جلياً أن «اتفاق الدوحة» بين الأطراف السياسية اللبنانية قد وجه ضربة للمسار المتأزم والخطير الذي دخله الوضع اللبناني، حيث أفضى إلى تهدئة تقوم على حظر اللجوء إلى العنف، وإلى انتخاب الرئيس ميشال سليمان، ثم تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، وعقد مؤتمر للحوار الوطني.
واليوم، ينقل اتفاق الدوحة الفرقاء اللبنانيين إلى اختبار جديد مع انعقاد طاولة الحوار الوطني، برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، وبرعاية الجامعة العربية التي يمثلها الأمين العام عمرو موسى. وبالتالي، فإن انعقاد جلسات الحوار يشكل بحدّ ذاته نقلة واعدة، من خلال إجماع مختلف الأطراف السياسية اللبنانية على اللقاء، ووضع كل الملفات والقضايا الخلافية على الطاولة، ويبرز استعدادها للبحث عن الأرضية المشتركة، بخاصة وأن الظروف الداخلية والإقليمية تبدو ملائمة أكثر للتوافق، الأمر الذي يقتضي البحث عن صيغ لتمتين التعايش وحل الخلافات بالطرق السياسية والآليات الدستورية. ويمس ذلك جوهر النظام اللبناني، غير المطروح للنقاش اليوم على طاولة الحوار.
والمأمول من الحوار اللبناني هو التوصل إلى التوافق الوطني، وأن تبتعد أطراف الحوار عن الرؤى الضيقة، الحزبية والطائفية والمذهبية، وأن تعمل على إيجاد صيغة تذيب التناقضات بين قوى الوطن، وتتوافق على الإصلاحات والانتخابات، وتنظر ملياً في طبيعة الاجتماع السياسي اللبناني وتعقيداته القوية المتأصلة في تاريخ قرنين على الأقل من الزمان، وبما يتيح قابلية تحويله إلى كيان وطني، ودولة للمواطنة. وهذا يقتضي العمل على تمتين النسيج الوطني ولحمته، وتحصين التركيبة اللبنانية في وجه التفتيت ومحاولات إثارة النزعات السياسية الطائفية ومختلف أوجه الانقسام والفرقة، ولا شك في أن الشعب اللبناني يستحق أن يدخل مرحلة تحقق له الحياة الكريمة في ظل العيش الواحد والتاريخي بين مختلف مكوناته.
كاتب من سورية