سجن صيدنايا في سوريا: سجناء رأي منسيين ، معلومات غائبة ، زيارات ممنوعة
ورقة خلفية من الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان
سوريا دولة تطبق حالة الطوارئ منذ 45 عاما، حيث لا أثر للتعددية الحزبية، مما أضفى على المناخ السياسي صبغة واحدة باهتة، أدت إلى انعدام الحريات وانتهاك الحقوق بشكل سافر من قبل النظام، وبالطبع إلى غياب قسري للسلطة الرابعة “الصحافة”، حيث غابت الصحف المستقلة والحزبية تماما، بالإضافة إلى الانترنت الذي شددت حوله قبضة الحكومة بصرامة.
فصارت سوريا بلداً أكثر ما فيه المخبرون السريون والعلنيون، الذين لا يتورعون عن مراقبة المواطنين حتى في دور العبادة، ويشاركونهم المقاهي والأماكن العامة والجامعات ، وبالتالي فقدت سوريا مجتمعها المدني المستقل، تراجعت الفروق الطفيفة بين نظام ملكي مستبد ونظام جمهوري دكتاتوري، فتغدو سوريا نموذجاً لدولة بلا مؤسسات مجتمعية، ليس لمواطنيها حقوق ولا يعرفون الحريات، رغم التوقيع والتصديق على العديد من الاتفاقيات الدولية الملزمة والتي تنص على حقوق الإنسان والمواطن الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والشخصية، وعدد من المواثيق التي نصت على احترام الكرامة والحريات خصوصاً حرية الرأي والتعبير فأصحبت دولةً قهر يعاني فيها المواطن ما يعاني بلا ذنب ولا جريرة سوى وساوس الحكام بأن كل مختلف معه أو منتقده له ، هو مشارك في مؤامرة تحاك ضده .
والمراقب للأوضاع الإنسانية والحقوقية في سوريا، يعرف جيدا معنى القلق الذي يستقبل به خبراً أو يتلقى به نبأ يبدو عادياً في وسط أنباء الطقس اليومية والأخبار الصباحية ، ويجعله يبحث عن أسماء من ألقى القبض عليهم، وأضيف لقائمة سجناء الرأي هذا اليوم وسط هذه الأخبار.
فقائمة سجناء الرأي والقلم تطول وتطول بلا نهاية مما زاد من صعوبة الأمر على القائمين على رصد ومراقبة انتهاكات حقوق معتقلي الرأي في سوريا، والتحدي الذي يلاقونه في كتابة التقارير الموثقة عن هذه الشريحة المضطهدة بسبب فكرها وقلمها، وهذا ما حدا بنا لإصدار هذه الورقة عن سجناء سجن صيدنايا خاصة، وقد لا تكون ظروفهم هي الأسوأ، ولكن في غياب المعلومة وحضور التعتيم الأمني الصارم على حقيقة الأوضاع في السجون وأحوال السجناء، حيث تمنع الزيارات وتتضارب الأنباء عن الأسباب والنتائج. فيلف الغموض ملابسات قمع النظام للتمرد الذي شهده هذا السجن في يوليو الماضي.
سجن صيدنايا:
– يقع سجن صيدنايا في قرية صيدنايا شمال دمشق العاصمة بنحو ثلاثين كيلو متر ، وهو يعد من أكبر وأحدث السجون السورية حيث تم بناءه عام 1987 .
– يتكون مبنى السجن من ثلاثة طوابق ويضم كل طابق عشرين زنزانة جماعية ، في حين يحتوي الطابق الأول على مائة زنزانة انفرادية.
– وطبقاً لتقديرات مؤسسات حقوق الإنسان في سوريا “وجميعها غير مصرح بها” فإن عدد نزلاء سجن صيدنايا يتراوح بين 1500 و2000 سجين ينتمي العديد منهم لجماعات وفرق ذات خلفية إسلامية ، والقاسم المشترك بين جميع السجناء ” إسلامي ، قومي ، يساري ، ليبرالي ، أكراد وسجناء من دول عربية مختلفة ” هو غياب المحاكمات العادلة التي أودت بهم خلف قضبان هذا السجن ، وغياب أي معلومة أو خبر عنهم منذ نحو 70يوما كاملة ، بعد التمرد الكبير في يوليو الماضي.
أحداث تمرد سجناء صيدنايا في 5/7/2008 :
كعادتها ، لم تعلن أجهزة الأمن السورية عن أي تفاصيل أو معلومات عن حقيقة ما جري بالسجن في الخامس من يوليو الماضي حتى يفصح عن حقيقة ما جرى بالسجن أو ضحايا التمرد، واكتفت ببيان مختصر لا يتعدى أن “بعض السجناء قد أثاروا شغبا ، استدعى تدخل قوات الأمن” !.
وبدلا من نشر بيان مفصل عن نتائج التحقيق الذي أجرته لجنة شكلتها الحكومة السورية ، ترد به على العديد من الروايات حول أسباب ونتائج هذا التمرد الذي أسفر عن مقتل العديد من السجناء ، أكتفت الحكومة السورية بالصمت وإغلاق باب الزيارة أمام أهالي وذوي السجناء فضلا عن تعطيل شبكات تقوية التليفونات المحمولة الموجودة في منطقة صيدنايا ، كمحاولة لمنع تواصل السجناء وضباط السجن مع العالم الخارجي ، عقب شك الحكومة في وجود اتصالات من داخل السجن تؤجج التمرد ، ليحرم حتى أهالي المنطقة المحيطة بالسجن من التواصل بهذه التليفونات.
وأيا ما كانت أسباب هذا التمرد ، فمن المؤكد أن الأوضاع السيئة التي يتسم بها هذا السجن ، والتي أدت الى تمرد سابق في نهاية شهر مارس الماضي ، والنية المبيتة لدي أجهزة الأمن السورية في إنزال العقاب بالسجناء بسبب تمرد مارس 2008 ، كان ضمن أسباب هذا التمرد الأخير ، الذي طال جميع السجناء ومنهم سجناء الرأي، الذين شاء قدرهم أن يسجنوا بتهم ملفقة وواهية في سجن سيئ السمعة وعقب محاكمات جائرة لم تتوفر فيها أدنى المعايير الدولية لمعاملة المتهمين.
سجناء الرأي في سجن صيدنايا :
يضم سجن صيدنايا مجموعة من سجناء الرأي، لا تعلم أسرهم شيئا عنهم منذ واقعة التمرد ، بسبب منع الزيارة في السجن وإحاطته بسياج كثيف من السرية والكتمان ، منهم:
* رياض درار 53 سنة ، كردي ، يعمل مدرس لغة عربية، ناشط في لجان إحياء المجتمع المدني، اعتقل في يونيو 2005 على خلفية كلمة ألقاها في تأبين الشيخ معشوق الخزنوي في “القامشلي” طالب فيها بالتحقيق ومعاقبة المتسببين في مقتله ، حكم من قبل محكمة أمن الدولة في يونيو 2006 بالسجن لمدة خمس سنوات بتهمة نشر أنباء كاذبة من شأنها إثارة النعرات الطائفية والعنصرية، قضى سنتين منها في سجن عدرا، ثم جرى نقله إلى سجن صيدنايا.
* نزار رستناوي ، 46 سنة ، مهندس ، ناشط في المنظمة العربية لحقوق الإنسان، اعتقل في ابريل 2005، بسبب نشاطه القوي في مجال حقوق الإنسان ونشاطه في رصد الانتهاكات المستمرة في سوريا ، و التضامن مع سجناء الرأي ، صدر بحقه حكم بالسجن لأربع سنوات، يقضيها في سجن صيدنايا بعد أن أصدرت محكمة أمن الدولة حكمها عليه بتهمة نشر أخبار كاذبة و بتهمة تحقير وسب رئيس الجمهورية.
* فراس سعد، شاعر وكاتب ناشط على الانترنت ، من مدينة اللاذقية، اعتقل في 30/7/2006 بسبب مقالاته التي كان ينشرها على موقع الحوار المتمدن الإلكتروني وضمنها مقال بعنوان ” ميشيل كيلو يكشف المرض السوري ” أحيل لمحكمة أمن الدولة في يونيو 2007 ، وحكم عليه في أبريل 2008 بالسجن لمدة أربع سنوات بتهمة نشر أخبار كاذبة من شأنها وهن نفسية الأمة سنداً للمادة 286من قانون العقوبات السوري.
* طارق بياسي، مدون يبلغ من العمر 24 عاما ، من مدينة بانياس الساحلية اعتقل في 7/7/2007 من قبل الأمن العسكري بسبب تعليق كتبه في إحدى المنتديات الإلكترونية، ينتقد فيه سلبيات جهاز الأمن ، واعترف مباشرة بأنه الذي كتب هذه التعليقات ، تم إيداعه بسجن صيدنايا و حكمت محكمة أمن الدولة في دمشق علية بالسجن لمدة ثلاث سنوات (بعد تخفيفها من ست سنوات) بالتهمتين التاليتين :
– إضعاف الشعور القومي.
– وهن نفسية الأمة.
سنداً للمواد 285 – 286 من قانون العقوبات السوري.
* كريم عربجي ، مدون ، 30 سنة من حي باب توما في دمشق، خريج كلية الاقتصاد بجامعة دمشق ، مدير المنبر الحر في منتدى أخوية الإلكتروني، اعتقل في 7/6/2007، أحيل لمحكمة أمن الدولة طلبت المحكمة تجريمه ب”نشر أخبار كاذبة من شأنها إضعاف الشعور القومي” وفقاً للمادة 286 من قانون العقوبات ، نقل إلى فرع فلسطين ثم إلى سجن صيدنايا العسكري.
ورغم مرور أكثر من سنة علي حبسه لم يصدر حكم بحقه حتى الآن.
* محمد وليد الحسيني، 67 سنة ، موظف ، اعتقل في 14/3/2006 بسبب مناقشة دارت بينه وبين صديق له في مقهى الروضة الشهير في دمشق ، وسمع الحديث بعض رجال الأمن السريين فاعتقلوه من المقهى، و اتهم بارتكاب جناية “نقل الأنباء الكاذبة أضعفت الشعور القومي” بما قاله في المناقشة في المقهى، حكم في 15/4/2007 بالسجن لمدة ثلاث سنوات.
* مجموعة الشباب السبعة:
* ماهر اسبر إبراهيم 28 سنة ، أعمال حرة محكوم بـ (سبع سنوات).
* طارق الغوراني 33سنة ، مساعد مهندس محكوم بـ (سبع سنوات).
* علام فاخور 29 سنة ، طالب في كلية الفنون ، محكوم بـ (خمسة سنوات).
* أيهم صقر 33سنة ، أعمال حرة محكوم بـ (خمسة سنوات).
* حسام ملحم 23 سنة طالب في كلية الحقوق ، محكوم بـ (خمسة سنوات).
* دياب سرية 23 سنة ، طالب بكلية الحقوق ، محكوم بـ (خمسة سنوات).
* عمر العبد الله 23 سنة ، طالب في كلية الآداب محكوم بـ (خمسة سنوات).
اعتقلوا على دفعات منذ أواخر 2005 حتى آذار 2006، وتم التحقيق معهم بمعرفة القوات الجوية !!.
أدين ماهر اسبر وطارق الغوراني ” بإذاعة أنباء كاذبة ومعلومات ومقالات من شأنها تعريض سوريا لخطر أعمال عدائية ” بموجب المادة 287 من قانون العقوبات؛ وقد صدر عليهما حكم بالسجن لمدة سبع سنوات، بينما صدرت على زملائهم الخمسة المتهمين، وجميعهم طلاب، باستثناء أيهم صقر الذي يعمل في صالون تجميل، أحكاماً بالسجن لمدة خمس سنوات من قبل محكمة أمن الدولة في 18/6/2007 ، وكذلك بسبب مشاركتهم في تشكيل مجموعة نقاش شبابية ونشر مقالات مؤيدة للديمقراطية على الإنترنت.
ورغم تأكيد الشباب أنهم تعرضوا لتعذيب والمعاملة القاسية ، فلم تلتفت المحكمة لذلك وتم الحكم عليهم بالأحكام السابقة التي يقضونها في صيدنايا.
بالطبع ، هؤلاء السجناء الـ 13 ليسوا كل سجناء الرأي في سجن صيدنايا ، الذي يضم بدوره جزء يسير من سجناء الرأي في سوريا.
إنهم فقط نموذج حالة يفضح القسوة الصارمة التي تمارسها هذه الحكومة ضد مواطنيها.
أن تصبح جملة مطاطة وغامضة بالقانون، يتم تفسيرها بشكل شرير سبباً في سجن مخالفيها ، وهم بالالاف في سوريا ” إضعاف الشعور القومي، وهن نفسية الأمة” هذا هو نص المادتين ” 285 ، 286من قانون العقوبات السوري”.
وهو وضع لا يعقل ولا يقبله عاقل أبداً، وبالتأكيد هو غير محتمل بالنسبة لمن يعيشون في ظله فاقل ما يمكن أن يوصف به ما حدث مع هؤلاء السجناء هو كالتالي:
يبدأ الأمر بحوار في مقهى أو ربما مقال على الانترنت أو مجرد تعليق من جملة واحدة على موضوع تم نشره على الانترنت ويحمل نقداً ولو قليلاً لاي من مؤسسات الدولة أو مسؤوليها أو الرئيس كشخصية اعتبارية وينتهي بأحد هذه الخيارات:
– الاعتقال في مقر أمن الدولة أو القوات الجوية أو الاختطاف.
– الحبس الاحتياطي و التحقيقات لشهور طويلة قد تصل إلى سنوات لإثبات التهمة.
– والتهمة الغالبة هي: ” نشر أخبار كاذبة ، من شأنها أن توهن نفسية الأمة وتضعف الشعور القومي” أو إهانة الرئيس، أو إزدراء الأديان أو الاشتراك في تنظيمات غير مرخصة بغرض تغيير نظام الحكم”.
– محاكمة جائرة تابعة لأمن الدولة بموجب حالة الطوارئ حيث يجوز فيها كل شيء ويجرد المشتبه فيه من كل الحقوق.
– الحكم بسنوات طويلة وقد يقترن بالعزل السياسي.
– تصبح نزيلا مزمناً في عدرا أو صيدنايا أو غيرهما من السجون.
– لا يكفي السجن ، فسوف تعاني من الحملات الأمنية والمعاملة القاسية ، والتي تصل لحد منع الزيارة، والحبس الإنفرادي والتعذيب والمضايقات التي لا حد لها ولا آخر.
ولا يبدو أن الخروج من هذا النفق سوف يكون سهلاً ولا قريباً فقد أنضمت سوريا إلى الدول التي لا تجدي معها المناشدة ولا المطالبات، وليس من طريق آخر سوى استمرار النضال والتصدي للفساد وحتى يسود حكم القانون ويتنحى حكم الفرد.
الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان