المنعطـف فـي سياسـة أوبامـا الخارجيـة
علي الشهابي
في ٢٣ نيسان ٢٠٠٧ ألقى أوباما كلمة في »مجلس شيكاغو للشؤون الخارجية« حدّد فيها رؤيته للسياسة الخارجية، وكانت عبارة عن خمس نقاط سيسعى إلى تحقيقها ـ في حال فوزه ـ حتى تعاود اميركا قيادة العالم (١). وسأقتصر على الأمور الأكثر أهمية بالنسبة لنا، ولن أتطرق إلى رؤيته للصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي طالما أنه لاجديد عنده فيه عمّا درجت عليه الإدارات الاميركية المتعاقبة.
استهل عرضه بمقدمة تطرق فيها إلى حرب العراق وقال: »نعرف جميعاً أن هذه ليست أفضل أيام سمعة اميركا؛ ونعلم كم كلفتنا حرب العراق في الأرواح والأموال، وفي النفوذ والاحترام. إن أفعالنا خيّبت آمال الكثيرين في العالم… إذ بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، كانت الملايين في كافة أرجاء المعمورة مستعدة للوقوف معنا؛ كانوا يرغبون بتأييد قضيتنا لأنها قضيتهم أيضاً. ولأنهم كانوا يعلمون أنّ اميركا، إن قادت العالم نحو عصرجديد من التعاون الدولي، فإنها ستقدم الأمن لأمتنا ولكل الأمم.
كلنا يعرف كيف أساءت هذه الإدارة، وأهدرت هذه الفرصة. في عام ٢٠٠٢ عبّرت عن معارضتي لحرب العراق. لم أعارضها فقط لأنها كانت انحرافاً لا لزوم له عن نضالنا ضد الإرهابيين الذين هاجمونا في ١١ سبتمبر، بل أيضاً لأنها قائمة على سوء فهم أساسي للأخطار المحيقة بنا، هذه الأخطار التي كشفتها تلك الهجمات. كنت أعتقد وقتها، ومازلت أعتقد، أن تلك الحرب مبنية على أيديولوجيات قديمة واستراتيجيات بالية ـ إنها مبنية على الإصرار على خوض النضال في القرن الحادي والعشرين بعقلية القرن العشرين.
لا شك في أن أخطاء السنوات الست الماضية صعّبت مهمتنا الحالية. لقد انقلب الرأي العام العالمي ضدنا«. وبالنتيجة حدّد أن النقطة الأولى التي ستدفع اميركا إلى قيادة العالم هي ضرورة »إنهاء هذه الحرب بمسؤولية، وإعادة تركيزنا على التحديات الخطيرة في كل المنطقة«.
وبالتالي فهو يريد الانسحاب من العراق لإعادة تركيز الجهود على الشرق الأوسط ككل، حيث تشعر حماس وحزب الله أنهما صارا أقوى. وعلى إيران التي استفادت من الحرب الاميركية على العراق وأفغانستان، وحتى تتمكن الولايات المتحدة من إرسال المزيد من الجنود إلى أفغانستان كي لا تنزلق الأخيرة إلى عدم الاستقرار ولملاحقة ابن لادن ومحاربة القاعدة في كل مكان.
ويرى أن على المجتمع الدولي أن يمنع إيران من امتلاك السلاح النووي، وهذا لا يتم فقط بالتهديد بالسلاح. بديهي أن القابلية لاستخدام السلاح ستظل قائمة، لكنها لن تكون اللغة الوحيدة مع إيران، كما تفعل إدارة بوش. وعلى العكس من بوش الذي لا يتكلم إلا مع الأصدقاء، في حين أن المطلوب هو التكلم مع الخصوم، يرى أوباما أن أول ما ينبغي القيام به ضد إيران هو دبلوماسية حثيثة ومباشرة وعدوانية، بجعل مجلس الأمن وأوروبا وبلدان الخليج ينضمون إلى الولايات المتحدة في تشديد الضغط الاقتصادي عليها.
وينبه إلى ضرورة عدم السماح للدول بالحصول على أسلحة نووية بذريعة الاستخدام السلمي للطاقة النووية. ولهذا يدعو الولايات المتحدة للمبادرة إلى إنشاء بنك دولي للوقود لدعم الامدادات التجارية للوقود لسحب هذه الذريعة. وعلى الولايات المتحدة أن تقدم الكثير لبدء العمل بهذا البنك ودعوة الأمم الأخرى للانضمام إليه، بدءأً من روسيا.
وأخيراً نراه يدعو إلى إصلاح المؤسسات الدولية، بما فيها الأمم المتحدة التي درجت الموضة هذه الأيام على الاستخفاف بها. وهذا الإصلاح لا يتم بصياغة الولايات المتحدة للتعديلات والضغط على البلدان الأخرى للمصادقة عليها؛ فالإصلاح الحقيقي يتم بإقناع هذه البلدان أن لها مصلحة بالتغيير وأن هذه الإصلاحات ستجعل عالمها أفضل، وليس فقط عالم الولايات المتحدة.
[[[
من الواضح أن أوباما يحاول إقناع الاميركيين بأن سياسة بوش الخارجية أساءت لهم، أما هو فسيسعى لخدمتها بشكل أفضل. وأعتقد أنه سيخدمها أفضل بالشكل الذي يتصورونها هم فيه، لا نحن. ومع ذلك، وربما لذلك، سيحاول الانعطاف بالسياسة الخارجية نحو إعادة الاعتبار للقانون الدولي، والأدق لشرعية الأمم المتحدة.
هذا ما أعتقد أنه سيحاول أن يفعله ليس لأنه وقف ضد غزو العراق، فتفسيره اللاحق جاء بعد خمس سنوات، وبالتالي قد يكون وقتها ضد الغزو للسبب الذي يذكره وقد يكون لغيره. ولا لأنه يدعو إلى إصلاح المؤسسات الدولية، حتى أن دعوته أعلاه جاءت هامشية وباردة. أضف إلى ذلك أن الدعوات كثيرة بهذا الخصوص، وكلها كلام. وإذا أخذنا بالكلام، فكلامه متناقض: من جهة يدعو إلى إصلاح الأمم المتحدة، ومن جهة أخرى يعلن أنه في حال تم انتخابه قد يضرب مواقع للإرهابيين في باكستان سواء وافقت الحكومة الباكستانية أم لم توافق (٢).
إنه سيسعى بهذا الاتجاه لأن إصلاحها يخدم مصلحة الاميركيين، طالما أن العالم الذي لم يصر متعدد الأقطاب ما عاد أحادي القطب، بل بات أشبه ما يكون في حالٍ من انعدام القطبية. فإدارة بوش ما عادت تستطيع التدخل العسكري حتى في الصومال، فكيف بلبنان. وبالتالي فالحلول في نطاق الأمم المتحدة تعطي الولايات المتحدة شكلاً محترماً لحل المشاكل الدولية، شكل الحضاري المنصاع للقانون.
لقد التقط أوباما هذا الجانب (كيف يمكن للأمم المتحدة أن تكون مخرجاً لائقاً للتغطية على عجز الولايات المتحدة) وسرعان ما عبّر عنه في الأزمة بين روسيا وجورجيا. فقد طالب الروس »بوقف القصف… وسحب قواتهم من الأراضي الجورجية وقبول وقف إطلاق النار الذي عرضته جورجيا« ودعا »الولايات المتحدة وأوروبا وكل البلدان المعنية إلى الوقوف معاً بإدانة العدوان، ومواصلة حث مجلس الأمن على إصدار قرار يدعو إلى الوقف الفوري للعنف«. وبعدما سخر بعض الجمهوريين من »سذاجته« لعدم علمه بأن لروسيا حق النقض فيه، لم يجد بوش بداً في النهاية من دعوة الأمم المتحدة لحل هذه المشكلة
(١) يمكن العودة إليها بنفس التاريخ المذكور.
(٢) لم يذكر الباكستان في كلمته الحالية بل في ١ آب .٢٠٠٨
Obama speaks ab
([) كاتب فلسطيني