إعــدام ميكــي مــاوس
عباس بيضون
الشيخ المنجّد يريد ان يقيم الحد على ميكي ماوس، يفتي بإعدامه لأن الفئران من جند الشيطان. انها مناسبة لن تفوت »أهل العقل« العرب، فثمة الآن ما يوجب غضبهم واستياءهم. هدف سهل وجولة مضمونة ولا بأس من أن يلقي كل منهم بحجر. أما حجتهم فهي قاطعة، ميكي ماوس صورة متحركة والصور لا تموت ولا تعيش. لن يجادل أحد في ذلك ولن يجد المنجّد من يسانده. سيتبرأ الجميع منه وسيخرجه السعوديون منهم ويرمونه على السوريين فالفتوى بإعدام صورة تدعو الى اتهام صاحبها في إدراكه ولا يريد أحد أن يحمل تبعة مجنون. يا للمعركة العظيمة لعقلانيي العرب، ان يعرفوا بأن ميكي ماوس صورة والصور لا تموت. يا للفوز على شيخ صدّق ميكي ماوس وصدق الصور المتحركة، يا للمهمة التي يضطلع بها الآن العقل والقضية التي ينهض لها، اثبات ان الصور لا تموت. لا بد ان العقل العربي في عز نشاطه حتى يقف على هذه المسألة، لا بد ان حروبه مزدهرة حتى يصل الى هذا الحد. مناوأة شيخ صدق ميكي ماوس، هل يحتاج الأمر إلا الى قليل من الخيال، قليل من الفن. انهم لا يصدقون الصور المتحركة ولا الروايات ولا الأفلام، يا للعقل النير. ميكي ماوس شأنه شأن عوليس وهاملت وفاوست وراسكولينكوف وسيبرمان وعقله الاصبع.. غير موجود. انها عظة بليغة، أليسوا يظنون بأن قراءة الملاحم والروايات التي تروي عنهم او الأشرطة التي تظهرهم عبث وليست من العقل في شيء. اليسوا مكلفين بأن يبلغوا بأن هذه الشخصيات لا حياة لها. انها مهمة مجيدة ومعركة لإعادة ميكي ماوس الى علبة الوهم، لإجباره على ان يخرج من الحقيقة والحياة. سيكون على العقل المجيد مطاردة اين منها مطاردة السحرة والأرواح الشريرة والشياطين، سيكون عليه ان يدعي ليس فقط على ملايين الشخصيات التي اخترعها الخيال بل وعلى عدد غير محدود من المخلوقات الفضائية وعلى عدد غير محدود من الشخصيات التي يعايشها متهمون في عقولهم. ستكون محرقة ليس كمثلها محرقة في التاريخ، ولن يبقى على الارض بعدها سوى مخلوقات حجتها الوحيدة انها حقيقية وانها قابلة للاعدام وتجري عليها فتوى الشيخ المنجد بإقامة الحد.
من الواضح أن ما يريده الشيخ المنجد أبسط وأهون، ولا أظن ان الغيرة على ميكي ماوس هي التي استفزت اهل العقل ولا هو الضن بحياته. لقد بدأوا باعدام ميكي ماوس ليقولوا للشيخ المنجد انه »معدوم« اصلاً ولا يموت المخلوق مرتين، حتى اذا لم تكن له حياة واحدة. يصدق الشيخ المنجد ميكي ماوس وكيف يمكن للمرء ان يستمر في رؤية ميكي ماوس ومتابعة مغامراته اذا لم يصدقه. كيف يمكن ان يضحك له ويتيأس معه اذا لم يكن موجوداً. نحتاج الى بعض الخيال والشيخ المنجد لا يعوزه الخيال بالطبع، لكن ليس له منه اكثر مما لدى الأطفال والكبار الذين لا يستحون بأنهم كانوا أطفالا. ليسأل العقلانيون اطفالهم اذا لم يكن ميكي ماوس موجودا. ليجربوا في ان يزرعوا بذرة »العقل« فيهم أولاً. لن ينجحوا لحسن الحظ واذا نجحوا في نزع ميكي ماوس من رؤوس أطفالهم فسيكونون قد نزعوا الخيال ايضا ولن يبقى للأطفال عندئذ سوى شهادة وجود. أحسب أن والت ديزني سيكون، لو عاش الى اليوم، سعيداً بالشيخ المنجد اكثر من سعادته بأهل العقل العرب ولن يستحي بالطبع لأن الشيخ صدق ميكي ماوس، فالأرجح ان والت ديزني كان يصدقه أيضاً. لو علم ان عندنا هذا العدد من أهل العقل المستنفرين لتكذيبه لما كان اخترعه أصلاً.
لا أعرف من هو الشيخ المنجد ولا سنه لكني أظنه طفلا او كالطفل وأظنه مدمنا لميكي ماوس وأظنه لم يفكر في حقيقة ميكي ماوس ما دامت لميكي ماوس صورة، والصورة أكثر مما يحتاجه الشيطان وتحتاجه الجن لتوجد. استفز أهل العقل العرب ان تكون لميكي ماوس حياة وحقيقة لكنهم لم يسألوا الشيخ المنجد عن حقيقة الشيطان فالشيطان لم يخترعه ولم يرسمه والت ديزني. انه حاضر من قبل والت ديزني ومن قبل الشيخ ومن قبل الاسلام نفسه. أكانوا استخفوا بعقل الشيخ لو صدق بالشيطان أم ان الشيطان، بخلاف ميكي ماوس، لا يحتاج الى بطاقة وجود، فالحروب التي اشتهرت ضده والاعدامات التي وقعت على من شُبّه انهم من اعوانه تكفي سببا لوجوده. اذن دعوا لميكي ماوس الفرصة نفسها، اقتلوه واقتلوا باسمه واقتلوا من اجله وسيغدو بعد حين حقيقة، ولن نستخف بعقل أحد اذا دعا الى اعدامه.
تبرأ السعوديون من المنجد ونسبوه إلى السوريين. لقد آمن بميكي ماوس ولو اكتفى بالشياطين والجن لما استصغروا عقله، لو صدق ان الأشجار والأحجار والسيوف تنطق وتشهد لما هزئ منه أحد، لو صدق ان السلاح يصوب من تلقائه والاشجار تدل على اليهود والملائكة تحارب في المعركة لما اتهمه أحد في وعيه. المسألة إذن هي ميكي ماوس، الجميع يعرفون انه صنع في القرن العشرين، ان له ميلادا وصانعا وعهدا قريبا ثم انه تخطيط فحسب وليس له حجم وامتلاء، يمكن ان نهنئ أهل العقل العربي لأنهم يعرفون انه لهذا السبب او ذاك أقل من أن يكون موجودا. لكننا لا نعرف حقا اذا كانوا موجودين اكثر منه. انهم يستطيعون ان ينفوا ميكي ماوس لكن ماذا يفعلون بالشيطان، الشيخ المنجد لم يكن ساذجا بقدر ما ظنوا. لم يفت باعدام ميكي ماوس لأسباب صحية مثلاً، لا بد ان في الأمر قدرا من العنصرية اذ لا نظن انه كان أفتى باعدام الأسد والفيل ولو رسماً، لكان عندئذ خاف واحتار واحتاط بالسكوت. قال الشيخ ان ميكي ماوس من جنود الشيطان. لا تهزأوا. في الغرب يستطيب الشيطان ان يحل في ذبابة او بعوضة والفأر أوزن وأعلى في مراتب الخليقة. انه من جنود الشيطان والشيطان حر في جنوده وحر في اختيارهم. انه فأر والشيخ يصدق أنه فأر كما يصدق القارئ اللبيب ان هاملت وعوليس والملك لير اشخاص. انه فأر والشيخ ينسبه الى الشيطان، مَن مِن أهل العقل مستعد لمصارعة الشيطان، من منهم مستعد لتكذيب الشيطان، ومن، وهذا هو الأهم، يهزأ من أحد لمجرد انه يؤمن بالشيطان.
ليس دفاعاً عن الشيخ المنجد بالطبع. اذا كنت مثله لا أظن ان لأمرائنا وقادتنا وجنرالاتنا وسياسيينا ومفكرينا وأئمتنا وميليشياتنا وأمنائنا العامين ومخابراتنا وخاصة أهل العقل منا، وجودا أوزن ولا أفعل من ميكي ماوس. اذا كنت مثله أصدِّق ميكي ماوس فوق ما أصدقهم. إلا أن لي في هذه المسألة مذهبا يخالفه فأنا لا أحارب ميكي ماوس، وما علمته أخيرا بفضل الشيخ من انه من جنود الشيطان يزيدني به حبا ويجعلني اكثر ايمانا به. أحب ميكي ماوس ولا بد أن الشيطان الذي يخدمه شيطان طيب، وأنا بالطبع لا أفتي باعدامه كما يفعل الشيخ وأريده حياً لعوباً. لكنت حرت في هذه واحتطت للدفاع عن ميكي ماوس لولا انني أعلم، وأنا في هذا أوسع علماً من الشيخ، ان ميكي ماوس يقوم دائماً من الموت وانه يضحك هكذا من معدميه وقاتليه ومبتغي الأذية له. لن أخاف على ميكي ماوس من فتوى الشيخ المنجد. بالعكس انتظر من ميكي ماوس ان يلمّ رأسه، بعد إعدامه، عن الارض ويركزه على كتفيه ويطلق في وجه الشيخ الضحكة التي طالما سخر بها من جيري. لماذا لا نفكر بالشيخ المنجد مكان توم في مسلسل توم اند جيري المشهور فيكون عنوان المسلسل لحلقة واحدة فقط »المنجد اند جيري«. أقول لحلقة واحدة فقط لأنني لا أظن ان الشيخ في علمه وفضله يحتمل اكثر من حلقة ام ميكي، مع ذلك فإن فتوى الشيخ تفتح أفقا جديدا للمسلسل الذي غدا مع الزمن قديماً ومعتاداً، ماذا لو أدخلنا توم وجيري في حروب الشيطان، ماذا لو كان توم زميتا متعصباً لا يرحم وجيري مشيطناً لعوباً حراً. ألن تكون هذه بداية مغامرة أخرى لميكي ماوس الذي سيتم اعدامه هذه المرة في العراق وأفغانستان وفي طرابلس ودمشق، وفي كل مرة سيعود حياً.
أتخيل الشيخ المنجد مختفيا في غرفة يتسلى بتوم اند جيري. اما قاضي القضاة الذي افتى باعدام اصحاب القنوات الفضائية فليس مهضوماً بالتأكيد ولا طفلاً. لن نستصغر مداركه ولا بأسه، اما الشيخ الذي دعا النساء الى النظر بعين عوراء من وراء الحجاب. فأشعر أنه يقتلع، او يحلم بأن يقتلع، بأصابعه العين الأخرى، انهما كارها بشر ويحلمان بقتل اشخاص حقيقيين بل والتمثيل بأشخاص حقيقيين، لا مجرد صورة، لا مجرد رسم فأر. انهما يحلمان بدم فعلي. فيما يفكر الشيخ المنجد بأن يدخل الى التلفزيون ويطارد بمسدس مرسوم فأرا مرسوماً، يفكر الشيخ المنجد بأن يتحول هو ذاته الى رسم، اعدام ميكي ماوس قد لا يكون سوى ذريعة للمشاركة شخصياً في الصور المتحركة. سوى اقتراح لمغامرة جديدة وهذه المرة مع الشيطان وجنوده.
أما أهل العقل فلا نترك لهم فقط ان يثبتوا بالدليل القاطع ان ميكي ماوس غير موجود. نسألهم عن الموجود بالنسبة لهم واذا كان ملوكهم وقادتهم وهداتهم ووعاظهم ومفتيهم حقيقيين اكثر من ميكي ماوس.
السفير