صباح الخير – دمشق
جاكي خوجي
المعقبون الذين تحدثوا أمس في التلفزيون السوري واتهموا اسرائيل والولايات المتحدة بالمسؤولية عن العملية، لا يؤمنون حقا بالموقف الذي عبروا عنه. خلافا للعمليات الغريبة الاخرى التي وقعت في السنوات الاخيرة على الارض السورية، والتي انشأت تقديرات بدور اسرائيلي ـ هنا العمل هو بكامله عربي داخلي وذو طابع عراقي. بعد خمس سنوات من مولد الفوضى في العراق وسبع سنوات من هجمات 11 ايلول (سبتمبر) لم تعد أي من دول المنطقة حصينة امام ارهاب الانتحاريين عديم التمييز.
فقد تعرضت مصر لسلسلة من الضربات من جماعات متطرفة من اوساط بدو سيناء. وضربت عمان على يد انتحاريين عراقيين وغرق لبنان في صراع إبادة ضد جماعات من الجهاد السني. اسرائيل، المعانية الرئيسية من ظاهرة الانتحاريين الفلسطينيين، قرصها ايضا الارهاب العراقي. ففي كانون الاول (ديسمبر) 2005 تعرضت كريات شمونا وشلومي الى وابل من الكاتيوشا. قبل اربعة اشهر من ذلك سقط كاتيوشا تائه، كان موجها نحو ميناء العقبة، في اراضي ايلات. في الحالتين صدر الامر من قيادة القاعدة في العراق.
منذ انهيار نظام صدام حسين في نيسان (ابريل) 2003 لعبت سورية دورا مركزيا فيما يجري في العراق وشدت الخيوط خلف الكواليس. شهادات معتقلي القاعدة افادت بان الاستخبارات السورية مولت متمردين عراقيين، منحتهم المعلومات العسكرية وجعلت الحدود المشتركة مع العراق رواقا لمقاتلين معارضين من دول عربية. دور دمشق في ما يجري في العراق منحها مكانة شرف داخل الجماعات السنية، وقربها من ايران حماها من الميليشيات الشيعية. ولكن هذه كانت حصانة مؤقتة. سيكون واضحا للجميع بان الغابة عديمة القوانين التي نشأت على ضفاف دجلة والفرات ستجعل من يلعب بالنار يحرق يديه.
في السنوات الاخيرة بنيت في العراق صناعة موت مهنية. هذه الصناعة تشغل مهندسين، رجال مال، وسطاء وعمالاً. يوجد بينهم شبان سوريون كثيرون انضموا الى الميليشيات المسلحة بعد أن وجدوا فيها مصدر دخل وايديولوجيا. اولئك هم المشبوهون الفوريون بتنفيذ العملية أمس، وقد عملوا بتكليف من محافل الجهاد التي تدير صراعا ضد نظام الاسد. ومثلما في حالات مشابهة في دول عربية اخرى، هي لعبة سيطرة وقوة، يجند فيها الدين للصراع ولكن دون أن يكون سببا له.
دمشق ستعرف كيف تبتلع هذا الضفدع، مثلما ابتلعت ضربات أكثر ايلاما. وفي هذه الاثناء، رغم الثمن الباهت، يحق للسوريين ان يشكروا الرب. فمن فجر سيارة في يوم عطلة، في ساعة صباحية باكرة وفي حي بعيد عن مركز المدينة، لا يعرف صنعته جيدا او انه ببساطة علق في حادثة عمل. في العراق انتهت مثل هذه العمليات بمائة قتيل.
‘ مراسل الصحيفة للشؤون العربية
معاريف 28/9/2008
القدس العربي