من الفاعل؟!
زهير سالم
مستنكر، مدان، مؤلم؛ ما جرى في دمشق صبيحة ليلة السلام، صبيحة السابع والعشرين من رمضان. والضحايا من الأبرياء الذين تساقطوا هم أهلنا الذين كنا دائما معهم في فلسطين وفي العراق وفي أفغانستان في مشرق الأمة وفي مغربها فكيف والقتل الأهوج يضرب اليوم ضربته في عقر دارنا على أرض الشام؟! يأتي الاستنكار في هذا السياق تعبيرا عن غيظ وألم، وتتوجه التعزية شكلا من أشكال المشاركة في ألم المصاب، ثم يكون التحليل والتقدير محاولة إيجابية لمنع الأسوأ ولقطع الطريق على باقي حلقات المسلسل الرهيب.
من الفاعل…؟؟ سؤال لابد له من جواب، لأن في جوابه، المسكوت عنه منذ سنين، حياة الأبرياء، وحماية الآمنين، وصيانة أمن الوطن والمواطنين. وفي البحث عن الفاعل الحقيقي لا يغني الاختباء وراء الشعارات أو الأوهام أو إلقاء العبء على الأبرياء الغفل لفتح معارك تصفية الحسابات التاريخية على نحو ما فعلوا سنة 1979 يوم أصدر وزير داخليتهم بيانه المشئوم وأعلن فيه الحرب على الوطن التاريخ والحضارة وعلى المواطن الهوية والإنسان.
من الفاعل…؟؟ سؤال تأخر جوابه، لأن في جوابه بعض اعتراف يأباه الذين آثروا دائما طي الحقائق ولو كان في طيها الحتف والهلاك.أو لأن الجواب حيثما دار فإنما يدور على تحميلهم المسئولية ومواجهتهم بالتبعة. فقد يستسهلون أن يلقوا المسئولية على عدو هو أهل وأصل لكل شر؛ عدو طالما سكتوا عنه وداهنوه. وإلا فأي رد كان على ما كان منه في عين الصاحب منذ تشرين الأول سنة 2003 وأي حق للرد احتفظوا أو أجابوا به؟! وأي رد كان على تحليق طائراته فوق رأس رئيس الجمهورية!! في حزيران 2006؟؟ وأي جواب كان على اغتيال عز الدين الشيخ خليل في قلب دمشق في أيلول 2004 أو اغتيال هشام أبو لبدة في حمص سيدي خالد؟ أي رد او أي جواب كان على استباحة عمق العمق في دير الزور في حزيران 2007 وهل كان الجواب في فنادق استنبول قادرا على نهي المعتدي عن عدوانه أم أن تلك الأجوبة الباهتة هي التي استتبعت ما بعدها في صباح رمضاني ليلة السلام؟!
من الفاعل…؟! يزعمون إنه القهر والفقر الذي كاد أن يكون كفراً، وأنه فقدان الرشد مع غياب المرشد الناصح والاضطراب في ظلمة الفتنة في وسط الأنواء فإن كان، فمن أطفأ مصابيح الرشد وغيب أعلامه وشرد حملة لوائه وأطلق العنان لأصحاب رايات الضلال والفساد الذين يخوضون مع الخائضين ويهيمون في كل واد؟! من طمس البصائر وكمم العقول وغشى على الأبصار وختم على القلوب والأسماع. أيهما أولى بتحمل المسئولية المعلول أو العلة،السبب أم المسبب، الفعل أم لازمه؟!
من الفاعل..؟ سؤال لا بد من الجواب الصريح الفصيح عليه لحسم مادة الفساد وإغلاق باب الشر الذي إن تمادى أودى؛ أهم أولئك أم هؤلاء أم لعلهم الذين نحروا محمود الزعبي؟ أو دبروا وعقدوا جريمة تصفية رفيق الحريري؟ أم لعلهم قتلة غازي كنعان؟ أو الذين غدروا بعماد مغنية أو تخلصوا من محمد سلمان وملفاته الخصوصية، أو لعلهم بعض الذين ذهبوا بأبي القعقاع في قلب مسجد في الشهباء أو لعلهم بعض الناقمين أو الثائرين لهؤلاء!!
مهما كان الفاعل وذرائعه ومداخله ومخارجه فإن للمسئولية وجهان وجهها الإيجابي لا يفارق الذين يتهربون منها.
لأهلنا في الوطن العزيز الكريم الأمن والأمان؛ الأمن الذي يقوم على العدل والبر، والأمان الذي يثمر الحب والوعي وينير البصائر ويفتح الأبصار.
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية
أخبار الشرق – 29 أيلول/ سبتمبر 2008