صفحات ثقافية

رداً على مقالة علي جازو عن الرواية السورية: هذيــان وهجــاء هلامــي

null
علي العائد
نشرت السفير في العدد ١١١٠٤ الجمعة ١٩ أيلول ٢٠٠٨ مقالة للأستاذ علي جازو بعنوان (يخسر الشعر ما لا تربحه الرواية في سوريا) جاء فيها الكثير مما يحتمل النقاش، لكن الأساسي فيها أنه أراد شيئاً غير ما يدل عليه العنوان. لذلك، رأينا من الفائدة الرد على ما قاله الأستاذ جازو بهذه المقالة:
لا أعرف أية جناية اقترفها سليم بركات ليسير على نهج لغته أنصاف فصاميين، ضيعوا اللغة والجغرافيا، ولم يكسبوا السياسة، أو حتى أنفسهم، فالأستاذ على جازو يهش بعصا ليس له فيها أي مآرب، حتى ولا هش غنمه، ويهجم علينا بلغة تدعي نقد الرواية السورية التي لم تربح ما خسره الشعر السوري، وفي كل المقال المطول لم نجد جملة واحدة مفيدة،
قد أتفق مع الأستاذ جازو أن الرواية السورية أقل مستوى، فنياً، من إنتاج عدد من الدول العربية الأخرى، خاصة إذا اقتصر التقييم على الوجه العمومي زمنياً، فالنتاج السوري المبكر كان متفوقاً في زمانه، ليأتي في المرتبة الثانية، أو الثالثة، عبر حنا مينة، وعبد السلام العجيلي، وغيرهما، لكن الأمر اختلف الآن، فالروايات الجديدة تقول شيئاً مختلفاً، غير مكتمل، وهذه هي الميزة التي يجب النظر إليها بإعجاب، فالخليلان، الرز وصويلح، يقدمان نموذجاً متقدماً لرواية قادمة عبر اللايقين والحلم، بل عبر المقولة الناقصة التي تأتي بعكس المقولات الشمولية، في نموذج الدولة الشمولية، وعبر استخدام لغة الصحافة الواضحة والمباشرة، وبقدر كبير من التخفف من البلاغة اللفظية والمعرفية، فهل هذه اللغة تعبر، وفق مفهوم علي جازو، عن لغة الهدم، أم تعبر عن لغة شمولية تطيح بالنقد الهادئ، وتفرغ المقولة السياسية من محتواها الخطابي، لتحولها إلى مقولة اجتماعية تؤدي أكثر بكثير مما أراده جازو في خطابه اللغوي الخالي من أي جانب معرفي، حتى السياسي منه.
وهنا يذكر جازو أسماء روائيين سوريين يشكلون، عدداً، معظم الأسماء الجديدة (ممدوح عزام وخليل الرز ومنهل السراج ونهاد سيريس وسمر يزبك وخليل صويلح وخالد خليفة). وإذا أردنا الاختصار، سنعتبر أن الأستاذ جازو يرضى عن هذه الأسماء، ويستثنيها من التهمة التي يحملها عنوان المقال، فهل سبعة روائيين عدد قليل في بلد مثل سوريا يا سيد جازو؟ بغض النظر، فهذه الأسماء تحتاج إلى نوع من الغربلة، أو وضعها في طوابق متعددة.
على أن الأستاذ جازو، في أكثر من موضع يطلق الكلام على عواهنه، ليس لأنه مخطئ، بل لأنه أطلق اتهامات لم يقدم عليها دليلاً واحداً، فهي مجموعة آراء في مقالة لا يمكن تصنيفها كمقالة رأي، فمضبطة الاتهامات تفرض عليه تقديم البينة على ما ادَّعى، ومثال ذلك قوله (فعل حنا مينا في الرواية ما فعله نزار قباني في الشعر: تجفيف اللغة و(تطويبها) و(تلقيمها) ـ التفكر والتخيل والتغير طيَّها منسياً معها – بتماثلها الكامل مع متكلمها السيد الثائر الناصح الخبير وجعلها خادمة شغوفة، عالية وشاملة، مسؤولة وخرساء!). يحق للسيد جازو أن لا يعجبه نزار ومينة، لكن كيف صنف الاثنين، في ميزان لغته، التي وضعت الرجلين في مقام لغوي واحد، وإذا صح ذلك، فهل يعتبر جازو أن اللغة الشعرية والروائية واحدة، وأن التخييل في الرواية والشعر هو واحد، لعمري أن السيد جازو قد أتى عجباً! ولو قال أنه يعيب على الروائي استخدام الصورة الشعرية وحالات التهويم التي لا تنتمي إلى اللغة البنائية في الرواية لاتفقنا معه في مبدأ النقاش، بل وتقدمنا عليه في ذلك.
ويضرب جازو مثالين مما يعجبه في الروايتين المصرية واللبنانية فيقول (ربحت مصر جزءاً من روحها الشعرية في الرواية، فيما تخسر سوريا روايتها وتتكلفها بعدما خسرت وتماثلت مع جزء غير قليل من شعرها). الأمر ببساطة يا أستاذ جازو أن كلا البلدين متفوق على البلد الآخر، نسبياً، في نوع أدبي، والأمر ظرفي، ليس أكثر. وأما قولك (أنتجت مصر مؤخراً (يعقوبيان).. »كذا!«.. مردفة بفيلم أسوأ من الرواية. أنتجت المخيلة الطبقية المزيفة، على طريقتنا السورية، وهمَها الوطني والقومي، رقصاً وغناءً، حياً فعالاً ومتنافساً مع الرداءة ومع الحلم، فماذا ستقدم دمشق المركزية الجديدة وقامشلي الطرفية النائية؟) فهو منتهى الهذيان،.. نعم، يحق لك ألا تعجب بالرواية، أو الفيلم، لكن ماتقوله يشير إلى أنك لم تقرأ الرواية، أو لم تقرأها كاملة، ثم ما وجه اللقاء بين مقولات (عمارة يعقوبيان) والرقص والغناء والوهم الوطني السوري، وهل هذا يفسر مركزية العاصمة الثقافية دمشق، وطرفية القامشلي، لكأنك، أستاذنا، فيزيائي أو خبير كمبيوتر، وتريد إخضاع الرواية للغة البت والبايت حتى تضيء رؤوسنا!
ثم يقول (رشيد الضعيف، جارنا القريب و/شقيقنا/، أحد أبناء الحرب والعزلة، يرى من الخوف ما يراه من الذكاء. يرى الرواية من أكبر حد ممكن لتقليص أدبيتها وصواتيتها لمصلحة دقتها وحذرها وشكوكها والتباسها). لعلك يا صديقي لا تعرف الياس خوري حتى اخترت الاستشهاد برشيد الضعيف الذي ضيع موضوع روايته طريق اهتمامه بالشكل والتقنية الروائية.
حتى لا نطيل، علينا أن نسجل استغرابنا من نشر مقالة جازو في السفير الثقافي، فهي نوع من هذيان وهجاء سياسي هلامي وعمومي وخائف، وليس في متنها ما يدل على عنوانها، ولو أراد المشرف على الصفحات الثقافية إحالتها على صفحة الرأي لأخطأ أيضاً. ونتفق مع جازو في أن القمع وغياب الحريات مستمر في سوريا، وإن اختلفت الوتيرة، ولكن ذلك لا علاقة له بإنتاج أدب جيد، شعراً، أو رواية، أو مسرحاً، أو قصة، فهل أدباء روسيا العظام من بوشكين إلى باسترناك، مروراً بتورغنييف وتولستوي ودستويفسكي، نشأوا في بيئة من الحرية والبحبوحة والتقدم، وهل نيرودا إبن بيئة ديموقراطية، وهل غارسيا ماركيز إبن عالم الأنوار اللاتيني، وهل أنتج ناظم حكمت أجمل أشعاره سوى في السجون والمنافي؟ الأسئلة والأمثلة هنا تطول يا عزيزي علي جازو. ومهما قيل لا تصدق سوى أن الأدب الجيد استثناء، وللأدب الجيد دورات تشبه دورات الطبيعة وتعاقب الفصول، وإن كانت بفواصل مختلفة، وحامل هذه الدورات في صعودها وهبوطها هو الإبداع الفردي، فهنالك موهبة تفيض على نفسها وواقعها، وتقول فوق ما يحتمل أي إطار أيديولوجي، أو تاريخي، أو أي سلطة، أرضية، أو سماوية، وهنالك موهبة ضحلة مهما وفرت لها من أجواء البحبوحة والحرية فهي لن تقول إلا ما هو سائد، ومكرر. والأساس في الحرية هو ما ينبع من داخل المبدع، وليس ما يمنحه المجتمع، أو السلطة السياسية، أو الدينية. وقولك يا أستاذ جازو (إن العنف الكتيم، العنف الصامت، والصبر المتكلم، ذورتا مزيجنا الوطني الرائد، يتم صقله وتشذيبه وتنعيمه في الرواية، أي
تحريفه عن اليأس الضاري إلى تجربة حياكة لفظية مواربة وناعسة) ما هو سوى اتهام خطير، بل اتهام مراهق يلزمه إعادة قراءة رواية (المراهق) لدستويفسكي لتعرف أي مراهقة فكرية أتيت. ولماذا نبتعد: أنصحك بقراءة روايتين حديثتين لروائيين سوريين، الأول محمد حاج صالح وروايته (شهادة أتان) صدرت عن دار الآداب البيروتية – .٢٠٠٨ والأخرى للروائي عمر قدور (هواء فاتر ثقيل) التي صدرت عن دار الينابيع ـ السويد ـ .٢٠٠٨ لعلهما يشبعان نقص المعلومات القائم لديك في ما يخص موضوعة القمع التي بنيت مقولتك حولها، وفقط حولها.
(دمشق)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى