ما يحدث في لبنان

التعزيزات السورية تدخل المساومات الإقليمية والتنسيق مع بيروت يتدرّج تلقائياً بعد العلاقات

هيام القصيفي
تراجع الحديث اعلاميا عن الحشود السورية عند الحدود اللبنانية، لكن هذا الملف يظل مفتوحا ولن يطوى قريبا، وسط تعدد المعلومات ووجهات النظر حوله.
فسوريا لا تزال تقدم قضية انتشارها على اساس انه محصور بوقف تسرب المسلحين الاصوليين الى اراضيها. اما الجهات الرسمية فتتعامل مع هذا الانتشار على انه امني بحت، ومحصور في ما تداوله الرئيسان اللبناني والسوري وتبلغه مجلس الوزراء من الرئيس ميشال سليمان، اي انه يتعلق بوقف التهريب ومنع انتقال المسلحين الى سوريا. ويحدد الموقف اللبناني الامني والسياسي الانتشار السوري على اساس قيام تنسيق بين البلدين خصوصا في المجال الامني قبل العسكري الذي سيكون احد الملفات الابرز في المرحلة المقبلة.
وجاء كشف القوى الامنية للشبكة الاصولية في الشمال، ليعزز الاتجاه القائل بضرورة العمل الامني المشترك بين لبنان وسوريا، ولا سيما في مجال مكافحة الارهاب الاصولي، في ضوء المعلومات المصنفة على انها مهمة، والتي بدأ اعضاء الشبكة الموقوفون الاعتراف بها، وتتناول اعداد عمليات في منطقة الشمال وخارجها، نفد بعضها واوقف افراد الشبكة قبل تنفيذ بعضها الاخر.
واهمية هذا الخرق الامني اللبناني للشبكة، والذي لم يكن لسوريا يد فيه، انه يتوج عملا متواصلا يتعلق بالجانب الاصولي من العمل الامني، مع العلم ان بعض الافرقاء السياسيين كانوا الى امد قريب يخففون من خطورة الشبكات الاصولية، ناسبين افعالها الى رعاية سورية لها.
وزاد كشف الشبكة اهمية المتابعة الامنية فرض رفع درجة الحيطة على غرار ما يحصل بعد كشف كل خلية خشية تحرك الخلايا النائمة، وذلك وفق تدابير سبق ان عملت بها القوى الامنية بعد معركة نهر البارد.
واذا كان التنسيق العسكري لا يزال في بداياته، فالمتوقع ان يأخذ مدى متقدما، بالتدريج مع تعدد الملفات المطروحة بين لبنان وسوريا في ضوء اعلان العلاقات الديبلوماسية وانشاء السفارتين. الامر الذي يجعل الاتصالات الامنية والعسكرية، تماما كما العلاقات الاقتصادية والتجارية وغيرها، من ضمن “عدة الشغل” اليومية للمسؤولين اللبنانيين والسوريين.
وثمة تساؤلات يطرحها عدد من الافرقاء الذين لا يزالون على حذرهم من اي تنسيق لبناني- سوري، ولا سيما في مجال الامن، وبدا ان الاجوبة التي تلقوها، اختصرت الرؤية اللبنانية الرسمية التي بدأت ترسم معالم مرحلة جديدة مع سوريا مختلفة تماما عن مرحلتين سابقتين، فلا هي مرحلة 1990 – 2005 ولا هي مرحلة نيسان 2005 – ايار 2009. ومن ضمن هذه الرؤية يدخل التنسيق الامني عنصرا اساسيا بين بلدين متجاورين، وهذا امر يحصل بين كل البلدان ذات الحدود المشتركة. علما ان دولا غربية في مقدمها الولايات المتحدة، كان لموفديها العسكريين والامنيين، موقف واضح يشجع هذا التنسيق من اجل ضمان استقرار الحدود، ولا سيما ان الهم الاصولي يشغل بال هؤلاء الموفدين الذين يطرحون اسئلة شاملة عن خطورته.
ولا تزال التقارير الامنية الغربية ترصد الانتشار السوري على اساس انه يحمل ثلاث اشارات محددة بعثتها سوريا الى الدول الغربية الراعية للبنان، الاولى تتعلق باستعدادها لتطبيق القرار 1701 اي منع تسرب السلاح الى لبنان، على رغم انها لم تعلن منذ عامين اعترافها به، لا هي ولا ايران. والثانية تتعلق بتمديد الانتشار السوري نحو منطقة القاع والهرمل، بما يُفهم انه وضع حد لحركة عناصر” حزب الله” المنتشرين في تلك المنطقة وتنقلهم بين لبنان وسوريا، وبالتالي الحد من امكان تزودهم بالسلاح. اما الاشارة الثالثة فتتعلق بتضييق حركة المسلحين الفلسطينيين الموالين لسوريا والذين يتخذون سهل البقاع مقرا لهم.
لكن التقارير نفسها تعكس تساؤلات عن جدية هذه الاشارات، ما دام ان السلاح تدفق على لبنان بعد حرب 2006 وحتى اليوم، وما دام “حزب الله” لا يحتاج حاليا الى مزيد من السلاح في ظل المعلومات المتوافرة عن عدد الصواريخ التي بات يملكها. وتخلص الى انه قد يفهم من هذه الاشارات انها “تطمينية” في مرحلة انتقالية بين عهدين اميركيين، كلاهما ينتظر من سوريا خطوات عملية تشير الى فك ارتباطها بايران.
في المقابل تتوقف اوساط في الاكثرية عند اهمية الاعتراف السوري بالقرار 1701 وضرورة التمسك به والتعامل معه على قاعدة انبثاقه من القرار 1559. وهنا تكمن اهمية التعاطي اللبناني الرسمي والموقف السوري بما ينسجم مع الرؤية الدولية للقرار 1701. ولهذا السبب طرحت شخصيات في الاكثرية اخيرا، في لقاءات مع مسؤولين رسميين في مقدمهم رئيس الجمهورية اهمية ملاقاة الدولة اللبنانية للموقف السوري امنيا وسياسيا، ولا سيما في تعزيز وجود الجيش على الحدود اللبنانية الشمالية والشرقية، ومعالجة وضع البؤر الامنية في البقاع والناعمة.
وثمة من يرى من قيادات الاكثرية ضرورة الافادة من الانعطافة السورية الاخيرة حيال المجتمع الدولي، ومن بعض المؤشرات التي تدل على تمايز سوري – ايراني منذ اغتيال المسؤول الامني في ” حزب الله” عماد مغنية، من اجل تطبيع الوضع الامني في لبنان من دون ان تكون هذه القيادات على اطمئنان تام، الى ان الساحة الامنية ليست مفتوحة حاليا على توترات امنية محتملة.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى