14 آذار وبعض من المعارضة السورية : غلبة التكتيك على الإستراتيجية
أحمد مولود الطيار
تصريح الرئيس السوري بشار الأسد، حول وجوب دخول لبنان المفاوضات فور الانتقال من غير المباشر منها الى المباشر، قابله موقف غريب من فريق الرابع عشر من آذار، يمكن القول أنه يزاود على البضاعة التي يبيعها النظام السوري منذ زمن بعيد . يلتقي معه في نفس الموقف كتاب ومثقفين سوريين معارضين، وجزء لا يستهان به من أحزاب وقوى سياسية سورية معارضة، نددت ورفعت الصوت عاليا تزاود هي الأخرى على النظام في عدّته عندما دخل في مفاوضاته غير المباشرة عبر الوسيط التركي .
يتسم الموقفان برد الفعل، وأبعد ما يكونا عن انتهاج سياسة عقلانية قائمة على التروي وبعد النظر، ويطالبان بقتل الناطور ولا يهمهما القطاف . غلبا التكتيكي على الاستراتيجي . بقيا أسرى سيكيولوجيا متشفية مهزومة .
كيف ؟
فيما يخص 14اذار :
مشروع ومنطق الدولة الذي يتبنونه واحترام الشرعية الدولية المتمثلة بمجلس الأمن ونبذهم منطق الحروب وتأكيدهم أن ما تبقى من ارض لبنانية محتلة يمكن استرجاعها بالتفاهم ، بالمفاوضات ، عبر الطرق الديبلوماسية . ثم ، داخليا، فيما لوتمّ حسم موضوع شبعا وعادت الى الحضن اللبناني تفاوضيا، ألا ينتفي ويصبح الحوار على طاولة الحوار المزمع نصب قوائمها وعقده، والترابط الذي يقيمه حزب الله بين سلاحه وعودة المزارع ، ألا يغدو الموضوع من أساسه نافلا ؟
المهم أيضا ، دخول النظام السوري والحكومة اللبنانية المفاوضات المباشرة تحت أي من المسميات قديمها وجديدها لايهم – تلازم المسارين ، النتسيق المشترك ، وحدة المصير ، الخ – ماذا سيعني ذلك ؟
ألا سينتج عن ذلك، جملة تغيرات كمية ونوعية، تعيد رسم كثير من الاصطفافات والتحالفات ، وتغيير الكثير من المواقع ، وسيعاد رسم الكثير من خطوط الطول والعرض انطلاقا من تركيا الى بيروت ودمشق وطهران ولا يغيب مطلقا عن أذهاننا، رعاية باريس وصمت واشنطن الذي يشبه خفر عذراء توافق على عريسها، وسنرى الكثير من جمل الانشاء قد تحولت من الرطانات اللفظية ومعجم الجاهلية الى لغة بسيطة واضحة تتناسب مع سرعة هذا العصر .
فيما يخص بعض من المثقفين وجزء من المعارضة السورية :
” هذا النظام غير ديموقراطي ولا يحق له التفاوض مع اسرائيل ”
” هذا النظام لايهمه استرجاع الجولان ويقطع الوقت ”
” هذا النظام غير معني بعودة الجولان ”
الخ .
لو اجرينا استطلاعا للرأي العام في سوريا وان كان ذلك متعذرا، لكن يمكن معرفة الكثير من النتائج الدالة على سؤال : هل تؤيد قيام سلام مع اسرائيل ؟
من خلال ما وصل اليه المواطن السوري من ترد على كافة الصعد وخاصة الاقتصادية، لكان الجواب الأكثر تردادا هو : نعم .
لأن المواطن السوري وبعيدا عن قصص الفساد ونهب المال العام وغياب الدولة، يُسكّت دائما بأن ميزانيته يذهب جلّها إلى التسليح والجيش . لهذا يتوق الى سلام أقلّه لكي يسقط ذلك السيف المسلط .
الجزء في الجانب السوري الذي نحاوره ، يعتقد أن بقاء النظام في عزلته سيرتد عليه وعلى الشعب السوري خيرا وأنه كلما اشتد التضيق على النظام ، هذا سيؤذن بزواله وان الانفتاح عليه سيمدّ في عمره . قد يكون الانفتاح عليه مدا في عمره ولكن التضييق لن يودي بأجله والتجارب ماثلات قريبات لمن له نظر .
ماذا سيتغير في النظام لو تراخت قبضة العزلة وسارت مفاوضاته مع اسرائيل الى ما يشتهيه : بقاءه وعودة الجولان تحت أية صيغة من الصيغ ؟. بصيغة أخرى ماذا لو ارتاح النظام وتخلص من المحكمة الدولية ؟ أحسب أنه سيتنازل عن عدّته القديمة . بالتأكيد سيحضّر لعدة أخرى، وهنا، كسر حلقة من حلقات الاستبداد وتدرج الى نقطة فوق الصفر .
ليس فقط بناء الديموقراطية يحتاج الى تدرج ، كسر الاستبداد يلزمه تدرج .
كان لبنان بحاجة الى ساركوزي بدلا من شيراك ليتنفس قليلا وليشاغل النظام السوري بعيدا عن الملعب اللبناني ، وأظن أننا كسوريين بحاجة الى عودة الجولان وتوقيع اتفاقية سلام مع اسرائيل لنسترجع 75% من ميزانيتنا التي يقولون أنها تذهب الى الجيش العربي السوري .
من يتوقع أن الدول جمعيات خيرية تتصدق هنا وهناك عليه مراجعة علم السياسة والعلاقات الدولية علّه يجد ضالته ، كذلك عليه أن يختبر تكتيكاته وأن لا يخلط بينها وبين استراتيجياته لكي لا يضيع الهدف .
وأخيرا قد يبدو الدرس الليبي فاقعا عن التباعد الهائل بين المصالح والبراغماتية السياسية من جهة والأخلاق والمبادئ وحقوق الإنسان من جهة أخرى .
خاص – صفحات سورية –