حوار الافاق المسدودة
خالد غزال
على عجل افتتحت جلسات الحوار اللبناني بعد تأجيل استمر اكثر من سنتين ونصف سنة، وعلى عجل ايضا علِّقت وأرجئت الى أكثر من خمسين يوما. بخلاف شكليات اللقاء والمصافحات، وما تبعها من كلمة لرئيس الجمهورية، في وصفه راعي الحوار، لم تتعرض الجلسة اليتيمة الى الموضوع الاساسي المطروح على جدول الاعمال والمتصل بالاستراتيجيا الدفاعية ومن ضمنه البحث في سلاح المقاومة. لم يكن التأجيل مستغربا، ولا كانت النظرة المتشائمة، الى حد بعيد، والتي سادت معظم اللبنانيين، بمستغربة أيضاً، وذلك نظرا الى حجم الخلاف على كل القضايا المتصلة بالكيان والنظام والموقع اللبناني والاقليمي والنظرة الى دور الدولة وموقعها.
يسود سؤال حول هذا الحوار والحدود التي سيصل اليها والنتائج التي قد يسفر عنها وفي مقدمها الاستقرار السياسي والامني ومدى النجاح الذي سيتمكن فيه المتحاورون من مقاربة معضلات البلد ومشكلاته، في ظل التباعد الكبير بين اطراف النزاع على جميع قضايا البلاد تقريبا. لا يوحي المشهد اللبناني بما يطمئن اللبنانيين الى نتائج ملموسة تضعناعلى سكة قيام الدولة والخروج من منطق الحرب الاهلية.
يقف المتحاورون اولا امام موضوع الاستراتيجيا الدفاعية، ويضمر كل طرف رأيا مخالفا للاخر حول مفهومها وما يجب ان يتطرق البحث فيها. سيكون الموضوع شاقا في التوصل الى صيغة تحدد موقع لبنان في الصراع العربي الاسرائيلي بما لا يخرج البلاد من هذا الصراع، وهو امر شبه مستحيل، انما بما يعيّن موجبات لبنان في هذا الصراع في اطار خطة عربية، وبما لا يجعله “ساحة” مفتوحة للقتال ضد اسرائيل، وبما يلزمه اتفاق الهدنة ورفض اي صلح منفرد لا يستطيع لبنان تحمل تبعاته. مقابل ذلك، توضع جانبا كل دعوات الحياد تجاه هذا الصراع او الى اقامة سلم منفصل مع اسرائيل. قبل ان تصل المناقشة الى سلاح المقاومة وكيفية التعاطي معه، سيكون على المتحاورين الاتفاق على ان التناقض اللبناني الاسرائيلي اساسي، انطلاقا من كون اسرائيل عدواً يتهدد لبنان راهنا ومستقبلا. ان التوصل الى تفاهم كهذا يجعل المناقشة حول سلاح المقاومة ودوره في خطة استراتيجية دفاعية شاملة، ممكنة وبعيدة عن هواجس نزع هذا السلاح الذي باتت نظرة اللبنانيين اليه شديدة الحذر بعدما دخل عاملا مقررا في الصراع السياسي الداخلي.
استتباعا لموقع لبنان الاقليمي وخصوصا علاقاته العربية، لا يستطيع البلد الانضواء في محاور عربية واقليمية متصارعة، بل انه محكوم بمراعاة التوازنات الضرورية في هذا المجال، كما لا يمكنه الالتحاق بمعسكر دولي، في وقت يستحيل قطع شرايين الاتصال مع الخارج الغربي توافقا مع ما تتطلبه حاجات لبنان السياسية والاقتصادية والثقافية.
كما سيقف المتحاورون امام قضية تنظيم الصراع بين اللبنانيين والوجهة التي سيرسو عليها. لا يزال الاحتكام الى الصراع المسلح باشكاله المتعددة، القانون الذي يحكم اللبنانيين. فالحروب الاهلية المتنقلة من مكان الى آخر تقض المضاجع وتمعن في البلاد خرابا وتدميرا، والاضافة التي ادخلت الى طبيعة الصراع خلال الاشهر الماضية وخصوصا بعد حوادث ايار في الجبل وبيروت وتمددت الى مناطق البقاع والشمال، زادت من هواجس اللبنانيين حول وجهة ادارة الخلافات. لا يختلف اللبنانيون على الاستراتيجيا الدفاعية وعلى الموقف من اسرائيل فقط، بل ان صراعهم الجوهري والاخطر هو على النظام السياسي وموقع الطوائف وحصصها داخله والاصلاح السياسي الذي بات يدق كل مجال من مجالات الحياة اللبنانية. ان الاتفاق على اصول تنظيم هذا الصراع بالوسائل الديموقراطية والاتفاق على منع استخدام السلاح والعنف، هي من الامور الاساسية التي تتيح امكان تقدم البلاد ومنع الحرب الاهلية من ان تظل القاطرة التي تقود الى الهاوية.
لا يستقيم التوصل الى اتفاقات بين المتحاورين على المسائل المشار اليها من دون الاتفاق على موقع الدولة ودورها وانضواء الجميع تحت ظل سلطتها ومؤسساتها. لا يبدو الامر سهلا في هذا المجال بعدما تحول لبنان مجموعة دويلات، وبعدما تمتعت الطوائف بطعم الهيمنة المحلية او العامة. فالدولة التي يجب ان تشكل المساحة المشتركة بين اللبنانيين تبدو اليوم انها تملك المساحة الاقل والاضعف بعدما اجتاحت الطوائف المساحات الكبرى. يدل على ذلك ان المؤسسات الرئيسية لا تزال تحت هيمنة الخاص الطائفي. يبدو هذا الامر من الاساسيات التي يستحيل من دونها التوصل الى ادارة الصراع بين اللبنانيين بما يتوافق مع المصالح العامة والمشتركة.
اذا كانت هذه بعض قضايا الحوار الاساسية، على رغم وجود قضايا اخرى، فالى اي مدى تبدو الافاق مفتوحة للنجاح؟ في ظل ميزان القوى الراهن الذي افرزته انتخابات العام 2005 وما تبعها من تبدلات في التحالفات، وفي ظل عودة العامل الاقليمي المتمثل بالسعي السوري لاستعادة الموقع المتميز والخاص الذي كان يحتله، يبدو مصير الحوار معلقا الى امد. يراهن الجميع وخصوصا القوى ذات الارتباط المتين بالمحور الاقليمي السوري – الايراني على تبدل في ميزان القوى المقبل تقرره الانتخابات النيابية وامكان تأمين حكم سياسي لا يضع على جدول اعماله القضايا المطروحة راهنا وعلى الاخص منها قضية الاستراتيجيا الدفاعية ومن ضمنها مصير سلاح المقاومة. لذا لا يبدو ان الحوار سيواصل مساره الفعلي او يقف امام القضايا المطروحة عليه ويتخذ في شأنها القرارات المصيرية قبل اشهر الانتخابات، بل سيكون من المؤكد ان الفترة حتى ايار المقبل ستكون اشهر تعبئة وسعي كل طرف الى كسب اكبر المواقع في البرلمان. لا يعني ذلك ان جلسات الحوار ستتوقف، بل قد يكون من المفيد استمرار التئامها ولو لمعالجة قضايا تتصل بمنع التدهور الامني في البلد.
في ظل المراوحة وانتظار التحولات الداخلية ومعها التطورات الاقليمية والدولية التي تضعها جميع قوى الصراع في حساباتها، يصعب ان يبقى لبنان في منأى عن التوترات الامنية الجارية الان في حال شبه يومية، بل ليس مبالغة القول ان التوتر الامني قد يكون وسيلة رئيسية ستلجأ اليها قوى محلية واقليمية سعيا الى تعديل الاوضاع الراهنة بما يتوافق والاهداف الساعية اليها، وهي امور لا تدفع الى الاطمئنان ¶
النهار