فوضى أمنية في دمشق !!.
نصر حسن
لاشك أن الانفجار الذي وقع في دمشق يوم 27أيلول 2008 , هو عملاً إرهابياً مداناً أياً كان الفاعل والهدف والغطاء , أزهق أرواح المدنيين الأبرياء اللذين لاناقة لهم ولاجمل لا بسياسة النظام الغوغائية ولا بمجموعاته المتطرفة , فعلاً مداناً بما هو قتل أبرياء في الشوارع تكرر في السنوات الأخيرة , سببه الأساسي المباشر المقروء هو خوف مربك ما يطبق على صدر النظام أولاً , يتوازى مع قصور أمني سياسي يمثل المدخل لفوضى كاملة ثانياً , فالنظام الذي حكم سورية لعقود بأجهزة مخابراتية ترصد كل شاردة وواردة في حياة الناس , اليوم يعتريه الفشل الأمني ويتكررالمشهد الدموي ,ومع طول لسانه في الكذب والتضليل وقصره في قول الحقيقة تتداعى الأسئلة , هل هي تصفيات متسلسلة لأطراف جريمة ما لإخفائها ؟! وتبعاً هل هي نتائج تخلخل ركائزه الأمنية والسياسية ؟ هل دخلت سورية نفق شبح مجهول ” عمل انتحاري ” لتمويه الصورة وإخفاء التفاصيل ؟! هل النظام الذي تفنن في ضبط الأمن وتفريخ التنظيمات المتطرفة أصبح ضحية لها ؟ هل هناك طبخة ما في الخفاء شم بعض ريحتها النظام ؟قابلها بتناقض التحليلات وتضارب الإشارات ؟ وماسبب تلك الهلوسة ” اللبنانية ” الأمنية التي تضرب أطنابها في دمشق ؟أهي فوضى النظام الناتجة عن تصادم وتصارع فائض العنف الذي أنتجه ,عاد ليرتد إلى الداخل السوري بعد أن ضاقت به السبل الإقليمية ؟ كثيرة هي الأسئلة في ظل إدمان الصمت وغياب الشفافية ,وكثرة التحليلات والإشاعات التي تدور سراًوعلناً في غياب أي معلومة رسمية صادقة , سوى تكرار ممجوج للإسطوانة المشروخة عن المؤامرة والمتآمرين على استقرار سورية, والتعامل المتهافت لأجهزة النظام الأمنية والإعلامية مع الحدث, طامرة رأسها في رمال الشك والريبة وعدم الحفاظ على الاستقرار والأمن الداخلي ورمي المسؤولية على أطراف ودول مجاورة في هيستيريا كلام في كلام !.
والحال كذلك إن الكلام على الكلام صعب , إذ في إصرار النظام على الصمت وعدم احترام الحد الأدنى من القيمة الإنسانية للمواطنين وحقهم في معرفة ماذا يحدث ؟ ومن الفاعل ومن الهدف ومن الضحية ؟ حتى تتضح بعض رتوش الصورة الأمنية ويكون الناس على دراية بما يجري , فبديهياً أن ذكر بعض الحقائق المتعلقة بحياة الناس هو مقدمة الحفاظ على الأمن والاستقرار الداخلي الذي يتغنى به النظام , وبعكسه إن استمراره في سياسة الممنوع يدفع الأمور نحو التدهور الخطير , ممنوع الاقتراب من النظام وأمنه لأنه هو أمن الوطن والشعب,وإصبع النظام تشير باتهام سياسي للخارج مغلف بعباءة إعلامية رديئة , ظاهرها هلوسات دعاية سياسية تلصق على أطراف إقليمية, نتيجتها حشر سورية عنوة في نفق التطرف والعنف الذي يعتاش عليه النظام , وإهمال الأسباب الرئيسية وراء تلك الفوضى ,وترك الشعب ضحية شائعات النظام وتحفظه, في محصلتها تنبئ بخطرحقيقي على استقرار سورية, هل حان الوقت لتكرار فعل ما حدث في الثمانينات في حماه وحلب ودمشق وحمص وكل سورية وبصمت العالم كله , وأكثر منه مكافأته بالسماح له احتلال لبنان لثلاثين عاماً ؟ هل حان وقت وضع متراس على عموم سورية ” قف ممنوع الكلام ..النظام في خطر”؟!.
لعل الكذب في التعامل مع أربعة أحداث أساسية عاشها لبنان وسورية خلال السنوات القليلة الماضية هو مقدمة كل مايحدث في سورية اليوم , أولها كان الزلزال الذي ضرب لبنان وهز النظام ولايزال ,وهو اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري الذي لم يستطع النظام الخروج من وطأته , ولازالت قواه الارتدادية تهز سورية ولبنان واستقرارهما, الزلزال الذي واجهه النظام بفشل أمني سياسي إعلامي مريع , عكسه تصدع سياسي وأمني على مستوى النظام كله , ثانيها وعلى خلفيته هو” استنحار” اللواء غازي كنعان أحد أعمدة النظام الأمنية الذي حكم لبنان لعقود , مترادفاً مع “بروفة” التفجيرات والاغتيالات في سورية ولبنان التي لاأحد عرف عنها شيئاً, وثالثها اغتيال الجنرال الشبح “عماد مغنية” في حصن النظام الأمني في كفرسوسة بدمشق , تبعها اغتيال مستشار الرئيس الأمني العميد محمد سليمان وإخراجها بطريقة مليئة بالشبهات, رابعها التفجير الأخير في منطقة السيدة زينب على مقربة من فرع الأمن العسكري رقم 285 المكنىّ فرع فلسطين أعتى فروع الأمن والعنف ضد السوريين, الفرع الذي شهد تصفية خيرة الوطنيين السوريين والعرب ومورست فيه أبشع عمليات القتل والتمثيل والترويع في سورية ” الأسد ” , المستقرة سلباً على استمرار الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان في سورية , واستمرار الاعتقالات في صفوف النشطاء السياسيين ووصمهم جميعاً بتهم تقويض الاستقرار الداخلي! ووهن عزيمة النظام والأمة ! وإضعاف اللحمة الأمنية والشعور القومي , والمحاكمات الجائرة لرموز الحركة الوطنية الديمقراطية عربا ًوأكراداً ومن كل شرائح المجتمع والمعتدلة منها على وجه التحديد , والعداد في ظل فوضى النظام الأمنية والسياسية يبقى مفتوحاً وعشوائياً على المجهول!.
يقال إن ” الكذب هو أب العنف ” وعليه إن ذكر الحقيقة أو بعضها هو مدخل الأمن والسلام وهو مقدمة القضاء على التطرف والعنف ووقف تحوله إلى ثأر وقتال في الشوارع مع أطراف مجهولة للشعب لايعرف عنها وعن مطالبها شيئاً , يزيدها النظام حيرة بتكرار نفس المعزوفة الأمنية المشروخة على أشلاء السوريين الأبرياء !أهي مرحلة شيوع العنف ونقله إلى الشوارع والأحياء في سلوك همجي دنيء يمارسه النظام وأجهزته وكل الإرهابيين المختبئين وراء عشرات الوجوه والأقنعة , ألم يكرر النظام تباعاً بأن له السبق في اختراع التطرف والعنف في الثمانينات من القرن الماضي , مارسه وأشاع الجريمة والتطرف في سورية , وهدم مدينة حماه فوق أهلها وجرف البشر والحجر والشجر والحضارة وأحياء كاملة في حلب ودمشق واللاذقية وجسر الشغور , وأدخل سورية في أسوأ مراحلها التاريخية المظلمة , ألم يستمر النظام في تخويف السوريين والعالم وحصرهم في حدين متناقضين,هما “إمااستمرارالنظام أو التطرف والإرهاب”!.
لاغرابة في تناقض تصريحات الرئيس السوري وأبواق إعلامه المحلية والاستراتيجية بعد كل عملية دنيئة, وخاصة ً في الأيام التي تلت محاولات فك العزلة والحصار عنه كما يقول النظام, وطغيان شعوره بأنه انتصر على أمريكا والمجتمع الدولي,وفرض عليهم “خارطة طريقه”لإعادة توزيع الأدوار على الساحة الاقليمية , والاعتراف به على أنه المختص الوحيد في قضايا الإرهاب على مستوى المنطقة , وبالتالي الإقرار بتدخله في شؤون لبنان تحديداً لأنه هاجسه الأمني السياسي الاقتصادي العام ,فلبنان يلخص حالة حياة أوموت النظام بأكمله , هكذا على الأقل يوحي خوفه وسلوكه وتصريحاته وأفعاله, وعلى خلفية كرنفلات الانفتاح تلك , يبدو أن النظام لم يطمئن كثيراً لعناوين وشروط فك عزلته , فأعاد حساباته الانفتاحية بسرعة وخلص إلى نتيجة أنه لم يقبض منها شيئاً سوى شروط محددة ثقيلة عليه لتغيير سلوكه وفرز علني لاصطفافاته الإقليمية , فسيطر عليه الخوف مجدداً وبدأ يتحسس به ” أمنو ميتر ” النظام , والذي يؤشر بأن لبنان هو مصدر كل تلك الهلوسة والوسواس الذي يركبه,ردده الرئيس السوري في حفلات الانفتاح على مسمع الرئيس الفرنسي ساركوزي والرئيس اللبناني ميشيل سليمان في دمشق بقوله ” إن الأمن في لبنان هشاً ” وكرره أكثر من مرة , وركز على شمال لبنان الذي مافتئ يلعب باستقراره بقوله ” إن الوضع في شمال لبنان أصبح قاعدة للتطرف تشكل خطراً على أمن سورية “, ضاغطاً بحشوده العسكرية المباشرة على حدود طرابلس ,وأيضاً حملاته الأمنية الاعلامية المكثفة لإرباك وتعطيل المصالحات السياسية الوطنية وزعزعة الاستقرار الداخلي في لبنان ,وإرجاعه إلى حالة الفوضى العامة التي تتطلب تدخل دولي عبر النظام السوري ثانية ً, أو في أسوأ الأحوال السيطرة عليه عن طريق فرض اتفاقية أمنية تسمح له بالدخول والخروج إلى شمال لبنان لضرب ” الإرهاب ” متى استدعت اللعبة ذلك .
أخيراً ,إن التفجير الذي حرص النظام على تصويره لقيطاً ,هو عكس ذلك تماماً , هو ابناً شرعياً حسباً ونسباً للنظام الذي تأسس على العنف والتطرف , وهو في توقيته بالذكرى الأولى لاغتيال ” أبو القعقاع ” صنيعته في حلب يزيد شكله وضوحاً ويؤكد صلة قرباه , وهذا الإخراج له دلالة سياسية وأمنية وإعلامية واضحة ,أكدها تغطيته السريعة لمسرح الجريمة وعدم ذكر ضحاياها, ووصفه إياه بداية ً أنه هجوم تكفيري من خارج الحدود ,ثم غير لهجته مؤشراً على دولة عربية بعينها , وأصر على إخفاء أية تفاصيل عن الشعب ,وتجاهل التطرق إلى جغرافية المكان ,مسترسلاً في فوضى هذيان أبواقه الإعلامية والسياسية التكتيكية والاستراتيجية , وآخرها تصريح عضو قيادي بعثي بأن ” المشروع الأمريكي في المنطقة كان يسير على ساقين , الأولى إسرائيلية وشلّت في حرب تموز 2007 , والثانية سعودية شلًت في مؤتمر الدوحة 2008″ , هذا بالضبط يلخص بوضوح شديد عقلية النظام وآلية عمله وتمسكه بثوابته !, ويوحي أنه قد غاص في الوسواس الأمني ” الحريري ” إلى الأعماق , يفسره مركزية نهجه وتكثيفه كله في لبنان , حيث هو المدخل وهو المخرج وهو الحبل المتعدد الاستعمالات ,يحاول النظام الخلاص منه بأي طريقة مهما غلى الثمن , حتى ولو بحرب أهلية جديدة, هكذا كان غطاء الحرب الأهلية عام 1975, وهكذا كان دور النظام السوري في احتلاله لبنان لعقود ,حيث هرب مسرعاً على وقع جرائمه, لكن نتائج سياسته لحقت به إلى قصر المهاجرين ,لم يستطع هجرها وتصدّرت جدول أولوياته , فماذا يخبئ الوقت الإقليمي والدولي العائم حتى نهاية عام 2008 للبنان وسورية معاً ؟أهي لعبة العنف تتمدد جغرافياً , يرى لاعبوها أن سورية عبر نظامها المتهالك هي عنوانها وعبّارتها,هنا تتقاطع الوظائف والأدوارلتصب كلها في حساب ” الفوضى الخلاقة ” !!!.
في الختام , يتكهن كثيرون في دمشق ويرددون على من الدور القادم ياترى ؟!.
خاص – صفحات سورية –