صفحات سورية

مصائب أمريكا فوائد لنا

null


سعد محيو

لم يبالغ العديد من الاقتصاديين الأمريكيين حين قالوا إن الأزمة الاقتصادية الأمريكية الراهنة هي الأسوأ منذ كساد العام 1929

فالأزمة المالية التي تواجه أسواق المال والبنوك والوسطاء الماليين، عنيفة وحادة. والاقتصاد “الحقيقي” (قياساً باقتصاد المضاربات) يتقلب على أوجاع ارتفاع أسعار النفط والسلع والخدمات.

هذه الأزمة، التي انطلقت شراراتها من انفجار فقاعة الرهن العقاري، تجد جذورها الحقيقية في حقيقة لطالما حاولت إدارة الرئيس بوش التهرّب منها: الأمريكيون، وبالتحديد منذ العام ،2001 باتوا يعيشون بأكثر مما ينتجون، وهم يعتمدون في ذلك على قيام بقية دول العالم بشراء سندات الخزينة الأمريكية، وباحتفاظ المصارف المركزية حول العالم بمئات المليارات من الدولارات.

ولأن الاقتصاد الأمريكي لا يزال الأكبر في العالم (14 تريليون دولار)، ولأن تجارة الولايات المتحدة تشكّل نسبة 10 في المائة من إجمالي التجارة العالمية، ثم لأن الدولار يواصل السيطرة على ثلثي احتياطات النقد الأجنبي في العالم و80% من مبادلات سعر الصرف الأجنبي، بادرت الكتل الدولية إلى التدخل لإنقاذه، فقامت المصارف المركزية الأوروبية بضخ أكثر من 300 مليار يورو خلال ستة أشهر في البنوك، وسرعان ما لحقها المصرفان المركزيان الياباني والبريطاني. وبدأت البنوك المركزية الأوروبية محادثات حول إمكانية شراء الأوراق المالية المضمونة بالرهون العقارية في محاولة لحل الأزمة الائتمانية العالمية.

وفي الجانب العربي، حدث تدخل مماثل، فتم استثمار مليارات الدولارات في المصارف الأمريكية، وأعلن الأمير الوليد بن طلال عن نيته شراء أوراق مالية قابلة للتحويل إلى أسهم يعتزم “سيتي غروب” (من أكبر المصارف الأمريكية) بيعها في طرح خاص بقيمة 12 مليار دولار، وتحركت الهيئة العامة الكويتية لنجدة “سيتي بنك”.. إلخ.

هذه التطورات تبدو بديهية في إطار النظام العالمي المتعولم، ففي النهاية، تفاقم الأزمة الاقتصادية الأمريكية سيصيب برذاذه السلبي كل اقتصادات الدول المندمجة في بنية الاقتصاد الدولي.

لكن هنا سؤال بريء: ألم يكن بمستطاع الدول العربية التي تحركت بكثافة لمد يد العون للأمريكي الغريق، ربط هذه المساعدات بمواقف أمريكية أكثر توازناً في الشرق الأوسط؟

ليس المقصود هنا استخدام أموال النفط كسلاح سياسي، برغم أن هذه لم تعد وسيلة بالية بعد أن أحياها الرئيس الروسي بوتين وأجبر من خلالها الغرب على أخذ مصالح الأمة الروسية بعين الاعتبار.

المقصود هو أن يمارس المال العربي، ولو بشكل متواضع، دور اللوبي المالي اليهودي الذي يقدم خدمات جلى وتاريخية لمصالح “إسرائيل” الامبراطورية في المنطقة. هذه اللعبة شرعية تماماً، وقانونية تماماً في الولايات المتحدة، ولا تشكل “تمرداً” على السلطة العالمية الأمريكية. فمن يريد العدل يجب أن يمارس العدل، كما يقول المثل الأمريكي الشهير. وأقل درجات العدل في هذه الأيام أن يشعر المواطن العربي بمردود سياسي محدد لثرواته القومية.

الفرصة لم تفت بعد، فالأزمة الأمريكية لا تزال في بدايتها. ومن يطالب ولو بالحصرم اليوم، قد ينال العنب غد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى