“الحزام الأمني السوري” خطر يستدعي المراقبة الدولية
وسام سعادة
من أراد “مكافحة التهريب”، الأولى به ترسيم الحدود، ذلك أن تعيين نقطة “ألف” ينطلق منها المهرّبون بإتجاه نقطة “باء” يصلون إليها في البلد المجاور يفترض سلفاً تثبيت الحدّ الفاصل بين البلدين.
بيد أن “مكافحة التهريب” على الطريقة السوريّة لها شأن آخر. إنها تشبه التهريب نفسه. تتحايل على تثبيت أي حدّ فاصل وواضح بين البلدين، وهو حدّ من الضرورة الاحتكام إليه إذا ما كانت النية المشتركة تجنّب خرق الالتزامات الأمنية والقانونية والأخلاقية المتبادلة.
وليس صحيحاً أن ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا مسألة بسيطة أو هي تحصيل حاصل، فحتى لو افترضنا علاقات سوية بين البلدين لواجهت عملية الترسيم عشرات المواضع الخلافية على امتداد الحدود ما من شأنه أن يتعلّق بمئات الكيلومترات المربّعة.
إذاً، ففي غياب الترسيم أو في انتظاره يتحوّل كل تحشيد زائد في المنطقة الحدودية غير المرسّمة إلى عائق إضافيّ يحول دون استقرار الوضع بين البلدين، ودون استقرار الوضع في البلد الذي عاش مرحلة كاملة من تاريخه الحديث في ظلّ الهيمنة العسكرية والأمنية للبلد المجاور على مقاليده.
وفي غياب الترسيم يعتبر التحشيد غير الاعتيادي خرقاً فاضحاً لما دعا إليه القرار 1680 الذي وضع مدخلين للعلاقات بين لبنان وسوريا: العلاقات الديبلوماسية وترسيم الحدود. وإذا كان لا معنى للعلاقات الديبلوماسية ما لم تترافق أو تواكب عملية الترسيم فإن معنى “مكافحة التهريب” أو “مكافحة الإرهاب” في غياب كل من الترسيم والتبادل الديبلوماسي يتحوّل إلى مشكلة بالغة الخطورة.
وإذا ما عدنا الى خطاب الرئيس السوري بشّار الأسد في 5 آذار 2005 أمام أعضاء “مجلس الشعب” نجده يعلن سحب جميع قوات بلاده من لبنان إلى منطقة البقاع ومن ثم إلى ما أسماه “منطقة الحدود المشتركة في خطة سيتم إنجازها خلال اجتماع المجلس الأعلى اللبناني السوري”. الإلتباس الذي أثير يومها كان حول مدلول “منطقة الحدود المشتركة”، وكان التخوّف مبرّراً من أن تقيم سوريا نوعاً من “حزام أمني” مستفيدة من غياب معالم الترسيم وبشكل يصل هذا الحزام الأمني لوجستياً بسلاح المنظمات الفلسطينية الموالية لدمشق خارج المخيمات وبالتنظيمات المدارة مباشرة من المخابرات السورية.
ما حدث أن المنعطف الجماهيري في 14 آذار دفع بالأمور إلى حيث تهاوى حلم “الحزام الأمني” السوريّ وإلى حيث آثر النظام الحاكم في دمشق الاعتماد على التناقض المستحكم بين ساحتي 8 و14 آذار وتعقيدات الحياة السياسية اللبنانية الأخرى لا سيما بعد اختلاط الأمور على الساحة المسيحية. بيد أن “منطقة الحدود المشتركة” كما وصفها الأسد في آذار 2005 بقيت أمنية يثيرها بين الفينة والفينة، وكان غير مسؤول ديبلوماسي سوري عرض هذه الفكرة مجدداً إبان حرب تموز بحيث تستعيد اسرائيل نوعاً من “حزام أمني” جنوب الليطاني ولو بأشكال مختلفة عن السابق فيما تمدّ سوريا حزامها بإتجاه البقاع وبعض عكّار.
بيد أن النتائج الميدانية أبعدت إسرائيل عن أي توغّل بإتجاه الليطاني مع أنها مكّنت المجتمع الدولي من فرض حالة تعايش ثلاثية جنوب هذا النهر بين سلاح حزب الله من جهة وسلاح كل من الشرعية الوطنية ممثلة بالجيش اللبناني والشرعية الدولية ممثلة باليونيفيل المعزّزة.
وهكذا وضع كرّسه القرار 1701 الذي أوجب أيضاً وقف إمداد “حزب الله” بالأسلحة من طريق سوريا. إذا كان الـ1701 يحظّر تهريب الأسلحة فعلى خط إيران ـ سوريا ـ “حزب الله” وليس انطلاقاً من لبنان بإتجاه سوريا.
لكن الغريب العجيب أن سوريا المعنية بالعدول عن أعمال الترانزيت لجهة نقل الأسلحة من ايران إلى لبنان صارت تزيّن لنفسها أن الـ1701 يؤمّن لها خارطة الطريق لإقامة “حزام أمني” في جرود عكّار والهرمل، وعندما فشل أعوان سوريا في تمرير أكذوبة “الضوء الأخضر الدولي” المعطى لها صاروا يروّجون لأكذوبة أخرى من نوع “غضّ الطرف الدولي”.
إلى الحين لم تصدّق سوريا ما يروّجه أعوانها في سياق الحرب النفسية. لكن المصيبة إذا ما صدّقته وباشرت أعمال التوغّل والدوريات “المشتركة” بحجج نافلة من قبيل تعرّض فرقة من الهجانة لرشق ناري غامض المصدر أو ما شاكل.
يصعب التكهن بردّة الفعل الدولية العملية إذا ما بدأت أعمال التحرّش والتوغّل. إلى الحين الموقف الدولي يتراوح بين تطمين اللبنانيين وتحذير السوريين. يبقى أن يعاد تحريك فكرة نشر مراقبين دوليين على الحدود اللبنانية ـ السورية. ففي هذا الظرف بالذات تكتسب هذه الفكرة راهنيتها. فاليونيفيل في الجنوب والمراقبة الدولية في البقاع والشمال ضمانتان لتفادي “الأحزمة الأمنية” وتجنيب المناطق الحدودية أعاصير القضم والإغارة والتوغّل.