سوزان عليوان : مستعدة لإحراق كل ما كتبت !
دخيل الخليفة
حينما تجالس الشاعرة سوزان عليوان يتحول المكان إلى مسرح يفتح ستائره على المشهدين الثقافي والسياسي معا، كيف لا وسوزان فاكهة ثقافات عدة استمدتها من والدها اللبناني الفينيقي وأمها البابلية الأصل.. ربما يخترق الحوار سؤال، ليس عابرا بالتأكيد، عن صديق ما، ليحضر «الإنساني» في غمرة المشهد.
سوزان تعشق الإطلالة على أصدقائها في زمن محدد، لذا يدرك الأدباء في الكويت متى تطل كسحابة محبة، ويدرك المصريون أيضا متى تلامس أناملها النيل.. إلا أن محبتها قد تصلك مع ساعي البريد على شكل مجموعة شعرية جديدة.
أخيرا أصدرت سوزان في طبعة خاصة كعادتها ديوانها الجديد «كل الطرق تؤدي إلى صلاح سالم» وهو العاشر بعد «عصفور المقهى»، و«مخبأ الملائكة»، و«لا أشبه أحدا»، و«شمس مؤقتة»، و«ما من يد»، و«كائن اسمه الحب»، و«مصباح كفيف»، و«نتخيل المشهد»، و«كراكيب الكلام».. وقد نشرت تلك المجموعات الشعرية مناصفة بين القاهرة وبيروت، منذ العام 1994 وحتى العام 2008.. معها كان هذا الحوار :
{ الشاعر اختار أن يكون الضحية وقائد الضحايا في آن ٍ معا.. أما زلت مقتنعة بأن الشعر أداة تغيير رغم أن شعوبنا تحولت إلى قطع ثلج؟
الشاعر حامل مصباح على أرض سوداء. ليضيء محط خطوته. لعله يؤنس، ولو عن مسافة، طرق الآخرين. هو صانع الأفراح الصغيرة جدّاً: صورة مدهشة في قصيدة، جملة تستثير الآه، حالة حب أو حلم. كالساحر يُخرج الأرانب البيضاء من القبعة الفارغة، بالكلمات. هو حارس أرواح أيضا. رسالته التنوير، ومسؤوليته التذكير. تذكير الآخرين بجوهر يعلوه في أعماقهم الغبار. مهمته في الحياة لا تتجاوز دور النسمة في إنعاش القلوب والعقول، في إيقاظ الضمائر. ليس الشاعر ضحية أو قائد ضحايا، فالشعر لم يعد ثورة. هو اليوم أضعف الإيمان. وليته يغيّر فينا شيئًا، نحن الأفراد الذين يكتبونه، قبل الشعوب التي قد تقرأ ذات يوم قصائدنا. في داخلنا جبال ثلج لو أذبناها لوجدناها تذوب تلقائيًا في الآخرين. ربما حينها ينتشر الجمال كعدوى الضحك، بدلاً من حالة التثاؤب الجماعية.
ولكن الساحر يخرج من قبعته أشياء متضادة في الغالب، لاتمثل سوى دهشة مؤقتة.. ألا ترين أن مواقف الشعراء متضادة مع رسالتهم أحيانا؟
– الدهشة مؤقتة دائمًا، لكن الجمال قطعة من أبد. والشعر هو الجمال الذي يدوم بعد زوال دهشته الأولى. على الشعراء أن يدركوا قيمة رسالتهم ليكونوا جديرين بها. المواقف تحتمل التضاد أحيانًا، والمساءلة والتصويب. أما المبادئ، فهي ما لا يقبل الخطأ أو الخيانة. ثقافتنا العربية تفتقد النقد الذاتي. تقييم الشعر والشعراء قائم على العاطفة والعصبية وعلى عوامل أخرى لا علاقة لها بالشعر، والشاعر في نهاية الأمر ليس سوى فرد من هذه المجتمعات المريضة.
{ بما أننا نهدم العالم لنعيد بناءه بوجه نضر.. هل ترين أن هذا المفهوم مازال يحتفظ بقيمته يا سوزان؟ وكيف؟
– وهل من مخرج آخر لنا، كي ننجو من كل هذا الخراب حولنا وفينا؟ لا نملك سوى أن نهدم ما هو قائم على ضلال وجاثم كالصخر على أحلامنا، لعل الأرض تعود بيضاء وتستعيد أرواحنا رحابتها ورفاهية الأسئلة الجميلة: بأي عالم نحلم؟ أين أدواتنا الجميلة؟ وماذا سنصنع بها؟ ومن أين نبدأ؟
أما كيف تكون هذه الولادة الجديدة، فلا بد أن نبادر بتقويم أنفسنا، بهدم أوهامنا، بتنوير قلوبنا وعقولنا، بالتخلص من القشور ومواجهة الجوهر. الإنسان في الأصل واحد، ولا خلاص له سوى بالعودة إلى صلصاله، إلى فطرته وبدائيته. فكل ما تلا شوائب وتشوّهات.
في «كراكيب الكلام» سيطر المطر كعامل محو أو هدم/ وكذلك الانكسار القاسي لمصباح القمر/ أو تحطيم النجوم بحذاء / من يعرف رقة سوزان/ هدوءها/ ستدهشه قسوة الشعور هذه؟
– الحنان، حين يُجرح، ينقلب إلى قسوة مرعبة. الفنجان الدافئ كعصفور صغير في الكف يصبح حادًّا مثل سكاكين كثيرة حين ينكسر. كذلك الكلام، وكراكيب الروح، والروح نفسها.
في «كراكيب الكلام»، كان الشعر ردة فعل على وحشية العالم. لم يعد وردة فقط كما في الماضي، وإنما أصبح الوردة التي تدافع بالأشواك عن وجودها.
طائرة ورقية
{ الارتباط بالمكان إذ تؤدي «كل الطرق إلى صلاح سالم» اسم الشارع المصري، أهو ارتباط نفسي فقط؟ فليس ثمة ما يوحي بحضور المكان في زوايا الديوان، ولا بقية الدواوين رغم هذه الغربة الشرسة؟
لعل غياب المكان هو الذي دفعني لاختيارِ هذا العنوان والإصرار عليه، رغم يقيني بأن في متن النص احتمالات لعناوين كثيرة، وربما أكثر شعرية من «كل الطرق تؤدي إلى صلاح سالم». ثمة طائرة ورقية أفلتت مني في الفضاء. انقطع خيطها فجأة واختفت، فما كان مني إلا أن أتشبث بطرف الخيط المعقود حول أصابعي، ذكرى سماء سابقة.
{ لجأت إلى الومضات التي لا يربطها خيط أحيانا في «كل الطرق».. ما الذي أردت قوله تحديدا ؟ ألهذه الدرجة أصبحت حياتنا شظايا ؟
ثمةَ خيط على امتداد النص، طريق واسع وطويل يربط «كل الطرق»، هو شارع «صلاح سالم». هو العمود الفقري لهيكل العظام، جذع الشجرة التي قام عليها النص. الفقرات المبعثرة، الأوراق المتساقطة، شظايا أيامي وسنوات عمري.. أعدت جمعها من خلال هذا الشارع. الديوان مجموعة من اللوحات الصغيرة والتي تصنع بمجملها لوحة كبيرة. هكذا هي الحياة، وهكذا أردت للشعر أن يكون في ديواني.
{ ألا ترين أن هذه الغربة جعلت نصك بعيداً عن محيطه اللبناني؟
– لست معنية بالمحليات، بل إنني ضدها تمامًا. القصيدة أفق مفتوح، والمحيط اللبناني أو أي محيط آخر قيد للروح والنص. كما أن القاهرة ليست غربة بالنسبة لي. مصر حضن كبير.
اغتراب
{ «في الصوة المعلقة على الجدار / طفلة تشبهني/ ولولا أنها تبتسم / لظننتها صورتي».. أليست الغربة التي تمارسينها في أفق النص غربة اختيارية؟ كيف وصل تأثيرها إلى هذا الحد الجارح؟ كيف حوّلتك إلى شاعرة مغتربة عن واقعها؟
– هناك جملة تهزني في أغنية جميلة للمطربة الراحلة ذكرى، رحمها الله. تقول فيها: «مين ده اللي يرضى بغربته، لو قابلته سكة رجوع؟». نحن لا نختار غربتنا أبدًا. كما أنا لا نختار أوطاننا. الظروف هي التي ترسم خرائط وجودنا، ونحن نحفر طرقنا فيها، الحفر جارح، فالخرائط ليست سوى أرواحنا وحيواتنا.
شاء القدر أن أولد لأب وأم من بلدين لم تتوقّف فيهما الحروب، منذ مولدي (لبنان والعراق)، وأن أغترب عن مدينتي الأم بيروت منذ الطفولة، وأن أسافر من بلد إلى آخر، وأن أعود إلى وطني بعد سنوات لأكتشف أنه المنفى الأشد قسوة، وأن بيروت التي طالما حلمت بها ليست سوى خرافة صغيرة، وأن العالم من حولي خرابة هائلة..
كم تدهور العالم منذ بداية الألفية الثالثة. من منا لا يشعر بالاغتراب؟ الوحوش نفسها تشعر بالوحشة في عالمنا هذا.
{ فراشة، ملاك، عصفور، عتمة، كلها مفردات تعكس روحاً طفولية تؤكدها رسوماتك، إلا أن نصوصك لا تعكس هذه الرؤية تماما.
– ليست الفراشة سوى لمحة عابرة بين دودة ورماد. والعصفور الذي يرفرف عاليًا كراية روح في السماء، يعود لا محالة إلى الأرض ليأكل الفتات. وللعتمة التي تتيح للنجوم فرصة النور، وجه آخر مخيف. الطفولة لا تدوم. كقوس قزح، يسبقها المطر الغزير ويليها الصحو.. الصحو الجارح من البراءة. في الرسم لم أتجاوزها بعد. أتشبث بها بكل ألواني. أما في الشعر، فقد أسقط كل منا الآخر منذ «كراكيب الكلام». ربما لأنني سئمت صمت الدُّمى وعجزها، وربما لأن الدُّمى التي أحبتني بضفيرتي لمحت في شَعري شَعرة بيضاء.
في المجموعتين الأخيرتين اشتغلت على التكثيف بشكل واضح.. إلى أي مدى يمكننا أن نخلق قارئا ً مغايراً في زمن مكشوف بجاهليته؟
– لنوجد أولاً نصّاً مغايرًا، محرضا على الحلم والحياة والحب والحق والحرية. أما القارئ، فنحن لا نخلقه. نحلم به، نناديه، نسعى إليه، وربما نجده. وقد يكون أكثر جمالاً من شعرنا.
{ ولكن القارئ كان يبحث عن الشاعر ياسوزان، هل تغيّر اتجاه البوصلة ؟
– لو اعتبرنا الشعر جسرًا، فلا بد أن يعبره الشاعر والقارئ معاً ليلتقيا. في كل مكان، وفي كل زمان. ليس الشعر برجا عاجيًا يصعده القارئ إلى الشاعر أو ينزل منه الشاعر إلى قارئه. أرى العلاقة كمصافحة على جسر، لا تتم إلاّ بيدين ممتدتين بمحبة واحترام.
{ ترين أن ديوان الشعر في عالم الحداثة هو تقديم تجربة متكاملة.. أثمة قوانين ملزمة في الخروج عن المألوف؟
– الإبداع هو الإفلات من المألوف، بإعادة الأشياء إلى ألفتها، إلى أصلها وصلصالها، إلينا. أميل إلى النص-الشجرة، بجذوره وفروعه وعصافيره الكثيرة. والقانون بالنسبة لي هو الجمال، الجمال البكر والمبتكر في آنٍ واحد.
{ لماذا الطبعات الخاصة؟ أهو موقف من المؤسسة؟ من دور النشر؟
– هو موقف من كل ادعاء بأن الثقافة صناعة حقيقية في بلادنا. فلا المؤسسات ولا دور النشر معنية بالشعر أو بالأدب. المؤسسات الحكومية تتعامل مع الكتابة على أنها «فلكلور» ينبغي أن ينفق عليه ما خُصّص لأجله من ميزانية زهيدة، تمامًا كالمصاريف السنوية للمتاحف المهملة. والمؤسسات الخاصة تتعامل مع الكتابة على أنها «سلعة» و«موضة» لها شروطها الاستهلاكية وبالتالي لها مكاسبها. الطبعة الخاصة تحفظ لي كرامتي وتحافظ على احترامي لنفسي ولنصي، وهي لا تعيقني من الوصول إلى الآخر، خصوصاً أنني أبذل جهدًا كبيرًا (هو واجبي) في إيصال دواويني إلى جميع المعنيين والمهتمين، سواء بالتوزيع باليد أو بالبريد أو عبر الأصدقاء والصديقات، أو من خلال النشر الإلكتروني عبر موقعي. فلماذا لا أنحاز إلى الطبعة الخاصة؟
تمرين على الحياة
{ أحرقت 3 دواوين .. إلى أي مدى علينا أن نكون «شجعانا» في إحراق مشاعرنا البدائية؟
كان ذلك منذ سنوات بعيدة. ولولا ذلك الموقف القاسي تجاه دواويني الأولى، لما خرجت من أسرها أبدًا. لظللت أكتب أشياءً أخرى تشبهها، بلا إضافة تذكر. لا بد للشاعر أن يتجاوز ذاته قبل الآخرين، لأننا لسنا في سباق عام، وإنما في تحدٍّ دائم لأنفسنا، لقدراتنا التي ينبغي أن يكون عالية كرغباتنا وأحلامنا. لا أعتبر ما قمت به شجاعة، بقدر ما أرى أنه فعل صدق. على الشاعر أن يكون الناقد الأقسى لتجربته، وأن ينحاز للشعر وليس لشعره وذاكرته وأشيائه. اليوم، أنا على استعداد لإحراق كل ما كتبت. سأنهض من الرماد بما يليق بروحي وجناحيّ. الشاعر لا يؤسس أبدًا. ليست القصيدة سوى تمهيد للشعر وتمرين على الحياة. الأشجار تلقي بأوراقها في الخريف، لتنبت مكانها أوراق جديدة. ربيع الروح يتكرر، بشرط القلق الدائم، والقدرة على التخلي، والتحلي بإيمان عميق. لا شيء حقيقيّ وأصيل يضيع. ما يُنفض هو الغبار فقط.
{ مازلت عازفة عن إرسال نصوصك الى الصحف والمجلات الثقافية.. أهو تعالٍٍ؟ أم شعور باللاجدوى؟ أم لك رأي آخر؟
هو الخجل، الذي يخلط البعض بينه وبين التعالي للأسف. يربكني أن أرسل أو أحمل نصا لصديق أو صديقة في صحيفة، لينشرها أو تنشرها لي. نادرًا ما حدث هذا. مرات لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، ومع صديقة واحدة فقط هي الشاعرة الصديقة سعدية مفرح في الكويت، لمكانتها عندي، ولمحبتها واحترامها لنصي. عمومًا لست معنية كثيرًا بالنشر في الصحافة. أفضل أن تخرج التجربة إلى النور والناس في ديوان مكتمل.
{ ولكن الديوان المكتمل لا يصل إلى العامة، خصوصا مع لجوئك إلى الطبعات الخاصة؟
كل الدواوين الحديثة تقريبًا لا تصل إلى عامة الناس، سواء كانت قصيدة واحدة طويلة أو مجموعة من القصائد، سواء صدرت في طبعة خاصة أو عن دار نشر خاصة أو حكومية. نزار قباني هو آخر شاعر عربيّ يقرأ له العامة وتحفظ الشعوب شيئًا من شعره، وذلك بفضل تحويله لبعض قصائده إلى أغنيات شدا بها نجوم الغناء العربي، بالإضافة إلى كونه شاعرا كبيرا في الأساس. لا بد أن نعترف أن بين تجاربنا والقراء جدارًا هائلًا. المأزق ليس في ديوان القصيدة الواحدة أو في الطبعة الخاصة، وإنما في علاقة قصيدة النثر بالعامة. لا يمكننا أن نكتب شعرًا نخبويًا ونتوقع من الناس التهامه كالخبز! لا بد أن نراجع مفهومنا لقصيدة النثر، أن نعيد نبشها من الجذور، أن نبحث عن آفاق أخرى لها ولنا، أن نبتكر كلامًا جديدًا يصل إلى الناس ويهزهم. أؤمن بأن هناك شكلًا آخر للشعر لم يُكتب بعد، وأن فيه خلاص الشعر من عزلته وعجزه. ولولا هذا الإيمان العميق، لأعلنت موت الشعر، ولتوقفت عن كتابته في محاولة دائمة للعثور على معادلة مبتكرة له.
عالمان متشابهان
كيف وجدت الفرق بين العالمين الافتراضي والواقعي؟ بين صحافة الإنترنت والورق، بين القارئ «الشبح» والقارئ العادي؟
– بعد زوال الدهشة-الصدمة الأولى لهذا «الفضاء الافتراضي»، التي فرضتها طبيعته المختلفة عن كل ما نعرفه من أشكال التواصل، أرى العالمين يتشابهان كثيرًا. فيهما شعر وشعراء وقراء حقيقيّون. وفيهما أيضًا مدّعون و«شلل» وتفاهات كثيرة.
ما من قارئ «شبح». القارئ إنسان حقيقيّ أينما وُجِد. لكن الوصول إليه عبر الإنترنت أسهل، حيث لا مسافة ولا حدود ولا حواجز.
الآن، وبعد مرور سنوات على علاقتي بالإنترنت، أعتبر فضاءها أحد الجسور التي تصلني بالآخر، لكنها لا تكفي وحدها بالتأكيد.
{ «ثمة خطر على الشاعر الذي ينظر للعالم ولا يعيش الحياة»، ألا ترين أن من ينظرون من زوايا ضيقة تكاثروا كالقطط السيامية؟
– لأن العالم أصبح كجحور الفئران، مليء بالثقوب. لأن المشهد مرعب والناس مذعورون. لأن الحلم مرهون دائمًا بالخوف، وبالخيبة معظم الأحيان. وهنا يكمن رهان الشعر. في الإيمان. في المجازفة. في التصدي للرصاص بصدر عارٍ. في السقوط بلا مكابرة والنهوض بكبرياء. في انتصار المعنى في النهاية. الشاعر الذي ينظر إلى العالم من ثقب صغير، وينظّر له دون أن ينخرط فيه بلحمه ودمه ليس سوى متلصص على الشعر والحياة.
{ ترين أن قصيدة النثر في العالم العربي ضعيفة ومهزوزة.. ما الأسباب برأيك؟
– الجسم المريض تصاب كل أعضائه بالعلل والعطب، وروحه شحيحة. العالم العربي في الرمق الأخير، وليست قصيدة النثر سوى إحدى انعكاسات هذا الاحتضار الطويل.
لا شيءَ سوى المطرْ
Sunday, 5 أكتوبر 2008
سوزان عليوان
مَنْ كَسَرَ مصباحَ القمرْ؟
أيُّ مطرٍ هذا الذي
يُطْفِئُ النجومَ بحذائِهِ؟
أينَ نافذتي أيَّتُها الجدران؟
مَنْ أبْكَى الصفصافةَ على ضِفَّةِ روحي؟
وأنتِ يا يدي
مِنْ أينَ جئتِ بكُلِّ هذه الجُرأة؟.
لا شيءْ
لا شيءَ سوى المطرْ
على زُجاجِ النافذة (وجهيَ الآخر)
حافَّتِها المُصْفَرَّةِ كأسنانِ الخريف
الرصيفيْنِ القريبِ والبعيد
لا شيءَ سوى المطر
على الشارعِ البائسِ مثلَ حُبٍّ تدوسُهُ الأقدامُ
وتُطْفِئُ في جلدِهِ السجائر
عظامِ الشجرْ
المصابيح البردانة
(شقيقةِ قلوبِهِمْ
الأطفال الصُّلْع في المراييل الخضراء والدهاليز الناصعة)
مطرٌ
على الباصِ الأحمر
المظلاَّتِ المُهَرْوِلَةِ كما لو في مسيرةِ أزهارٍ من البلاسْتِك
العابرينَ مع العُمْرِ
السُّحُبِ
فراشاتِ الدُّخانِ التي
لا تكادُ تطيرُ
حتَّى تتلاشى
ولا أملكُ سواها شيئًا
لا شيء
لا شيءَ سوى المطر