«الأخبار» في الحدود الشماليّة: سلاح ثقيل مع الحشود السوريّة
غسان سعود
منذ تحركت الوحدات السوريّة العسكريّة الخاصّة باتجاه حدود سوريا الجنوبيّة، تحوّل الشمال اللبناني محط أنظار من نوع آخر، وخصوصاً أن التحركات السوريّة ترافقت مع تكثيف مسؤولين لبنانيين زياراتهم إلى سوريا، وتجديد بعض كَتَبَة التقارير الاستخباريّة اللبنانيّة ـــــ السوريّة محابرهم، في ظل تداول المواطنين والسياسيين روايات تظهر أن أشباح الضباط السوريين العاشقين للتفاصيل اللبنانيّة ما زالت تحوّم فوق رؤوس كثيرة متعقبذة أحلام هؤلاء بالخلاص من الجيش السوري واستخباراته إلى غير رجعة.
لولا صخب الإعلام لصعب جداً معرفة كون الجيش السوري يعيد انتشاره على أرضه. فمعظم القوات السوريّة التي تحركت كانت في محافظات قريبة أصلاً من الحدود وخصوصاً في طرطوس وحمص. ورغم بعض المظاهر الفولكلوريّة، حرص السوريون، بحجة القلق الأمني، على التحرك بعيداً عن الأنظار. وللوهلة الأولى، يظن اللبناني الباحث عن «حشود السوريين» أن لا علاقة للمجموعات المنظمة المتنقلة برشاقة بمن سبقهم في الاستقرار 30 عاماً في لبنان، فلا الناس يشبهون أولئك الناس، ولا عتادهم يشبه ذلك العتاد، ولا جدية هؤلاء تشبه عبثيّة أولئك. لكن ذلك لا يعني أن لا علاقة في نهاية المطاف لهؤلاء بأولئك. فمعظم ضباط الوحدات الخاصّة السوريّة (تسمى في سوريا الفرقة الرابعة) يعرفون الأراضي اللبنانيّة، الشماليّة خصوصاً، غيباً. ولهم فيها صولات وجولات. أما قائد هؤلاء فيتحفّظ الكل عن اسمه، في ظل ما يتردّد همساً عن اسم أحد أوسع الضباط نفوذاً في سوريا، الأمر الذي يزيد حيرة لبنانيين: لا يعرفون لماذا يرسل ضابط كهذا في مهمة عنوانها «ضبط الحدود».
وتشير المعلومات إلى أن مجموعات لبنانيّة عديدة تلقّت تدريباً استطلاعياً سورياً سبق تحرك هذه الوحدات لتتأكد من أمان البلدات اللبنانيّة المحاذية للحدود، وذلك ضماناً لأمن السوريين وسلامتهم من هجمات قد يشنّها البعض. ومعظم عديد وحدات السوريين الخاصة ذو طابع استخباري واستطلاعي، مع ترجيح البعض احتمال الظهور القريب لبعض طائرات الاستطلاع فوق الحدود للتأكد من عدم حصول خروق أمنيّة، علماً بأن الوحدات المنتشرة تتضمن سلاحاً ثقيلاً لا يستعمل عادة في ملاحقة «الإرهابيين».
مخيمات مستقرة وأهداف خمسة
تمركزت معظم هذه الوحدات على بعد يراوح بين 3 و10 كلم من الحدود اللبنانيّة، وكانت في اليومين الماضيين في حالة هدوء بعد استنفار لمدة أسبوع، عمد خلاله السوريون إلى نصب مخيمات عسكريّة يدلّ شكلها على أنها نصبت لتبقى لا لتُرفع غداة تحرك هجومي سريع. وقد أعطي عدد كبير من السوريين العشرة آلاف (وعددهم الحقيقي بحسب معلومات سورية لا يتجاوز ثمانية آلاف) إجازاتهم الأسبوعية المعتادة، الأمر الذي يصبّ أيضاً في خانة ترجيح استقرار الوحدات في النقاط التي تحركت باتجاهها. وهو ما أكده أيضاً بعض الجنود الذين خرجوا عن المعلومات الصارمة المعطاة لهم بعدم الكلام لا مع الصحافيين فقط بل مع كل من يلتقون، ليُسرّوا أن العودة إلى لبنان غير واردة الآن، وخصوصاً أنهم لم يصدّقوا كيف خرجوا موفّرين عن أنفسهم ذلّ الإهانات التي كانوا يلقونها يومياً.
في موازاة ذلك، في الجهة اللبنانيّة من الحدود، تحافظ الوحدات المشتركة التي تضم عسكريين من الجيش، والأمن الداخلي والجمارك، على هدوئها، ولم يعزز عديد هؤلاء أو تعدل نقاط تمركزهم بعد التحركات السوريّة، وسط إجماع معظم الأمنيين اللبنانيين على عدم امتلاكهم أيّة معطيات عن نيّة سورية باقتحام الحدود، أو بطلب زيادة التنسيق الأمني، في ظل ترجيح أحد عمداء الجيش أن تكون الحركة السوريّة قد حققت 5 أهداف، تعتبر كافية اليوم، وهي:
1- محاصرة المجموعات المخلّة بأمن السوريين الموجودة داخل الأراضي السوريّة، والتي أثبتت قدرتها على تهديد الاستقرار السوري، الأمر الذي يدفع القيادة السورية إلى محاولة استئصالها.
2- تأكيد جدية الالتزام السوري أمام المجتمع الدولي بشأن مكافحة الإرهاب، ومنع وصول المقاتلين إلى العراق.
3- تذكير اللبنانيين والعالم بأن سوريا، الدولة الكبيرة عسكرياً في الشرق الأوسط، موجودة هنا، وخلق جو عام ضاغط في عكار والشمال نتيجة قلق اللبنانيين من تدخل محتمل، وخصوصاً أن أبناء الشمال اختبروا «الحنكة السورية» ويعرفون كيف «يعاقب» السوريون أخصامهم.
4- رفع معنويات الجيش السوري بعد الخروج من لبنان، وإشعاره أنه حامي الوطن فعلاً لا قولاً.
5- فرض أمر واقع جديد بالنسبة للقوى الأمنيّة اللبنانيّة يدفع باتجاه التنسيق الأمني اللبناني ـــــ السوري، والذي يفترض أن يسمح للسوريين آجلاً أو عاجلاً بالتنسيق مع فرع المعلومات بصفته أكثر المجموعات اللبنانيّة اهتماماً بملاحقة الإرهاب.
نعود إلى الحدود: يسود الاستقرار المنطقة اللبنانيّة من أعالي جبل أكروم إلى العريضة، ويحافظ الناس على نمط حياتهم البسيطة.
جبل أكروم: لا وجود للمستقبل
في جبل أكروم، الذي يبلغ عدد سكانه زهاء 15 ألف نسمة ويتألف من 7 بلدات و3 مزارع (هي بحسب الحجم: أكروم ومعها مزرعتا جلواص والنصوب، كفرتون ومعها مزرعة الجوزات، قنيّة، سهلة، مراح الخوخ، والمونسي التي تطل على منطقة وادي خالد)، تبدو الحياة طبيعيّة جداً رغم شدة الحزن على شهيدي «الجبل» اللذين سقطا أخيراً بانفجار طرابلس، دون أي تأثر بمئات العسكريين السوريين الذين قيل إنهم تحركوا باتجاه أكروم، ولكن لم يشاهدهم أهل المنطقة، علماً بأن معظم أهل أكروم، حيث لا تحظى الأقلية النيابيّة بأي وجود، يعملون في القطاع العام سواء في مؤسسة الجيش أو مؤسستي الكهرباء والمياه ولا يتعاطون أبداً أعمال التهريب، كما يقول شيخ بلدة قنيّة زياد عدرا. وإذ ينكر عدرا توزيع أي سلاح للسلفيين أو لأنصار الأكثرية النيابيّة في «الجبل»، يؤكد أن ليس لتيار المستقبل مكتب في أكروم ولا محازبون بالمعنى الكامل للكلمة، رغم أن غالبية مرافقي الرئيس السنيورة هم أكروميون. كما أن غالبية أبناء البلدة يسكنون في منطقة القبة في طرابلس، وبينهم كادرات تنظيميّة مؤثرة في تيار المستقبل.
أما النائب السابق خالد ضاهر فيزور المنطقة كأيّ نائب سابق، يعزّي بالأحزان ويهنّئ بالأفراح، لكنه لا يعطي توجيهات وليس له أنصار. والجدير ذكره هنا أنه ليس للإسلاميين المتشددين، الذين يقول السوريون إنهم يخشون خطرهم، أي وجود في أكروم حيث تحافظ الحياة القروية، المختبئة خلف جبل صنوبر، على نمط تقليدي فيعرف الناس بعضهم بعضاً جيداً، ويصعب على شاب إطالة لحيته دون سماعه مئات التعليقات من مسنّي البلدة قبل شبابها. أما العلاقة بين الأكروميين وسوريا، ورغم تشديد عدرا على إيجابيتها، فثمة من يؤكد أنها محكومة بتوتر تاريخي ولم يسبق لها بتاتاً أن كانت مثل علاقة جيرانهم في وادي خالد مع السوريين، علماً بأن أكروم تعدّ أقرب المناطق اللبنانيّة إلى المدن السورية، فهي لا تبعد عن حمص أكثر من خمس دقائق، واجتياز الحدود يحصل بسهولة عبر دراجة ناريّة أو سيراً على الأقدام.
وادي خالد نائبها غير مرحب به
تعدّ منطقة وادي خالد واحدة من المناطق السنيّة النادرة التي جيّرت غالبيّة أصوات مقترعيها عام 2005 لغير لائحة «زيّ ما هيّ» المستقبليّة. ومنذ ذلك التاريخ يكثر الكلام عن الوادي. مرة يشكك بلبنانية أهل الوادي، ومرة يقال إن السلاح يُهرّب إلى حزب الله عبر معابر الوادي. أما الأبرز، في بلدات الوادي الغارقة في إهمال الدولة لها، فهو غياب المرجعيّة، فممثل المنطقة في المجلس النيابي، النائب عزام الدندشي، غير مرحّب به في ساحات كثيرة في الوادي نتيجة تقاليد إقطاعيّة، بحكم انتماء الدندشي إلى الإقطاع الذي تتهمه عشيرتا وادي خالد العتيق والغنام بحرمانهما الجنسية اللبنانيّة يوم وزع الانتداب الفرنسي الجنسيّة. وفي ظل غياب المرجعيّة الأكثريّة أو هيكلية واضحة لتيار المستقبل، يبرز ظهور الشيخ عبد الله دويك الذي يجمع الشباب تحت عناوين إسلاميّة متشددة تقوم على التكفير. وهو يسخو بالرواتب على الملتفّين حوله، ويقول البعض إنه يدعو في تعاليمه السريّة إلى إقامة إمارة إسلاميّة في شمال لبنان. وقد أنشأ دويك، الذي وفد إلى الوادي قبل ثلاثة أعوام، وهو أصلاً من بلدة مجاورة، مدرسة تخطت كلفتها… المليون دولار.
ومن أبرز أتباعه، عماد الجاسم، المبشر، وفق مصادر متابعة، بالعمل لإسقاط النظام السوري. وقد كان بين الشبان الذين نظموا نشر الفوضى في تظاهرة 5 شباط بالأشرفيّة. وسبق لبعض أتباع دويك أن ارتكبوا جنايات. وبدأ بعض أهل الوادي حركة في اتجاه هؤلاء الإسلاميين لحثهم على تجنيب المنطقة صداماً تخشاه.
من جهة أخرى، يكاد أهل وادي خالد يجمعون على استبعاد الدخول السوري إلى لبنان، على الأقل من منطقتهم، وإن كان البعض، مثل المسؤول في جبهة العمل الإسلامي طلال الأسعد، يفاخر بـ«حلفه» مع سوريا، واطمئنانه إلى تقديم سوريا ما بوسعها «لدعم حلفائها كي يتعادلوا بالفرص مع الذين تصلهم مساعدات غير محدودة من السعودية وغيرها».
ويشرح الأسعد اعتقاد السوريين أن شرارة النار التي تحرق طرابلس قد تحرق دمشق، وخصوصاً أن «التكفيريين» يضعون نظام الشام في رأس أولوياتهم العدائيّة. وإذ يُحرَج الأسعد بالسؤال عن المهمة الأساسية للقوات السورية، يقول: «من حق السوريين أن يحموا حدودهم، وقد تطلّبت حماية الأتراك لحدودهم مع العراق بعض العمليات الجراحية داخل العراق نفسه».
6 بلدات تثير اهتمام الأمنيين
في البيرة، وهي المنطقة العكاريّة المحاذية لسوريا، قرابة 6 بلدات تثير اهتمام الأمنيين أبرزها: شيخ لار، عيدمون، السنديانة، والبيرة. وأثبتت الحوادث قبل نحو شهر ونصف شهر في شيخ لار وعيدمون امتلاك الناس هناك عتاداً حربياً متكاملاً يمكن مقاتلة جيش نظامي به. وقد استعرض شبان من البلدتين، بإمرة إسلاميين متشددين، خطة انتشار وتنسيق تتطلب تدريباً واّطلاعاً عسكرياً واسعين.
أما البيرة، فيكاد لا يخلو منزل في عكار من الكلام عليها، وهي بحسب مصادر عكاريّة، خزان النائب السابق خالد ضاهر الثالث بعد بلدتي برقايل وفنيدق. ويعتبر الشيخ أحمد عبد الواحد ذراع الضاهر التبشيريّة والأمنيّة في البيرة، حيث عمد الشباب إلى عرض عضلاتهم العسكريّة في الشوارع مرتين خلال الشهور القليلة الماضية.
وبدوره، يقول رئيس بلدية البيرة محمد وهبة إن أهل مكة أدرى بشعابها، مؤكداً أن ثمة مسلحين ظهروا في البيرة، لكن معظمهم كان من خارج البلدة، وتحديداً من ببنين، مشيراً إلى أن السوريين يعرفون البيرة وأهلها جيداً، والكلام عن أن الإرهاب يعشعش فيها، «ينطوي على الكثير من الخبث فضلاً عن السطحية».
بعيداً عن الحدود، يُحكى في عكار عن لجوء مئات المقاتلين من أحياء طرابلس الفقيرة إلى بعض البلدات الجرديّة في عكار التي يحظى الإسلاميون المتشددون بنفوذ كبير فيها.
كلام لا يمكن التأكد من صحته بالعين المجردة مهما تنقّل المرء بين هذه البلدات وحتى لو كانت ضالّته أمامه. الحقيقة الأخيرة تفاقمُ قلق العكاريين، وخلفهم السوريين المتيقّنين من أن تحريك الجيش لا يكفي وحده لوقف تضخّم هذه الحالة في شمال لبنان أياّ يكن من وقف أو من يقف وراءها.
14 آذار: فرنسا تضمن سوريا
أكد النائب مروان حمادة أن «زيارة وفد قوى 14 آذار إلى فرنسا لم تكن للمعاتبة، بل للاستفسار عن جملة أمور بعدما تعكّر جوّ التواصل مع باريس، لكن هذا لم يقطع قنوات الاتصال معها».
وقال خلال مؤتمر صحافي عقده في باريس إنه جرى خلال الزيارة «الاستماع من الفرنسيين إلى طبيعة علاقتهم مع سوريا راهناً، وضرورة أن تبقى فرنسا ساهرة على حسن تنفيذ الوعود السورية للبنان». وأضاف حمادة: «أبلَغَنا المسؤولون الفرنسيون عن وجود خريطة طريق بين فرنسا وسوريا، وأكدوا أنها مطمئنة جداً للبنان»، كاشفاً عن طلب الوفد «مساعدة المجتمع الدولي، عبر إيفاد مراقبين خلال الانتخابات النيابية».
التنسيق الأمني ليس لمصلحة لبنان
دعا حزب الكتلة الوطنية إلى ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، وإلى «تنسيق منظّم عبر الوزارات المعنية من داخلية ودفاع وعدل ومال وخارجية، وليس فقط تنسيقاً مباشراً بين العسكريين». وإذ أشار إلى أن «التنسيق الأمني، وفق مطلب الرئيس السوري، لن يكون أبداً لمصلحة لبنان»، رأى «أن أكبر ضمان للأمن السوري هو دولة لبنانية خالية من أي سلاح إلّا سلاح الدولة».
سوريا العنصر القويّ في مواجهة إسرائيل
انتقد النائب علي خريس «تصوير الأزمات السياسية والخروق الأمنية على أنها سيناريو يصنعه بعض الدول للاستفادة منها في الصراع الدولي، بينما نجد أن سوريا كانت ولا تزال العنصر المهم والقوي في مواجهة إسرائيل وأطماعها في لبنان والمنطقة والمخطّط الأميركي والسياسات الرعناء».
أخطار دائمة تبشّر بوصاية جديدة
“نعيش اخطاراً دائمة، فها هي التعزيزات السورية على حدودنا من جديد وكأنهم يبشروننا بوصاية جديدة أو بهيمنة جديدة، وبوحدتنا نحافظ على سلامة أرضنا وعلى حدود أرضنا وعلى كرامتنا”، علّق وزير السياحة، إيلي ماروني، في حديث خلال تمثيله الرئيس ميشال سليمان في وداع البطريرك الماروني نصر الله صفير.
يقاربون العلاقات الأخويّة بحقد
استغرب النائب قاسم هاشم «أصوات النشاز من الفريق المعروف بالعدائية والذي لا يقارب العلاقات الأخوية اللبنانية ـــــ السورية إلا مقاربة حاقدة». وتساءل: «كيف يمكن هذا الفريق أن يبحث عن مصلحة لبنان أو أن تستقيم العلاقات في ظلّ هذه الأجواء غير الطبيعية التي ما زالوا يصرّون على إدامتها».
سويا لن تصبح أمّاً حنوناً
استبعد وزير العدل إبراهيم نجّار «أيّة مغامرة سورية عسكرية في الشمال، لعدم توفر عناصر تسمح بهذه المغامرة حالياً». وأضاف: «لا إرادة دولية اليوم لتدخل سوريا كي تحلّ مشاكل تتصل بفلسطين أو كي تصبح أماً حنوناً جديدة للبنان»، مشيراً إلى تخوف «فئة من اللبنانيين من أن يكون النظام السوري في صدد التشجيع على إشعال النار في الشمال ليتولى إطفاءها».
خالد ضاهر بين تراجع المستقبل وصعود السَلَفيّة
الملاحظة الأساسيّة في معظم البلدات التي تشهد صعود السلفيين الجهاديين شمالاً هي ضعف تيار المستقبل تنظيمياً. فرغم التعاطف السنيّ الاستثنائي مع تيار المستقبل، يوازن الناس بين تأكيدهم تأييد المستقبل سياسياً من جهة، وافتقادهم الهيكلية التنظيميّة والمرجعية المناطقيّة من جهة أخرى، في ظل عدم فرز تيار المستقبل أية قيادات يمكن التعويل عليها لملء الفراغ الناجم عن نفي نواب المنطقة لأنفسهم بأنفسهم، وانسحاب المرجع السوري الذي اعتاد توجيه «أمر اليوم» كل بضعة أيام فيعرف الناس ما لهم وما عليهم.
الملاحظة هذه تقود فوراً إلى زعامة خالد ضاهر الجديدة على عكار. فالنائب السابق، الذي لم يحصد في انتخابات 2005 أكثر من 10611 صوت، بات الرجل الأول في تيار المستقبل شمالاً رغم عدم انتسابه إلى هذا التيار. وصار اسمه على كل لسان منذ ملأ فراغ تبعثر تيار المستقبل أمنياً غداة انطلاق أحداث أيّار. وأخيراً، فيما كان بعض نواب الأكثرية الحاليون يبحثون عن وسيلة لزيارة سوريا، وبعضهم يرتعد شمالاً من احتمال دخول دمشق العسكري إلى لبنان، كان ضاهر الغاضب من ديكتاتوريّة دمشق يواصل التحرك من بلدة عكاريّة إلى أخرى حاشداً «الصدور العارية» و«الأسنان» لقتال السوريين إذا هم أخطأوا واقتربوا من الحدود. وبابتسامة واثقة يردّد ضاهر، صاحب شهادات اللغة والآداب والصحافة، الذي يلتقي مع تيار المستقبل حول كل الأهداف السياديّة والاستقلاليّة، أن الجيش السوري سيجد قبالته شباناً قلوبهم عامرة بالإيمان، صدورهم العارية ترفض أن تذلّ، ورؤوسهم تأبى البقاء إلا مرفوعةً».
وعمّا إذا كان اغتياله سيسرّع دخول السوريين، يقول ضاهر إن استهدافه يعني استهداف رئيس كتلة المستقبل النائب سعد الحريري ودمه سيكون في ذمّة النظامين السوري والإيراني وحلفائهما، مستدركاً أن ثمة أشخاصاً عقلاء سيستكملون عمله من بعده، ولن يُستدرجوا للفتنة «والاغتيال، بأي حال، لن يضعف المشروع، فالرئيس الحريري استشهد ومسيرة الاستقلال استمرت».
ويرى ضاهر أن اتهام الرئيس السوري بشار الأسد الشماليين بالإرهاب هدفه جذب الرأي العام المحلي المسيحي والدولي الأوروبي ليسمحا له بالعودة إلى لبنان. «فيما الواعون يعرفون أن كل الحالات الإرهابيّة في المنطقة تُطبخ في مصانع النظام السوري الاستخباريّة». وعلى صعيد آخر، يقدم ضاهر نفسه، بطريقة أو بأخرى، نموذجاً لمقاوم قديم للسوريين، إذ اعتقل 6 مرات، كان آخرها بعد انتخابات عكار الفرعية عام 1998 لأن مؤيديه انتخبوا النائب الحالي رياض رحال ولم يلتزموا التوصية السورية بانتخاب النائب السابق كريم الراسي. أما نيابياً، فيقول الرجل المرتاح إلى حيثيته رغم الشائعات عن ضيق تيار المستقبل بثورته بعد دخول الحريري في المصالحات، إن اختيار مرشحي المستقبل سيكون وفق القدرات التمثيليّة للمتطلعين إلى النيابة. ويتراجع ضاهر عن كلام سابق له بحق المؤسسة العسكريّة، مؤكداً أن الرهان اليوم يتركّز على الجيش «لأن السوريين يريدون ضربه ليعودوا ويؤدوا دوره».
في المقابل، السؤال الأساسي الثاني في عكار عند فئة واسعة، هو عن موعد ظهور خالد ضاهر معارض، يملأ فراغ غياب الأقلية النيابية أو المعارضة سابقاً. وتتفرع من السؤال علامات استفهام كثيرة حين يبرز إهمال المعارضة الكامل لعكار، وترداد النواب السابقين أن الوقت باكر للكلام عن الانتخابات النيابية. واعتقادهم أن الأمور ستتبدّل رأساً على عقب خلال الشهرين المقبلين. وسط معلومات تقول إن السوريين يعتقدون أن قلب المعادلة في عكار «واجب قومي» نظراً للترابط الجغرافي والأمني بين عكار ومدن سوريّة وعدّة. ولأن ليس كل ما يعرف يقال، يكتفي أحد النواب السابقين بالقول إن في دولة مجاورة من يطلق على منسق تيار المستقبل في عكار حسين المصري لقب الرفيق، وهو مع زملاء كثر له ما زالوا، في عيون الجوار وبعض أهل الدار، ينتظرون اللحظة المناسبة ليشهروا انتماءهم إلى عقيدة النائب مصطفى علي حسين.
الأخبار