ما يحدث في لبنان

استراتيجيّة لمكافحة الإرهاب

جورج علم
تذهب الأسئلة الى الأبعد: هل الشبكات الارهابيّة في الشمال وحده؟، وماذا عن تلك المتواجدة في مناطق سبق ان شهدت حوادث إرهابيّة؟، وهل من صلة وصل بين كلّ هذه الخلايا السرطانيّة المنتشرة في الجسم اللبناني؟.
ان إلقاء القبض على عناصر شبكة متورطة في عدد من التفجيرات التي استهدفت الجيش عمل جيد، لكن يفترض وضعه في إطاره المتواضع بعيدا عن الإطناب في التفخيم والتعظيم، فهو ليس بالإنجاز الاستثنائي، ومسؤولية الدولة والاجهزة ان تكتشف، وما تحقق حتى الآن هو من أبسط واجباتها، وبهذا المعنى لم يعد حديث العامة متصلاً بتفاصيل العمليّة، بل بالنتائج لأن الأمن أولا وأخيراً ثقة، ثقة المواطن بدولته، وثقة الدولة بأجهزتها، وثقة الأجهزة بالقانون العادل الشّفاف، وليس المسيّس؟!.
لقد حصلت سوابق، وتعلّق المواطن بالخيط الرفيع، وكان هذا الخيط أشبه بالوهم الذي يحتمي به المعنيّون للقول إنهم حققوا إنجازا، واكتشفوا »طرف الخيط« المؤدي الى كشف المجرمين وخلفيات الجريمة، لكن غالبا ما كان ينقطع هذا الخيط، وتبقى الحقيقة معلّقة، فيما المرتكب يبقى متواريا، وتبقى حلقات المسلسل الجهنمي سارية المفعول؟!.
وحتى الأسلوب المتبع بات مملاًّ، إذ ان الماثل في ذهن المواطن هو مشهد الجبهة المفتوحة ، خصوصاً عندما يسمع عن جيش يتلقى سلاحاً لمكافحة الارهاب، وعن قوى أمنيّة مستنفرة استعداداً للمواجهة والنزال، ويسمع بالمقابل عن خلايا إراهابيّة نائمة في بعض المخيمات والمناطق، وناشطة في أخرى، وعن مربعات تستوطنها لأنها تشكّل البيئة المناسبة لنشر أفكارها ورهاناتها الآنية والمستقبليّة.
إن هذا المناخ التعبوي يجعل المواطن أسير فكرة مركزية: الجبهة المفتوحة، وإن لم تكن اليوم، فحتماً غداً؟!.
إن هذا النوع من الاساليب التعبويّة قد فقد بريقه بعد ان فقد فاعليته، وقد أثبتت الايام ، وأيضاً توالي الأحداث، بأن مكافحة الإرهاب لا يمكن ان تتم بالوسائل القمعيّة وحدها، ولا بالوسائل البوليسيّة، ولا بدّ من اعتماد خطة متكاملة فيها الإعلامي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي، وفيها القانون الردعي أيضا، وفيها التنسيق المحلّي مع الخارجي القادر على تقديم العون والدعم والمساندة، وهذا اللون من التكامل لم يتوافر يوما، وكانت هناك باستمرار مجرّد ثغرة، او مجموع ثغرات تبرز على الدوام لتكربج كلّ شيء دفعة واحدة.
بالمقابل، هناك من ينبري في صفوف الوزراء ليقول إن هذا المنطق كان ساريا في الماضي عندما كانت المؤسسات شبه مشلولة، رئاسة أولى محاصرة او يهيمن على مقرّها الفراغ، وحكومة بتراء، ومجلس نيابي مقفل، ووطن تتجاذب أطرافه قوى ٨ و١٤ آذار، وأجهزة كانت على صورة ومثال البلد، في حين ان المشهد مختلف اليوم حيث هناك رئاسة أولى لديها تصوّر، وتملك قدرة وتصميماً على التصدي للإرهاب، وحكومة وحدة وطنيّة تقف في خندق واحد الى جانب الرئيس في المواجهة، ومجلس نيابي مستنفر لتقديم الدعم والمؤازرة في كلّ لحظة يفرضها الواجب، فيما الواجب يقضي بالبحث معمقاً عن استراتيجيّة وطنية لمكافحة الارهاب.
إن هذه الاستراتيجيّة تلقى الآذان الصاغية عند العواصم التي زارها رئيس الجمهوريّة حتى الآن إن في الشرق او الغرب، وبقي التصميم على الاستمرار للوصول الى التصوّر الكامل والهادف، وليس اقتصار الأمر على التطبيل والتزمير باكتشاف عناصر شبكة إرهابيّة… ونقطة عالسطر؟!.
(السفير) ، الثلاثاء 14 تشرين الأول 2008

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى