الإرهاب الذي يجول في المنطقة ويهدد سورية: ما الجديد؟

وحيد عبد المجيد
الإرهاب الذي يهدد سورية اليوم جد لا هزل فيه. وتداعياته المحتملة لن تكون داخلية فقط. تقول دمشق إن هذا الإرهاب جاء عبر حدودها مع دولة مجاورة. وتقصد لبنان، الذي حشدت نحو عشرة آلاف من قواتها الخاصة على الحدود معه، قبل أيام على التفجير الذي استهدفها في 27 أيلول (سبتمبر) الماضي.
لكنها تقر ضمنيا بأن لهذا الإرهاب موطىء قدم في الداخل. فالبيان الرسمي أفاد أن الإرهابي الذي نفذها (يرتبط بتنظيم تكفيري جرى توقيف بعض أفراده سابقا ولا تزال التحقيقات مستمرة). فلم يعد ثمة شك تقريبا في أن مجموعة إرهابية من المجموعات التي تسير على درب «القاعدة»، أو تستظل برايته، هي التي تقف وراء العملية. وقد أحسنت دمشق صنعا عندما أعلنت ذلك بشيء من الوضوح، الذي لا يكفي لإجلاء صورة يشوشها تداخل الأوراق الإقليمية واختلاطها. ومع ذلك، ربما لا يخلو من مغزى إقدام دمشق على تغيير أسلوبها في التعامل مع الحوادث الأمنية. والأكثر احتمالا أن يكون التغيير انعكاسا لقلق شديد من إرهاب يستهدفها.
ولا يمكن فصـــل هذا التهـــديد عن الوضع الإقليمي والســــياسة السورية تجاهه خلال السنوات الأربع الماضية، وليس فقط في الشهور الأخيرة التي شهدت التفاوض غير المـــباشر مع إسرائيل والسعي إلى الاقتراب من أميركا. فلا أســــاس يُعتد به لاعتقاد بعض المراقبين أن الإرهاب رسالة إلى دمـــشق لكي تعــــود عن طريق لم تقرر بشكل نهائي أنها ستسلكه، إلا إذا كانت رســــائلها الــــودية إلى واشنطن تشمل عودة إلى ضبط حدودها مع العراق. ولكنها كانت فعلت شيئا من ذلك في 2006 بالتنسيق مع إيران، ولم تتعرض لتهديد إرهابي بهذا الحجم. وفي المقابل، هناك أساس للتفكير في العلاقة بين استهداف الإرهاب لسورية الآن وسياستها الإقليمية على مدى سنوات.
فهذا الإرهاب، الذي تعطيه دمشق اليوم اهتماما لا سابق له، ليس بعيدا عن الصراع على لبنان. وإذا تجاوزنا تفسيرات لا دليل عليها لأحداث نهر البارد، ليس ممكنا إغفال الأثر التراكمي للاستقطاب السُني – الشيعي الذي بلغ ذروة دراماتيكية إبان الهجوم المسلح الذي شنه بعض حلفاء دمشق على بيروت في أيار (مايو) الماضي. فما كان لهذا الهجوم أن يحــدث لــــولا اصطباغ السلاح المقاوم بلون مذهبي. وما كان للأمر ان يكون كذلك لولا صراع إقليمي دولي حاد على مستقبل المنطقة كلّها.
ولم يكن في إمكان سورية المتحالفة مع إيران أن تنأى بدورها في هذا الصراع عن رافده المذهبي المتزايد أثره. وليس في استطاعتها الآن أن تفلت من هذا الأثر، وبعضه إرهاب يتسلل محاولا استغلال شعور قطاعات في الوسط السُني اللبناني بالتهديد، مثلما وجد مدخلا له في العراق من باب لا يختلف كثيراً ولكن في ظرف مختلف ترتب على الغزو الأميركي. وهذا ليس القاسم المشترك الوحيد بين إرهاب توطن في العراق وضرب هناك دون هوادة، وآخر يُخشى أن يتوطن في لبنان وربما سورية. فكلاهما تغذى على تكتيكات لجأت إليها دمشق دفاعاً عن نفسها حين اشتد الحصار الأميركي عليها اعتبارا من 2004، كتغاضيها عن حركة المتطوعين في العراق عبر حدودها. وخدم ذلك التكتيك مصلحتها في لحظة بحثت فيها عن أوراق تدعم مركزها الإقليمي وتتيح لها الضغط على واشنطن.
لم يفكر من استخدموا ورقة الإرهاب في أن لتلك اللحظة ما يليها، وأن الورقة قد تؤدي إلى نتائج عكسية. أغفلوا الخبرة المتراكمة التي أنتجت حكاية السحر الذي انقلب على الساحر. وقد اقترن هذا الانقلاب بتنامي السخط والخوف بين سُنة لبنان بفعل تغير ميزان القوى الداخلي لمصلحة الشيعة الذين دعمتهم دمشق، وربما في أوساط بعض السُنة السوريين أيضا إذا صح ما يتردد عن موجة تشيّع في هذه الأوساط يغذيها النفوذ الإيراني القوي.
وتفيد الخبرة العراقية أن «القاعدة» والجماعات التي تنهج نهجها تعرف كيف تستغل الصراع المذهبي حين يطل بوجهه القبيح لإيجاد موطىء قدم لها. ويبدو أن أحدا في سورية، وغيرها، لم ينتبه بما يكفي لتلويح الرجل الثاني في «القاعدة» أيمن الظواهري في نيسان (أبريل) الماضي بما أسماه «دورا محوريا للبنان في المعارك المقبلة»، في إطار تحذيره مما اعتبره مخططا إيرانيا يشمل «ضم جنوب العراق والتمدد للتواصل مع أتباع إيران في لبنان».
وربما ظن السوريون أن بلادهم ستبقى استثنـــاء من التصعيد الذي عمد إليه الظواهري. وقد كان لسوريــة، فعلا، وضع خاص لدى هؤلاء ومن يحذون حـــذوهم نتيجة الحاجة إلى استخدام حدودها مع العراق. لذلك فثمة ما يدعم الاعتقاد في أنهم اعتبروا سورية «أرض نصرة» وليست «أرض جهاد». غير أن دوام الحال من المحال. وقد جرت في نهر الإقليم مياه كثيرة يمكن أن تدفعهم إلى تغيير موقفهم، خصوصا وأن سعي دمشق إلى الاقتراب من واشنطن يفرض عليها ضبط الحدود مع العراق.
وإذا صح ذلك وكانت عملية السيارة (جي.إم.سي سوبربان الرقم 83115) جزءا من استهداف إرهابي لسورية، أو حتى رسالة إنذار، فقد تكون هذه بداية تغيير في التفاعلات الإقليمية. فالإرهاب الذي قد يصبح الخطر الأكبر على سورية، بعد أن فشلت محاولة محاصرتها، هو نفسه الذي واجهته مصر والسعودية. وما زال تهديده قائما فيهما بالرغم من انتصارهما عليه. فهل يفرض ذلك على سورية تغييرا تدريجيا في اتجاهات علاقاتها الإقليمية، بفعل الموقع المشترك الذي يحتمل أن تجد نفسها فيه مع مصر والسعودية اللتين تمتلكان خبرة في مواجهة الإرهاب لم تتوفر لها بعد، وبحكم أن فاعلية هذه المواجهة تقتضي تنسيقا إقليميا؟ وهل يرتبط ذلك بمراجعة، يصعب الآن أن تكون أكثر من جزئية، لعلاقاتها مع إيران؟ وكيف يؤثر ذلك في سياستها تجاه لبنان؟ وهل يساعدها وجود إدارة أميركية جديدة أكثر مرونة في الجمع بين علاقة أفضل مع السعودية ومصر، وعلاقة أقل مع إيران؟ هذه، وغيرها، أسئلة يوحي بها ما يبدو أنه قلق جدي يساور دمشق من ضربات إرهابية قد تكشف هشاشة وضعها الداخلي.
الحياة