صفحات مختارة

طريق اليسار العدد 2 : شباط 2008

null


تجمع اليسار الماركسي في سوريا

افتتاحية هيئة التحرير

مجرم حرب يتجوّل في المنطقة

في حين تتعالى الأصوات في أمريكا والعالم مطالبة بمحاكمة جورج بوش كمجرم حرب، يستقبله زعماء الأنظمة العربية كصديق وحليف يسعون لرضاه واستمرار حمايته لهم.

وفي حين لم تحظ زيارته إلا بأقل الاهتمام في الإعلام الأمريكي الذي لم يرَ فيها إلا محاولة منه لتسجيل إنجاز سياسي في السنة الأخيرة من ولايته، يوظّفه لصالح معركته في انتخابات الرئاسة القادمة بعد كل ما أصاب سياسته من تعثّر وإخفاق في مناطق عديدة من العالم، فإن ما جاء به إلى المنطقة بالنسبة لبلدنا وشعوبنا، أمر بالغ الخطورة.

1

فبعد الفشل السياسي المطبق لنظام قرضاي واستمرار المقاومة الأفغانية الفعالة، أياً تكن الملاحظات عليها، وبعد الخسائر العسكرية المهمة والارتباك السياسي العميق الذي غرق فيه مشروعه العراقي، وبعدما فشلت محاولة توليد “الشرق الأوسط الجديد” في حرب تمّوز 2006 في لبنان، عبر سحق المقاومة وتسليم السلطة كاملة لحلفائه اللبنانيين، وبعدما أجهض تقرير المخابرات المركزية الأمريكية عن النشاطات النووية الإيرانية استعدادات إدارته المتصاعدة لحرب على إيران، أو على الأقل لتوجيه ضربات عسكرية لها تشعل المنطقة وتتسبب ”بفوضى خلاقة“ جديدة.

2

بعد هذا كله، لم يبق للسيد بوش إلا ”تجريب“ كسر الحلقة الفلسطينية من سلسلة القوى الممانعة في المنطقة، أملا في تحقيق ”تسوية ما“ للقضية الفلسطينية، الأمر الذي يتسق في الوقت نفسه مع فضائح متكررة وجهت له بضرورة “معالجة مشكلة الصراع العربي-الصهيوني” كشرط للتقدم على طريق “مكافحة الإرهاب” وتوليد الشرق الأوسط الجديد المنشود وإعادة سيطرة أبو مازن وسلطته الشكلية عليه، وهو ما يوضّح لماذا تصاعدت الغارات الإسرائيلية على القطاع بصورة وحشية، وجرى تشديد الحصار بصورة متسارعة أثناء وجود الرئيس الأمريكي في المنطقة، دون أن تُسمع كلمة احتجاج جدية واحدة من أعضاء الجوقة الأمريكية، الدوليون منهم والعرب على حد سواء. و”التسوية” المذكورة ذاتها وفق فهم الإدارة الأمريكية الراهنة لها، وهو فهم مطابق للإدارة الإسرائيلية اليوم، باتت تعني الاعتراف بإسرائيل “دولة يهودية” وبالقدس لها وحدها، وبمستوطناتها المتسعة باستمرار، وإلى جانبها كانتونات فلسطينية مبعثرة، في حين يبقى اللاجئون لاجئين، يحظر عليهم العودة إلى بلادهم ويعمل لتوطينهم حيث هم أو في مهاجر جديدة!. ولذا وجدنا سلطة أولمرت تعلن مشاريع توسيع المستوطنات تلو المشاريع في الأسابيع الأخيرة، دون أي ردّ فعل يذكر لا أمريكياً ولا أوربياً ولا عربياً!

3

و من النتائج الملحوظة والمبكرة لجولة بوش استمرار استعصاء الوضع اللبناني، بل وزيادة سخونته وإيصاله عبر اغتيال المتظاهرين إلى حافة الانفجار، لإبقائه بؤرة مشاغلة واستنزاف وتهديد للوضع العربي والإقليمي عموماً، ونقطة ضعف مؤلمة على العلاقات السورية-السعودية، والسعودية-الإيرانية، تعمق الشرخ المرغوب أمريكيا بين هذه الأطراف، ويمكن أن نتصور إذا اقتضى الأمر الدفع إلى تفجير دموي للأوضاع، يسمح في حال حدوثه بالتغطية على المجازر والحصار الوحشي المخترق لكل الأعراف والقوانين الدولية لقطاع غزّة، ومن ثمّ على التصفية المزمعة لقضية الشعب الفلسطيني، تحت اسم “التسوية”، في حين تكون المنطقة كلها ولاسيما القوى التي يدرجها بوش في ”محور الشر“ مشغولة بالحريق اللبناني.. أو بمحاولة تجنبه.

4

وهكذا فإن ما تعد به جولة بوش إلى شعوبنا ليس إلا أسوأ الاحتمالات بالنسبة إلى غزّة خصوصاً وفلسطين عموماً، والتي باتت اليوم مستهدفة أكثر من أي وقت مضى في تاريخها، حصار للبشر وقضما للأرض والحقوق، وتصفية لحقّ اللاجئين وحق العودة، ومصادرة للقدس وأهم الأراضي في الضفة الغربية. كما تعدنا باستمرار الأزمة في لبنان وربما زيادة حدتها وسخونتها، بكل ما يمكن أن ينطوي عليه ذلك من آلام وكوارث لشعبنا اللبناني ومنطقتنا.

إلا أن بوش و أولمرت والمتواطئون معهم أو الساكتون عنهم، لم يحسبوا حساباً جدياً (كما هي العادة)، لشعوبهم وكيف تدافع عن حياتها ومستقبلها، ولا شك بأن اجتياح الشعب الفلسطيني للأسوار في رفح، قد أوقعهم جميعاً في ورطة كبرى جعلت خطة الحصار كلها موضع شك عميق، وأربك الحكومة الصهيونية ونظام كامب ديفيد أيما إرباك، إذ حشرهم في وضع يعجزون فيه عن فعل شيء تجاه الشعب الذي كسر الحصار، كما يعجزون فيه عن أي معالجة لقضية المعابر إلا بالتفاهم مع حماس بالذات، الأمر الذي يعززها سياسيا ويفضح سلطة أبو مازن التي تطالب بعودة السيطرة (الإسرائيلية-الأميركية-الأوربية-المصرية-الفلسطينية) على المعابر، في حين تصر حماس على سيطرة مصرية- فلسطينية فقط. وما نرجوه هو أن تكون اللّطمة التي وجهها شعبنا في غزّة مجرد لطمة أولى لمشروع بوش-أولمرت الجديد، تعقبها على يد شعوبنا وقواها الحية لطمات ولطمات، حتى الإسقاط التّام لكل ما استهدفه بوش في زيارته لمنطقتنا، بحيث لا يجد أي مبرر لعودته المزمعة بعد أشهر، وليرحل من بعدها مجللاً بالفشل والعار الذي يليق بمجرمي الحروب.

هيئة التحرير

بلاغ

صادر عن اجتماع القيادة المركزية

لتجمع اليسار الماركسي في سوريا /تيم/

ناقشت القيادة المركزية لـ (تيم) في اجتماعها الدوري الأوضاع السياسية المحلية والإقليمية والدولية وخرجت بما يلي:

1- إدانة الاعتقالات الأخيرة التي قامت بها السلطة وأجهزتها الأمنية، و شملت قياديين في “المجلس الوطني” لـ”إعلان دمشق”، والمطالبة بإطلاق سراحهم فوراً. وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي. كما تطالب بإطلاق الحريات السياسية العامة وحرية التعبير. وأن نضالنا المبدئي هذا من أجل إطلاق الحريات السياسية العامة لا يقلل أبداً من أهمية خلافاتنا مع التيار الذي يقود توجهات “إعلان دمشق“.

2-تنظر قيادة (تيم) بقلق شديد إلى تطورات الوضع الاقتصادي والمعيشي، خاصة الارتفاع المنفلت للأسعار وتأثير ذلك على الحياة المعيشية لغالبية الشعب السوري. ولهذا السبب وفي الوقت الذي تدين فيه نهج السلطة على هذا الصعيد، فهي تطالب كل القوى المتضررة للعمل الجاد على تنسيق صفوفها والوقوف في وجه هذه السياسات، وتطالب السلطة بزيادة الأجور بما ينسجم مع ارتفاع الأسعار .

3- ترى قيادة (تيم) أن انصياع السلطة المعلن وغير المعلن لشروط صندوق النقد الدولي والبنك الدولي القاضية برفع الدعم عن مواد الاستهلاك الأساسية، وخاصة المحروقات، سوف يحدث كارثة اجتماعية خطيرة. في نفس الوقت ترفض قيادة (تيم) السياسات الاقتصادية المعتمدة من قبل الحكومة، والهادفة إلى التراجع عن معظم المكتسبات التي حققتها الطبقات الشعبية بنضالاتها وتضحياتها.

4- دان الاجتماع زيارة بوش الأخيرة للمنطقة العربية، واعتبرها زيارة معادية لمصالح الشعب العربي وشعوب منطقة الشرق الأوسط ، فهي تأتي في سياق دعم دولة “إسرائيل” في المنطقة العربية وتكريسها دولة احتلال عنصرية استيطانية و يهودية. وتأتي لحشد النظم الحليفة لأميركا ضد إيران ، وتأتي في سياق إبرام أمريكا صفقات أسلحة بأرقام فلكية مع الأنظمة الخليجية في سبيل إعادة ضخ عائدات النفط الخليجية في شرايين الاقتصاد الأميركي خاصة والرأسمالي الغربي عامة كي تعاود الإمبريالية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية مهاجمة الشعوب المقهورة والدول المتطلعة نحو التنمية “المستقلة”. كما تأتي الزيارة في إطار حشد كل طاقات النظم العربية الملحقة بالإمبريالية الأميركية ضد المقاومات العربية في فلسطين ولبنان والعراق.

5- تدين قيادة (تيم) الحصار المتواصل على قطاع غزة، والمجازر المستمرة بحق الشعب العربي في فلسطين . وتدعو كافة المنظمات الحقوقية و الإنسانية التدخل الفوري لإدانة المجازر ولإنهاء الحصار. كما تدين الصمت المشارك من قبل غالبية الأنظمة العربية.

القيادة المركزية لـ تيم

دمشق، في 18-1-2008

حول الجريدة

سلامة كيله

ليس هدف الجريدة إعلان موقف، وإن كانت تتضمن ذلك في صيغة ما. ولا هي لسرد الأحداث والإشارة إلى موقف منها. وهي ليست جريدة متابعة الأحداث والأخبار، فهذه باتت واسعة الانتشار عبر الصحف اليومية، وخصوصاً الفضائيات . إلا أنها ليست جريدة ” الحدث السياسي ” . إنها جريدة لحزب له مشروعه الطبقي ، وينطلق من الماركسية كمنهجية في التحليل والوعي، التي لها كذلك منطقها القائم على رؤية كلية المجتمع، والعالم، وعدم الاكتفاء بالشكل (الأحداث السياسية الجارية) بل الغوص في أعماقها، وكشف جذورها والمصالح التي تقف خلفها، من أجل تحديد السياسات والتكتيكات الضرورية لتحقيق التغيير .

أي ليس المطلوب معرفة ماذا يجري ، بل معرفة لماذا يجري؟ وهذه الـ”لماذا” أساسية هنا لأنها تنقلنا – وفق الماركسية- من السطح إلى العمق ( من الشكل إلى المضمون ). هنا يجب البحث في الاقتصاد والطبقات، ليس بما هي فقط، بل في حركيتها، وتحوّلات وضعها، وترابطها. ليس المطلوب التوصيف إلا إذا كان مدخلاً للتحليل، وليس مطلوباً النظر إلى الأحداث فقط، بل المطلوب هو وعي الحركة الواقعية. وبالتالي موقع الأحداث السياسية فيها . وبالتالي ليس مطلوباً تحديد الموقف فقط ، الأهم هو وعي الحركة الواقعية ذاتها من أجل تحديد السياسات الضرورية للحزب.

من أسهل الأمور هو تحديد الموقف، حيث سيبدو هنا كرد فعل على حدث ما، لهذا يكون البحث المعمق انطلاقا من الماركسية ضرورة للوصول إلى موقف مدروس، وسياسة صحيحة.

الماركسية تربط الحدث بالحركة (بالصيرورة)، وتربط السياسي بالاقتصادي، والموقف بالممارسة. لهذا يجب تفسير السياسي بالاقتصادي وإلا ظل مثالياً يفسّر السياسي بالسياسي. فالاستبداد لا يفسر بالميل الذاتي ( الذي يمكن أن يكون موجوداً)، بل يفسر بالأساس الاقتصادي الذي يسمح بنشوئه. والعالم ليس هو الحراك السياسي والأحداث السياسية، فهذه هي “التعبير” عن الواقع الاقتصادي ونشاط الطبقات ومصالحها.

إذن يجب تجاوز السرد الحَدَثيّ إلى تحليل الأحداث بالانتقال إلى أساسها، أي يجب الانتقال من السياسي إلى الاقتصادي. من الشكل إلى المضمون. حيث أن وعي حركة الواقع يفترض ذلك ما دام الاقتصاد هو المحدِّد، وإن في التحليل الأخير كما أشار إنجلز. ما يتسم به الواقع الحالي هو أن كل جهود الكتابة مركزة على السياسي، على الحدثي من جهة، وإن الهدف هو تحديد موقف، أكثر منه السعي لرسم سياسة تهدف إلى التغيير من جهة أخرى. الحدثي شكل، المهم هو المضمون الذي يتمظهر هذا الشكل كتعبير عنه. وبالتالي فإن الهدف ليس تحديد موقف فقط، بل رسم سياسة تهدف إلى التغيير. ويمكن للموقف من الحدث أن يندرج ضمن ذلك.

المطلوب هو رؤية الواقع بكليته، أي رؤية الاقتصادي والطبقات والسياسي والإيديولوجي، أي رؤية المجتمعي، ومتابعة صيروراته، وتناول الحدثي فيه من أجل الكشف، كما من أجل التحريض في إطار سياسة تهدف إلى التغيير. لقد أسس ماركس تصوراً عن الرأسمالية حينما درس الاقتصادي فيها، بدءاً من البسيط: السلعة، إلى الأجور وصولاً إلى فائض القيمة، وإلى طبيعة النمط الرأسمالي. وهذه منهجية في الماركسية لم تنته عند تحليل ماركس للرأسمالية في عصره، بل أصبحت منهجية دائمة تفرض التحليل المستمر للتكوين الاقتصادي، وبالتالي، للنمط الرأسمالي – العالمي والمحلي الراهن، قبل لمس السياسات والأحداث، لان كل السياسات هي نتاج ذلك.

إذن يجب أن تنطلق الجريدة من التحليل الماركسي، وأن تتجاوز “السياسة” كما هي متداولة اليوم. وهذه منهجية عامة يجب أن تحكم الماركسي، والحزب الماركسي، وبالتالي أن تحكم تحليلات الجريدة. أي أن تتسم بالعمق النظري.

إننا هنا إزاء ثلاثة مستويات، الأول: يقوم على ربط السياسي بالاقتصادي، والتأسيس على الاقتصادي لفهم السياسي. والثاني: متابعة الوقائع الاقتصادية ووضع الطبقات، والصراعات فيما بينها. والثالث: الوصول إلى سياسات وشعارات وليس إلى مواقف فقط.

النقطة الأخرى في هذا المجال تتمثل في أن الجريدة هي جريدة حزب يسعى لتحقيق التغيير، وبالتالي فيجب أن تتناول سياسات الحزب، ليس شرح السياسات، بل تحديد السياسات الضرورية لتطور الحزب، ولمقدرته على التحوّل إلى قوة عبر التغلغل في صفوف الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء. لهذا يجب أن يُطرح السؤال: كيف سنؤسس وجودنا العملي (التنظيمي ) في بنية الطبقة ؟ وبالتالي ما هي السياسات التي يجب أن تتبع تجاه الطبقات ؟ وما هي الشعارات الضرورية الآن؟ وما هو التكتيك الممكن ؟

المسألة هنا لا تتعلق بان نعرف الواقع فقط، بل أن نوجد الآليات التي تسمح بالتأثير فيه من اجل تغييره. هنا يجري تناول تكتيك الحزب، وخطواته المحددة في الواقع. فمثلاً يمكن السؤال : ما هي الأولوية من أجل انغراس الحزب في الطبقة ؟ وما هو دوره السياسي بما هو حزب ضعيف ؟ وهل إن الأولوية لـ”النشاط السياسي” أو لبناء التنظيم، والارتباط بالطبقة ؟ وهل تعني الأولوية تجاهل ما لا يحظى بالأولوية ؟ أو يعني التركيز فقط على الأولوية دون تجاهل المسائل الأخرى؟

ثم ما هي المسائل التي يجب أن تتناولها الجريدة لتحقيق تطور في وعي الطبقة لمصالحها ولدورها ؟ وما هي المسائل التي يجب أن توصلها للطبقة ، أن تُفهمها للطبقة ؟ أي كيف لها أن تسهم في تأسيس الوعي الطبقي؟

وبالتالي لا يكفي أن تكشف مشكلات الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء، بل أن تسهم في فضح هذه المشكلات، وتحديد كيفية مواجهتها، وبالتالي الشعار الضروري لتحقيق ذلك. ومن ثم نقل الوعي من مستوى مطلبي إلى مستوى مجتمعي (وبالتالي سياسي). وشرح كيفية تحوّل الطبقة إلى طبقة مسيطرة عبر الانتقال من النضال المطلبيّ إلى النضال السياسي. من مطالبة السلطة (الميل الإصلاحي) إلى تغيير السلطة وتأسيس سلطة الطبقة المعبّرة عن مصالحها.

أيضاً الموقف من الطبقات الأخرى. وبالتالي متابعة وضع هذه الطبقات ، وتحديد نقاط الالتقاء والاختلاف معها. وبالتالي كيفية ”تنسيق النشاط “، وتحقيق تحالف طبقي عما هو ممكن ومتوافق عليه.

وكذلك الرأي بالأحزاب الأخرى. الاختلاف معها، ولكن ما هو متفق عليه، وطبيعة العلاقة الممكنة، هل هناك توافقات تؤسس لتحالف استراتيجي؟ هل يمكن تحقيق تحالف تكتيكي ؟

أيضاً طبيعة السلطة، بنيتها، ممارساتها، وسياساتها، والايدولوجيا التي تعممها، والتكتيكات والشعارات الضرورية في مواجهتها.

ما هدفت إلى قوله أن الشعارات العامة لا تكفي، وان متابعة السياسي لا تضيف إلى الحركة العملية إلا إذا جرت رؤيته في سياقها. المطلوب من الفكر أن يضيء الحركة الواقعية، أي حركة الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء في صراعها مع الرأسمالية، وفي توافقاتها أو تناقضها مع الطبقات الأخرى، وبالتالي في صراعها ضد النمط الرأسمالي ككل، ومن ثم ّضد سياساته ونشاطه. كذلك في موقفها من المسألة القومية، ومن الاحتلال والمقاومة.

وإذا كان الحزب يبلور تصوراته ويعمل على تعميمها وإقناع الطبقة بصحتها، فإنه يعمل كذلك على نقد وتفكيك الإيديولوجيات الأخرى، لان تعميم وعي يفترض هزيمة آخر، ولأن إقناع الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء يستلزم تفكيك الوعي الذي يسكنهم، والمعمم عبر إيديولوجيا السلطة أو الموروث، أو بتأثير حزب آخر. هنا يجب أن تلعب الجريدة دوراً في الصراع الإيديولوجي( أو الحوار الفكري ).

حيث أن تعميم فكر معين لا يتحقق إلا بالتفاعل والتناقض مع أفكار أخرى موجودة في الواقع، وتستحوذ على وعي قطاعات اجتماعية، ومن أجل تأسيس وعي مختلف لدى هذه القطاعات يخدم عملية التغيير. هنا يجب كشف مشكلات التيارات الليبرالية والأصولية وكشف الجمود الماركسي، والميول الاستسلامية، والإصلاحية. كذلك يجب عدم تجاهل القضايا المطروحة للحوار، لأنها تحظى باهتمام نتيجة موقعها في الصراع الواقعي. منها مسائل العلمانية والديمقراطية، دور الدولة الاقتصادي، مطالب الطبقات الشعبية، المسالة القومية، المسألة الوطنية ، الخ..

هناك مشروع سلفي أصولي يجب كشف مضامينه الطبقية وأبعاده وتأثيره على التطور، كما أن هناك مشروع لبرلة يتماهي مع السيطرة الامبريالية .

الجريدة، لكل ذلك، هي بالنسبة لقوى مناضلة وسيلة وعي الواقع، ليس للفاعلين فقط، بل للطبقة التي يجب أن يكونوا جزءاً منها. وبالتالي تجاوز الحدث إلى العناصر المؤسِّسة له، ووعي الخطوات التي يجب أن تقوم بها سواء في تحديد الأهداف، أو تحديد الشعارات، أو تحديد أولويات النشاط. وكذلك كشف “الوعي الزائف ” الذي تنشره الصحافة الرسمية وتعممه أحزاب ومثقفون.

بمعنى أن لها مهمات ثلاث، الأول: تطوير الوعي لدى المناضلين وفي المجتمع عموماً، ووعي الواقع بالخصوص. والثانية: إضاءة الممارسة من خلال تحديد السياسات والشعارات والأولويات والتكتيك. والثالثة: نقد “الوعي الزائف” وكشف مصالح الطبقات الأخرى. وبالتالي فإن للجريدة دور كاشف وتحريضيّ في الآن ذاته . كاشف للواقع، و محرّض للطبقة العاملة والفلاحين الفقراء وكل المهمّشين لكي تدافع عن مصالحها وتنظم ذاتها من أجل تحقيق سيطرتها. وكشف “الوعي الزائف” الذي يضخ فيها لكي تبقى خانعة خاضعة. ومن ثم تحديد سياسات وتكتيك القوى المناضلة. إنها جريدة الوعي والكشف والتوضيح. وهي جريدة التحريض. وأيضاً جريدة النقد والتفكيك للإيديولوجيات الأخرى، وللوعي الزائف.

كل الدعم والتأييد لشعبنا الباسل في غزّة البطلة وعموم فلسطين، لتسقط قوى التواطؤ مع السياسات الإجرامية لبوش وللكيان الصهيوني.

وحدة “الشيوعيين السوريين،

وحدة عمل ” اليسار السوري“:

فانتازيا أم ضرورة ؟

فاتح جاموس

يبدو أن الجميع في الوطن السوري على قناعة أنه يعبر مرحلة تطورات انتقالية، خاصة القوى والأحزاب والفعاليات المختلفة بكل اتجاهاتها وتصنيفاتها السياسية والاجتماعية والثقافية، نظاما وموالاة ومعارضة وما بينهما- أي كامل النخبة السورية- أنهم في وضعية تحفز وقلق، ويعيشون حقيقة تلك القناعة، فكلٌّ يعد نفسه من أجل هذه المرحلة والتصورات المتوقعة تجاهها، بالتغاضي عن أهمية فعاليته ووزنه، والتأثيرات الواقعة عليه بسبب احتكار السلطة، ومصادرة ومنع النظام للنشاطات المستقلة عنه، وضبطه لها بسبل القمع أو الردع المختلفة . بعد ذلك تبدأ خلافات النخبة، تخلقها وتؤثر فيها زوايا الرؤية المختلفة، المصالح، الوعي، الرغبات، والقناعات حول حدود تلك التطورات ومدى خطورتها وشمولها، وتائرها، التحالفات

والأطر والوسائل المطلوبة للفعل بها، والموقف من الأطراف الأساسية التي تقودها وتوجهها استراتيجياً وتكتيكياً.

من منظورنا، فإن المرحلة المعنية لن تشهد تطورات فحسب، بل ستكون متسارعة، بعضها دراماتيكي وخطر جداً على المستوى الوطني والمصالح الوطنية العليا، ستشمل وتؤثر في كل الميادين للقضايا والحياة السورية، ستخترق الأطر والتحالفات و البرامج والمهمات والمطالب. وبقدر التسارع الفعلي لتطور الأحداث، أو القراءة والتوقعات الوهمية أو الخاطئة في ذلك، فإن المعارك السياسية المتعلقة بها تصبح أكثر احتداماً وأهمية. إن السنوات الثلاث الماضية قدمت لنا “بروفات” واضحة وجادة جداً على ذلك الصعيد، بدءاً من نشاطات بعض القوى والفعاليات السورية في الخارج: ( الحركة الدينية، الغادري وما يمثله، نائب رئيس الجمهورية السابق رفعت الأسد وما يمثله. ثم تشكيل جبهة الخلاص بعد ” هرب ” نائب الرئيس خدام، تهويله و”رعبه” من أن يكون معارضاً من الداخل، والانشقاق الفعلي لحركة الإخوان المسلمين بذلك عن إعلان دمشق، وإضافتهم لسبب آخر في الخلافات داخل الإعلان، الخ.. ).

في الداخل: بدءاً من لقاء دير الزور، الحشد الذي حضره، والحوارات الحامية قبله وخلاله، ومقاطعة التجمع الوطني- الديمقراطي لذلك اللقاء دون ذكر أي سبب صريح. ثم إعلان دمشق بكل ما أثاره من اهتمام ومعارك ولا يزال، بشكل خاص في هذه الأيام بسبب القضايا التي جاءت في وثيقة البيان التوضيحي التي صدرت عن الإعلان بالتوافق المطلق لكل فعالياته قبل أكثر من سنة، فبعض أطراف إعلان دمشق بحجج مختلفة – صراحة أو مواربة- تريد التخلي عن محتوى وثيقة البيان، وعن البيان بكل ما عناه ويعنيه، كذلك بسبب استكمال المؤسسات الخاصة بإعلان دمشق وتركيبتها الداخلية، والاستقطاب السياسي في تشكيلها من منطلق الخلافات، والدور الذي ستلعبه في سياسات وتوجهات الإعلان . التجمع الوطني الديمقراطي والتطورات الداخلية فيه، من وجود حزب العمل الشيوعي بعد توقف رفض قبوله، باستخدام إحدى القوى لحق الفيتو، ومن جهة أخرى حماس واندفاع حزب العمل الشيوعي لدخول التجمع، بعد ابتلاع كل مرارات الماضي بغصّة، وضبطه لكل ردود فعله السلبية المتوقعة، كل ذلك بعد تقديره أيضاً أن هناك من يريد تدمير التجمع بإجراء تغيير عميق في توجهاته السياسية والإستراتيجية، أو نقل ثقل العمل والأهمية إلى إطار إعلان دمشق، أو التسويف والمماطلة والإهمال في عقد مؤتمره، وإنجاز الوثائق الضرورية، وجذب قوى وفعاليات جديدة إليه. تشكيل تجمع اليسار الماركسي من مجموعة أحزاب وفعاليات، والنقاش الداخلي الجاد لاتخاذ موقف وموقع في الحركة والأطر السياسية السورية . ثم المبادرات الجادة من أحزاب وأطراف شيوعية متنوعة، داخل جبهة النظام ( الحزب الشيوعي السوري ـ اتجاه النور )، أو في وضع ” بينيّ ” كتيار قاسيون، أو معارضة كتجمع اليسار الماركسي، مبادرات وحوارات كحد أدنى من أجل التنسيق في المسائل المشتركة داخل الصف الشيوعي واليساري، أو من أجل وحدة الشيوعيين السوريين ووحدة عمل اليسار السوري كحد أقصى . أما النظام فهو بدوره على درجة عالية جداً من التيقظ والاستعداد والنشاط بالعلاقة مع المرحلة واحتمالاتها، يحكمه في ذلك نفس النهج والتوجهات القديمة بالعلاقة مع الداخل، احتكار كل شيء، منع النشاطات والحركة، منع تطور أي نفوذ لأي أحد أو إطار سياسي، الضبط بالردع والقمع بدلاً من السياسات التي يفترض أن تقوم على أساس الأزمة الوطنية العامة وما تفترضه من ثقافة الحوار والتعبئة في المجتمع ومع المعارضة .

لماذا تبدو التطورات في هذه المرحلة الانتقالية شبه حتمية، متسارعة، وبعضها دراماتيكي، تتجاوز بخطورتها الوحدات والأطراف الجزئية، تتجاوز الجميع إلى مستوى المسّ الخطير بالمصالح الوطنية العليا؟ لماذا تمتلك كل هذه القدرة على التأثير الشامل والتغيير؟ وتفترض بالمقابل سياسات وتحالفات وأطر ووسائل ذات طابع وضرورة موضوعية، وعلى مستوى عالٍ من العقلانية والوعي الذاتي والشعور بالمسؤولية؟

تكمن الإجابة في العوامل والأسباب التالية، وأشكال ترابطها، والتفاعلات المحتملة عن ذلك.

1 ـ إن إستراتيجية النخبة القيادية الأمريكية، على المستوى الاجتماعي- الطبقي- والمصالح الاقتصادية بكل اتجاهاتها: ديموقراطيون وجمهوريون وما يمثله كل منهما ( مع فوارق في الاستخدامات التكتيكية للوسائل المتاحة و وتائر الحركة ) بشكل خاص الإدارة القائمة، ذات إستراتيجية صلبة أو عنيدة في إعادة صياغة المنطقة، وفي الأولويات منها سوريا، نظاماً، ومجتمعاً، وقيماً، ولعباً على التركيبة الداخلية السورية الهشة، لتحويلها إلى علاقة ونظام مكوّنات، لمستقبل علاقات تبعيّ مع الكيان الصهيوني، (الوضع العراقي مثالا، وما هو مطلوب لسوريا، أو لإيران، أو لبنان، أو فلسطين لن يكون أقل مأساوية وتدميراً ) وهي حتى الآن غير مستعدة لإبداء أي مرونة للحوار والمساومة مع النظام ، على الرغم من إبدائه الكثير من الاستعداد، وتبذل كل جهد لمتابعة الضغوط، عبر التأثير على المؤسسات الدولية وانتزاع قرارات، أو عبر الأنظمة العربية الأخرى للمزيد من العزل، أو عبر التدخل المباشر في الفعل السياسي السوري الداخلي وتأمين اختراقات في القوى السياسية والاجتماعية، وترتيب الشروط للدفع به إلى حافة الهاوية، وليس مستغرباً أن تقدم الإدارة في الوقت الفعّال المتبقي لها أو الكيان الصهيوني، على عمل مباشر تجاه سوريا أو أطراف أخرى في المنطقة ( حزب الله – إيران )، تؤدي إلى سلسلة تفاعلات توصل بدورها إلى الأهداف المطلوبة في سوريا، على الرغم من الصعوبات الشديدة التي تواجهها إستراتيجية الإدارة الأمريكية في المنطقة ، ووصول الحوار والخلافات بشأنها إلى النخبة على مستوى القمة، بل حتى إلى المجتمع الأمريكي .

2 ـ إستراتيجية النظام السوري في مواجهة ذلك، والفصام الحاصل فيها، وجهه الأول: الاستعداد للمساومة بشرط أن تلحظ الإدارة مصلحته في السلطة، وتركه بدون هذه المتابعة والضغوط ليستقر، ومن جهة أخرى لحظ مصلحته في عملية تسوية مع إسرائيل لإعادة الجولان بشروط مناسبة من منظور وطني سوري عام في حدوده الدنيا، لا يستطيع أحد أن يتجاوزه بما فيهم النظام. ووجه الفصام الثاني هو الممانعة بسبب الاضطرار إلى ذلك، ورفض الإدارة لأي مساومة أو مرونة حتى الآن، بل متابعة الضغوط والتهديدات. كذلك بسبب تاريخ وحساسية المسألة الوطنية في سوريا.

بين وجهي الفصام المذكورين، يتابع النظام نهجه ومجموعة سياسات رئيسية على أكثر من صعيد واتجاه، فتبدو العلاقات التحالفية الخارجية واللعب على السياسة الخارجية، كأنها بديل للسياسات الداخلية. بالطبع هو شيء صائب أن يعقد النظام مجموعة تحالفات تقوم على أساس التناقض مع الإدارة الأمريكية وحلفائها في مثل الوضع والشروط القائمة، لكن أن يكون هذا بديلا للعلاقات والسياسات الداخلية مع المجتمع والمعارضة، المفترض أنها الحاسمة في أي أزمة وطنية، بل متابعة نهج احتكار السلطة والقمع المتنوع ومنع أي حراك، واعتبار الداخل أكثر خطورة، والامتناع عن أي إجراء قانوني أو سياسي ذي طابع ديمقراطي أو انفتاحي بالحدود الدنيا، فإن مثل هذا سيساهم بقوة في خطورة التطورات والآثار، وسيسمح للإدارة الأميركية ولكل من لديه أجندة سياسية خاصة أن يستغله، كذلك في إطار التطورات الذاتية للنظام من منظور اجتماعي ـ طبقي واقتصادي؛ البنية، وانزياح المصالح الطبقية ، الانزياح والتغير العميق في القاعدة الاجتماعية القديمة للنظام، خاصة الأعداد الهائلة من المنتسبين إلى حزب البعث، والأعداد الهائلة العاملة في مؤسسات الدولة المتضخمة، والتطورات الرأسمالية المجنونة الحاصلة في سوريا بقيادته وإشرافه، واضطراره بحكم التطورات البنيوية لتنفيذ سياسات المؤسسات الرأسمالية الدولية، أو اللعب بالتطورات الاقتصادية الداخلية على حساب الشعب، وترك سياساته القديمة في ضبط المعادلة الاقتصادية ـ الاجتماعية وردود الفعل الانفجارية المحتملة ووضع كل ذلك في إطار المساومة السياسية مع العالم الخارجي، وأنه على استعداد أيضاً لتنفيذ سياسات اقتصادية تخلق الشروط الأكثر ملاءمة للتطورات الليبرالية الاقتصادية المتوحشة في سوريا.

إن الإسراع والركض للتخلي النهائي عن سياسات الدعم والخدمات وجنون الأسعار الذي انطلق، ولن يستطع أحد وقفه عند حد، كل ذلك سيساهم أيضاً في خلق تطورات دراماتيكية خطرة: مجتمع وشعب تزداد شروطهما بكليتها صعوبة، بدون حريات، بدون قدرة على التعبئة والتنظيم، مع هشاشة اجتماعية عالية، تراكمت على مدى طويل من سياسات العزل والردع ومنع أي حراك، كل هذا يمثل أيضاً شرطاً ملائماً جداً لاستغلاله من قبل الإدارة الأميركية، أو أي عامل خارجي تدخليّ

3 ـ في هذا الصراع، تكاد تغيب القوى الأخرى الفاعلة، أو يكاد يغيب تأثيرها في المجتمع السوري، أولاً وأساساً بحكم طبيعة النظام، احتكار السلطة ومنع الحراك بالقمع المعمم، وثانياً بسبب تعقيدات الشرط السوري تاريخياً بين الوضع الاجتماعي والوطني، وجدلهما على المسألة الديموقراطية، ثم اختلاف الاجتهادات ووجهات النظر على ذلك ومسؤولية القوى الوطنية والديمقراطية عن أخطائها في الأساس، أو استمرار سياساتها الخاطئة، وانقسامها على ذاتها انقسامات حادة بين جبهة النظام والمعارضة، أمّا الوضع داخل صفوف المعارضة فيمكن وصفه بأنه ممزق أيضا بين أطر مختلفة، وداخل تلك الأطر هناك خلافات حقيقية، وعلى الرغم من الأشواط التي قطعت ديمقراطياً لضبط ذلك بمبادئ ووثائق وتعهدات، إلاّ أن الخلافات تتقدم وتجري عملية انسحاب من الاتفاقات والوثائق، ربما أيضا بسبب تعقيد الشرط السوري في المسائل الأساسية، ووصول البعض إلى قناعة عميقة أن أي تغيير غير ممكن في سوريا بشروطها الداخلية فحسب، فالنظام قد أغلق ذلك ولا بد من دور حاسم للعامل الخارجي بصورة أو بأخرى، لكن هذا الأمر يؤكد مسؤولية المعارضة في عدم ضبط خلافاتها، أو عدم التزام بعض أطرافها بالاتفاقات التي وقّعت عليها، أو عدم إثبات هذه الأطراف ومن ثم المعارضة بالملموس أنها طوّرت بنيتها وثقافتها الديمقراطية وتجاوزت النظام وجبهته، إنها مسؤوليتها في غياب التحديد الواضح والدقيق لمهماتها وبرنامجها ووسائلها، وبشكل خاص مفهوم التغيير الديمقراطي التدريجي السلمي الآمن، وتحديد الأخطار الداخلية والخارجية بوضوح، هذا الوضع سيعمق الخلافات والشروخ ويرفع من مستوى مسؤولية المعارضة في عدم تحولها إلى قوة قادرة على لعب دور أولي في مواجهة خطر التطورات المحتملة.

* بعد ذلك كله: أين تتركز المعارك الأساسية في الوطن السوري، ما هي عناوينها، كيف تستقطب النخب والقوى والفعاليات عليها، وما هي الاحتمالات الحركية في ذلك؟

أولا- في الحقل الديمقراطي والحريات ومحتوى وشكل النظام السياسي المطلوب للمجتمع السوري، عملية التغيير الديموقراطي وكل ما يتعلق بها من العامل الخارجي إلى المعاني الفعلية للتعابير والمصطلحات: تدريجي، سلمي، آمن، الخ.. البعض يرى المهمة المركزية هنا، بل مجموع قوى وإطارات المعارضة ترى ذلك، ولا توجد خلافات على هذا الصعيد، لكن البعض يرى فيها مهمة وحيدة حتى تتحقق، والمطلوب صب الجهود فقط من أجلها، وأي حديث آخر عن مهمات أخرى ، يفترضه شيئا يصب في خندق النظام، والبعض يراها مهمة مركزية وضرورية بحد ذاتها، كما أنها ضرورية ومفتاحية لمواجهة كل التحديات والمخاطر والتطورات المحتملة، وهي خاضعة للشروط، قد تتقدم أو تتأخر في إمكانية التحقق، وقد تحصل انزياحات في المهمات والضرورات، خاصة على صعيد المسألة الوطنية، أو المسألة الاجتماعية، ليس هذا فحسب، بل بحكم المسارات الزمنية للوقائع، فإن المسألة الديموقراطية لن تتحقق غداً أو بعد غد، مما يجعل من المسألة الوطنية قضية واقعة على عاتق المعارضة، وتفترض تحديداً للموقف من الأطراف الخارجية، خاصة الولايات المتحدة عبر نظامها بصفتها خطراً حقيقياً، فأجندتها السياسية وكامل ممارساتها في المنطقة تتسبب بمخاطر شديدة على الوحدة المجتمعية والوطنية، وعلى كامل مستقبل العلاقة الصراعية مع الكيان الصهيوني.

ثانياً – في الحقل الوطني والنظر إلى الخطر الخارجي بصفته يحدد المهمة المركزية، والبعض يرى أيضاً ضرورة صب كل الجهود لمواجهة هذا الخطر، وأي جهد أو رؤية أخرى مثلاً في المسألة الديموقراطية يراه يصب في الخندق الأمريكي أو الخندق الليبرالي الجديد، وهنا تحاول القوى الشيوعية الواقعة تاريخياً داخل جبهة النظام، أو تلك البينية، أن تتميز بالمطالبة بتحسين الشرط السياسي الديموقراطي، لتحسين الشروط من أجل مواجهة الخطر الخارجي، كذلك الشروط الاجتماعية والاقتصادية للطبقات الشعبية، دون أن ترى المهمة المركزية في الحقل الديموقراطي، أو دون أن ترى فيها شيئاً مفتاحياً .

ثالثا – في الحقل الاجتماعي حيث يتفرد الشيوعيون واليساريون القوميون بالاهتمام وإبداء التخوفات من التطورات الجارية ومستقبلها، التخوف بشكل خاص من التغول والتوحش في التطور الرأسمالي السوري الذي يقوده النظام، أو يندفع إليه موضوعياً وذاتياً، كما يقوم احتمال طرحه من جهة النظام للمساومة السياسية على حساب المجتمع والطبقات الشعبية، إذ في حقيقة الأمر يبدو لأي مراقب ـ حتى غير مدقق ـ بأن النظام قد أنجز الأرضية شبه الكاملة والفعلية للتطورات الليبرالية الاقتصادية المتوحشة، بحيث يجعل المرء يتساءل فيما إذا كانت نخبة “الليبراليين الجدد” في سوريا تعرف ذلك أم لا! وفي حال قيام مساومة بين الولايات المتحدة والنظام، فهل سيمتدحون أو سيدافعون عن الفئات الرأسمالية التي خلقها النظام، أو يتحولون لطليعة في خدمتها، أو أنهم في حقيقة الأمر هم كذلك حتى بدون قيام هذه المساومة، أليست هذه أهم الحقائق الطبقية والاقتصادية والاجتماعية، وإن كانت المسألة ثقافية وفكرية وسياسية وتتعلق حصراً بالوجه الديموقراطي، أليس بإمكان المرء أن يكون ديموقراطياً دون أن يكون رأسمالياً، أو طليعة للرأسمالية، خاصة من كان منهم في موقع اليسار حتى البارحة، أو لا يزال يدّعي ذلك !

** من يطّلع على تقارير وبيانات القوى الشيوعية في جبهة النظام يستطيع التأكد من تخوفاتهم الاقتصادية والاجتماعية التي تسبب وسيتسبب بها النظام، تخوفاتهم من كامل الإنجاز الاقتصادي وكيفية تأثيره في تمهيد الأرض، بل التقدم الفعلي للنفوذ الليبرالي الخارجي والداخلي. بل هناك تخوفات وحسابات أنه ربما حانت اللحظة الذاتية من جهة النظام ليقول لهم: لا يمكن تحملكم بعد الآن على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، لأن الشروط الموضوعية لمثل هذه اللحظة قطعت شوطاً طويلا جداً وعميقاً.

في تلك الشروط أو اللوحة المعقدة والمتحركة، بينما يعبر الوطن مرحلة انتقالية من التطورات، نعتقد فيها أن النظام سيحافظ على نهجه وسياساته العامة خاصة مع إصرار الإدارة على رفض المساومة، كما نعتقد أن الاتجاه الليبرالي ـ الاقتصادي وليس بالضرورة الديموقراطي- الوطني، سيصبح أكثر وضوحاً، أو أقل نفاقاً فيما يتعلق بالعامل الخارجي السياسي، وسيتخلى بعضه عن الاتفاقات التي عقدها بهذا الخصوص داخل أطر المعارضة، بشكل خاص مع احتدام التطورات، كما ستجد القوى الشيوعية واليسارية نفسها أمام وقائع موضوعية صريحة واضحة، تسمح لها بالبحث الجاد عن التقاطعات الفعلية على الأرض، على الأقل في الحقل الاجتماعي الطبقي، أو الحقل الوطني، وبعض المطالب الديموقراطية الجزئية. وكلما تقدم الخطر الخارجي، وخطر التحولات الاجتماعية الرأسمالية ( أو بالأصح الليبرالية )، ستجد نفسها أكثر فأكثر مضطرة للبحث عن إطار مشترك ( تجمع اليسار الماركسي ” تيم” كمثال )، على الرغم من إمكانية استمرار الإطارات الأخرى، والتواجد غير الثابت للقوى المختلفة داخلها، أو تواجدها في أكثر من إطار إما بسبب عدم اندفاع التطورات إلى نهاياتها، أو بسبب الحسابات التكتيكية واللعب السياسي السوري الموارب لبعض القوى، أو بسبب استمرار النظام بنهج القمع والرهابات التي يخلقها

هذه قراءة ترى أن العمل على الحوار والتنسيق المشترك وصولاً إلى وحدة عمل اليسار على أكثر من صعيد، هو شيء له أساس موضوعي واضح وعميق، وأن المبادرات التي صدرت عن أكثر من جهة شيوعية حول الحوار والتنسيق، وإعادة الحياة لشعار وحدة الشيوعيين، ووحدة عمل اليسار، ليس شيئاً فانتازياً، بل شيئاً يقوم على الضرورة، لكن بين الضروريّ والممكن وبين الواقع الفعلي تعقيدات كثيرة ومسافة قد تكون طويلة، المهم فيها هو الخطوة العملية الأولى. فهل ننجح بها ؟ نهاية الجزء الأول

فلنناضل مع الطبقات الشعبية لمواجهة موجة الغلاء المنفلت من عقاله، وفي سبيل:

1- رفع الأجور والرواتب بما يتناسب مع ارتفاع الأسعار

2- تحسين مستوى معيشة الطبقات الكادحة وجماهير الشعب

3- الدعوة والمبادرة لتشكيل لجان شعبية مستقلة لمراقبة الأسعار، ولحماية المستهلك

4- سياسة قروض تسهيليّة لجماهير الشعب؛ فوائد أقل وزمن أطول

تعتذر هيئة تحرير “طريق اليسار” في عددها الأول عمّا سقط من مقالة ”سلامة كيله“:

حول وحدة الشيوعيين” . و تنشره في هذا العدد للأمانة

..من “التجميع الكمي” على الإطلاق، بل يتأتيان من مقدرتهم على أن يصبحوا جزءاً من الطبقة التي يعتبرون أنهم يمثلونها، لأن ذلك وحده هو الذي يحولهم إلى قوة فاعلة. هنا يعاد طرح مسألة الرؤية السياسية الضرورية لاندماجهم في الطبقة، لكي يعبروا عن مصالحها ومشكلاتها و بالتالي رؤيتها. وهنا لا تكفي تسمية شيوعي من أجل الوحدة، بل يجب تحديد موقع الشيوعيين في الصراع الطبقي. لا يكفي “التجميع الكمي” بل يجب التحديد السياسي الصحيح. وهذه مسألة كانت مجال خلاف بين بعض الأطراف الشيوعية في مرحلة من المراحل، لكنها كما أشرنا لم تكن أساسية في معظم الانشقاقات التي حدثت.

إن البدء بتحديد الأساس الذي يمكن أن تنبني عليه الوحدة مسألة حاسمة من أجل تشكيل قوة فاعلة، وأيضاً وحدة حقيقية. والأساس هو الموقع في الصراع الطبقي. وانطلاقاً من هذا الأساس يجب مناقشة الخلافات التي تخترق الشيوعيين، من أجل تحديد ممكنات التوافق الذي يمكن أن يفضي إلى الوحدة.

وإذا حاولنا تلخيص هذه الخلافات سنجد أن أساسها واحد، ويتمثل في الفصل الصارم بين السياسي والاقتصادي (وهو الأمر الذي يضيّع المنهجية الماركسية). أو لنقل تهميش الاقتصادي لمصلحة السياسي. والذي يمكن تحديده في شكلين، الأول: فصل الوطني عن الطبقي، والثاني: فصل الدولة عن أساسها الاقتصادي. الأول أفضى إلى أن يتحول النضال ضد المشروع الإمبريالي إلى أساس، وأساس وحيد، وبالتالي تكون النتيجة تبرير التحالف مع السلطة. والثاني أفضى إلى التركيز على الديمقراطية وتجاهل المشروع الإمبريالي، كما المشروع الاقتصادي المحلي. وفي كلا الحالين ضاع الطبقي أو تهمش.

هذا ما يمكن أن نلمسه في مبادرة اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السورين من أجل توحيد الشيوعيين، حيث جرت الدعوة إلى العمل المشترك “فيما يخص القضايا السياسية الكبرى” (هنا المشروع الإمبريالي الصهيوني)، و”القضايا التي تمس مصالح الجماهير الشعبية المباشرة” (أي القضايا المطلبيّة) (جريدة قاسيون، العدد312 تاريخ 30حزيران 2007). وهو ما نلمسه كذلك في مقال الرفيق حنين نمر (جريدة النور، العدد 302 تاريخ 25تموز 2007)، حيث يشير إلى ضرورة..

وحدة اليسار- واقع وطموحات

عمران كيالي

تفعيل الحوار، وزيادة تقارب وجهات النظر، هو الغاية الأولى من هذه المساهمة، إضافة إلى ممارسة الحق في إبداء رأي، يختلف ويتفق.

قد يجد القارئ بعض الفقرات خارج السياق، وهذا حق له، كما هو حق لي أن أسمع بعض الاعتراضات وبعض التصحيحات والإضافات….

موضوع وحدة اليسار، لا شك، موضوع هام، ولا تستطيع مقالة صغيرة، متواضعة كهذه، أن تلم دفعة واحدة، بجميع المقدمات والوقائع والطموحات

بدايةً، أعتقد، بكثير من الثقة، إن الطبقة العاملة في معظم، إن لم يكن كلّ، البلدان النامية، المتخلفة، أو ما يسمى بلدان العالم الثالث، اختر ما شئت، غير مؤهلة لقيادة عملية التغيير، وكذلك أحزابها.

هذا الاعتقاد يستند إلى مقدمات موضوعية وذاتية، أهمها:

1-لا يستطيع أي بلد من هذه البلدان، منفرداً بنفسه، تحقيق تراكم رأسمالي يؤدي إلى صناعة متطورة، وبالتالي تشكل طبقة عاملة، واعية لذاتها، منظمة.

2- يحمل العاملون في هذه البلدان الرواسب القبْلية (من التشكيلات ما قبل الرأسمالية) من عادات وتقاليد ووفاء للأعراف العشائرية، الدينية، العرقية

3-افتقاد معظم ، إن لم أقل كل، هذه البلدان، إلى تقاليد ديمقراطية تسمح بتسييد مفهوم المواطنة والمساواة بين الجميع، وحقوق الإنسان، وتعطي الجميع حرية إبداء الرأي والدفاع عنه، وحقوق النضال والتجمع والإضراب

بالنسبة إلى النموذج السوري، فقد أدى قانون الطوارئ إلى موات سياسي، لا تزال البلاد تعاني من آثاره حتى الآن، وتتفق على ضرورة إلغائه جميع التيارات اليمينية واليسارية والوسطية.

4-تخلف ما يسمى أحزاب (شيوعية وغير شيوعية) الناتج عن تخلف البيئة التي جاءت منها.

5- لم يخرج القادة الشيوعيون، مثل غيرهم ، عن نمط الإنتاج الآسيوي: التمسك المرضي بالزعامة، عقلية القطيع (المرياع) ، وشيخ العشيرة، عميد الأسرة، الأب الروحي، وغيرها من هذه المفاهيم، التي تزيد لدرجة المبالغة من دور الفرد على حساب العمل الجماعي، والحوار المثمر، والقبول بالاختلاف.

6- دأبت الأنظمة في هذه البلدان على فرض هيمنتها على النقابات والاتحادات وتحويلها إلى منظمات ذيليّة.

خطوة في الاتجاه الصحيح، لكن، ورغم ما سبق، ومنذ بضع سنوات، بدأت بعض القوى السياسية، ولا أقول أحزاب، حواراً إيجابياً يهدف إلى:

1- تخليص نفسها من حالة الانعزال والتقوقع، التي فرضت عليها، إما بسبب سياساتها النخبوية، التي أدت إلى انحسار جماهيريتها، أو بسبب الملاحقات التي طالتها من قبل الأنظمة الحاكمة، أو بسبب ضعف أدائها السياسي الذي يؤدي ميكانيكياً إلى انعدام ثقة الجماهير بها.

2-إعادة الحياة السياسية في البلاد إلى وضعها الطبيعي ، بما يعني التركيز على النضال الوطني الديمقراطي. يقول ماركس، بما معناه: إن النضال من أجل الديمقراطية لا يقل أهمية عن النضال من أجل الاشتراكية.

3-التصدي لمشروع الشرق الأوسط الكبير، ورموزه الداعين إلى اللبرة والخصخصة ومصمصة خيرات البلاد ونهبها.

4-توعية المواطن وإخراجه من حالة البطالة والعطالة، وتحسين مستوى معيشته، وكسر حاجز الخوف لديه، باتجاه نقله إلى الفعل النوعي.

وهكذا نرى أن النضال من أجل الديمقراطية أخذ مكانه بين بعض القوى اليسارية، بينما يبقى لدى البعض الآخر مغيباً، أو مهملاً عن قصد، حيث أنه يتعارض مع عقلية (المرياع) ، ولأن نماذج الدولة الاشتراكية التي ظهرت في القرن الماضي لم تكن كلها ديمقراطية، بل كان بعضها استبدادياً (رومانيا مثلاً).

وعلى مبدأ فاقد الشيء لا يعطيه، فقد قامت هذه القوى اليسارية بمراجعة سياساتها السابقة، واجتهدت نظرياً وعملياً من أجل إعادة بناء تنظيماتها، وتبين أن القدرة على الاستفادة من أخطاء الماضي، والاستفادة من تجارب الآخرين، وربط الأفكار والممارسات بالزمان والمكان، هي ملكة غير متوفرة لدى جميع الشيوعيين.

بذا أصبحت هذه التنظيمات قادرة ، نسبياً على النضال الديمقراطي، وبدأت الخطوة الأولى نحو إحياء الروح النضالية، وتحسين الأداء، وتحسين العلاقة مع الجماهير، عبر إيجاد لغة تواصل متجددة، يقول ماركس: عندما يطور المستغلون (بكسر الغين) أساليب استغلالهم، فعلى الشيوعيين أن يطوروا أساليب نضالهم.

لذلك أصبحت مفهومة لدى القوى السياسية ، خاصة اليسارية، مسألة الدمج بين المهام الوطنية والاجتماعية-الاقتصادية، والديمقراطية. وقد لحظنا هذا الدمج لدى اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين، ولاحقاً لدى تجمع اليسار الماركسي في سوريا (تيم).

وقد أفرزت هذه القوى اليسارية كوادر جديدة، تملك نظرة نقدية لكل القيادات السياسية المترهلة، التي فقدت القدرة على تجديد نفسها. وأخذت على عاتقها تحقيق مهمات، تبدو للوهلة الأولى، عصية على التحقيق، إذا لم نأخذ بعين الاعتبار التحولات الجارية في العالم منذ العقدين الأخيرين ، ومنها بداية الأزمة العامة للرأسمالية، والسائرة (التحولات) باتجاه حروب هنا وهناك تفتح على الإنسانية احتمالات عديدة كارثيّة ومدمرة.

الديمقراطية التي تتحدث عنها هذه القوى تختلف عن كل الأوهام التي تصدرها لنا وسائل الإعلام. أقول مبدئياً أنها ديمقراطية الأكثرية، وهذه لا تشبه أبداً حزباً جمهورياً يتبادل السلطة مع حزب ديمقراطي، أو حزباً عمالياً (بالاسم) يحلّ محلّ حزب المحافظين، بينما الجميع يتماثل في الرداءة، الجوهر الاستغلالي الإقصائي.

إن مقاومة الأنظمة الاستبدادية في دول العالم الثالث يأتي ضمن سياق النضال ضد الرأسمال المالي العالمي الاحتكاري الصهيوني الأمريكي كما يأتي ضمن النضال الوطني الديمقراطي عندما يسمح لأوسع قوى شعبية، وطنية، برجوازية صغيرة مستَغلة، مهمشة، حماة بيئة……….. بالانخراط، شرط تجاوز حاجز الخوف، والمبادرة فوراً إلى ممارسة الحق الطبيعي للإنسان في الدفاع عن لقمة عيشه وكلمته وكرامته.

على المستوى الوطني، يتوضح الاصطفاف أكثر فأكثر، فالبورجوازية الطفيلية والبيروقراطية تتحول شيئاً فشيئأ إلى كومبرادور ووكيل للاحتكارات العالمية، وتنتفي عنها الوطنية تدريجياً، أما البورجوازية المتوسطة فتتحول إلى صغيرة طالما أن الاحتكارات تتوسع وتزداد شراستها مع ازدياد حصتها من الدخل الوطني. وتضمحل الفواصل بين الداخل والخارج، كلما قامت الأنظمة بتقديم التنازلات لجلالة الرأسمال العالمي وصندوق النقد الدولي الساعي إلى تقديم القيود باسم القروض.

إن الوقوف في وجه هذه المخاطر، يتطلب جهوداً جبارة. وأن يساراً مشرذماً لا يقدر على الصمود والمواجهة (في سورية مثلاً نلاحظ: اليسار التقليدي، اليسار على أرضية قومية، اليسار الإصلاحي، اليسار في طور التكوين، اليسار الإسلامي).

وحدة اليسار، كما أراها، ضرورة تفرضها الظروف الحالية لكنها، هذه المرة، يجب أن تكون مبنية على أسس واقعية متينة وصالحة لمواجهة الاستحقاقات القادمة.

ولذلك نلاحظ:

1-أن الحوار الذي بدأ بين التيارات والفصائل والمجموعات اليسارية يتوجب أن ينتقل فوراً إلى العمل المشترك ميدانياً.

2-الاتفاق على آلية ديموقراطية، تقر، ليس بوجود خلافات في الرأي والممارسة فحسب، بل بضرورتها وضرورة آلية نقدية تتجاوز عبادة النصوص والأصنام.

3-الاتفاق على برنامج الحد الأدنى، برنامج يركز على القضايا الوطنية والاجتماعية والديموقراطية.

4-من الضرورة بمكان أن تكون نواة وحدة اليسار السوري هي وحدة الشيوعيين السوريين. من المبكر البحث في الوقت الحاضر، ولضيق الوقت، عن أطر تنظيمية لليسار الموحد. أرى مناقشة شكل هذه الأطر وسبل تشكلها بالارتباط مع نتائج العمل الملموس. وجعل الكوادر تفرز نفسها تلقائياً، ديموقراطياً، ومن تحت إلى فوق. فالتحت هو القاعدة التي تمسك التنظيم وتربطه بالجماهير، وكلما كان التحت قوياً كلما كان التنظيم قوياً وقادراً على القيام بدوره.

5-التركيز على مفهوم المواطنة كمدخل لحل المشكلات الطائفية والقومية.

6-التفريق، وعدم الخلط بين الأيديولوجية والعمل السياسي.

أخيراًَ، جهدت قدر المُستطاع في الابتعاد عن التنظير، حاولت أكثر أن أعتمد على الانتقال من العام إلى الخاص وبالعكس. قد يكون هذا الكلام بحاجة إلى إعادة ترتيب، أو إلى التوسع في جوانب، تدقيق في جوانب، إضافات. عسى أن يتم ذلك من خلال مساهمات القارئ.

حلب، 1 /9 /2007

====================================================

النزعة الثأرية في السياسة

محمد سيد رصا ص

يلاحظ في البلدان التي تفتقد إلى التماسك المجتمعي بين مكوناتها, مثل العراق والسودان وأفغانستان, طغيانٌ للنزعة الثأرية على ساحة العمل السياسي بين القوى القائمة, وفقدان للتواصل بينها عند نقطة وسط . رأينا ذلك في العراق؛ علاقة البعث والشيوعيين منذ عام1959 وحتى تواصلهما المؤقت (في جبهة1973- 1978) لم يكن أكثر من نتيجة للضغوط السوفياتية على الشيوعيين العراقيين والتي كانت تتعلق بحسابات موسكو في المنطقة, ثم في علاقة(حزب الدعوة) و(المجلس الأعلى) مع البعثيين. في أفغانستان: علاقة (تحالف الشمال) مع (الحزب الإسلامي- حكمتيار) و(الطالبان). السودان:علاقة الشيوعيين والإسلاميين بين عامي 1971-1999, ثم في فقدان التواصل بين حزبي الترابي وصادق المهدي (1989-1999), وحتى إذا حصل تلاق بين قوى سياسية فإن ذلك كان يتم على أساس تمثيلها لجماعات كما حصل في (مشاكوس) و(نيفاشا) بين السلطة وجون غارانغ, يكون الحكم بينها إما (الكونفيدرالية) أو (حق تقرير المصير) , عبر مرحلة انتقالية يتم فيها توزيع الحصص والمناصب (والمناطق) وفقاً لآلية تفترض لا اندماجية هذه الجماعات في البلد المعني, وهو ما يحصل الآن أيضاً في بغداد وكابول.

قادت هذه النزعة الثأرية, في البلدان الثلاثة المذكورة, إلى نزعة التحاقيّة بالخارج , سواء كان إقليمياً أو دولياً, للاستقواء به على الداخل المضاد من أجل تعديل التوازنات الداخلية (السودان), أو للإطاحة به عبر تشكيل ستارة محلية للخارج الغازي من أجل إنشاء مشهد سياسي جديد كلياً (كابول2001، بغدداد2003).

لا يلاحظ هذا, في الحالات الثلاثة الآنفة,على القوى السياسية ذات البعد الأيديولوجي فقط وهي التي تحاول الامتداد (أو تمتد) إلى إطار وطني متجاوز لحدود الجماعات المحلية (مراهنات شيوعيي السودان والعراق على الخارج الأميركي في التسعينيات, فيما كل الشيوعيين المتمسكين بماركسيتهم, خارج البلدين المذكورين كانوا في خندق مضاد لواشنطن ، إضافة إلى استعانة الشيوعيين الأفغان بموسكو ضد الإسلاميين, فيما الأخيرين مدوا أيديهم إلى الخارج الإقليمي (باكستان) حتى قبل غزو موسكو لكابول في أواخر عام1979). يُلمس ذلك أيضا وبالذات عند الحركات والأحزاب ذات الطابع الفئوي (أقلية قومية / الطاجيك والأوزبك في أفغانستان+ أكراد العراق ، أو عند أقلية عرقية أو قبلية /الزنوج السودانيين في الجنوب عبر قبيلتي الدينكا والنوير إضافة إلى الأفارقة في دارفور الذين لم يمنع تحدر حركتيهما الرئيسيتين من فصيلين أيديولوجيين: الشيوعيون (حركة تحرير السودان) والإسلاميون (حركة العدل والمساواة) من أن تمَدا أيديهما وتراهنا على الخارج. أيضاً ، أقلية طائفية أو أكثرية طائفية محلية تتصرف كأقلية بحكم الواقع الإقليمي، الخ

أدت (النزعة الثأرية), هناك, إلى “غضبة مُضريّة” لا تلوي على شيء إلا التهمته, قادت عملياً- في بلدان تفتقد الاندماج المجتمعي والجسور الواصلة- إلى نسج تحالفات مع قوى دولية وإقليمية دمرَت المشهد الداخلي برمته ووضعت البلد بيد الأجنبي (أفغانستان، العراق), أو إلى رهنه للأجنبي الذي أصبح قادراً, عبر الملفات الداخلية المشتعلة, على وضع البلد والحكم القائم أمام مسارات إجبارية يحدِدها هو(السودان).

يلاحظ ,في الفترات الأخيرة, امتداد (النزعة الثأرية) إلى بلدان متماسكة اجتماعياً, عند معارضة تفتقد الفعالية والبعد المجتمعي الداخلي, كما يلمس في سياسات (مجاهدي خلق) في إيران, وأيضاً في مصر وسوريا حيث بدأت تطُل برأسها ظواهر مماثلة في المعارضة في البلد ين العربيين المذكورين .

ربما تعبّر مجريات هذه التطورات السياسية عن أكبر عملية “إعادة تشكيل” للشرق الأوسط يجريها الغرب على المنطقة منذ تلك العملية التي قام بها في عام 1918. وإذا كانت هذه المجريات تتضمن تلاقيات محلية مع غزو خارجي فإنها أيضاً تعبر عن شكل من التفكك في البنى الداخلية للبلدان المعنية وعن فشل مشاريع بناء “الدولة الوطنية” فيها. بالمقابل، لا نلاحظ , في مجرى تشكل المشهد الحديث للغرب الأوروبي, بروز اتجاه التحاقي بالأجنبي, ممزوج مع نزعة ثأرية, سوى في حالات نادرة, مثل الأرستقراطية الفرنسية المهزومة أمام ثورة1789 حتى عودة آل بوربّون للحكم في 1815, فيما كان المجرى العام للتاريخ الغربي (الأوربي) يترَكز في قواسم عامة مشتركة تظل جامعة للقوى الداخلية في كل بلد, و لاجمة لها عن القفز فوق تخوم وخطوط حمراء حتى في ذروة النزاعات الداخلية, سواء كانت سلمية أو عنيفة .

===================================================

الوطنية في سوريا والسياسة الثقافويّة / الإعلانيّة

نايف سلّوم

لم يكن كفاح المثقفين والمبدعين السوريين السياسي أمراً جديداً ؛ أي لم يكن سمة تطبع الفترة التي تجدد فيها شخص الرئاسة في سوريا اعتباراً من عام 2000 . بل طبعت هذه السمة مرحلة طويلة من تاريخ سوريا وباقي البلدان العربية ؛ امتدت من سبيعينيات القرن العشرين وحتى اليوم، سواء على مستوى ازدهار المسرح السياسي (سعد الله ونوس ، فواز الساجر ) أو ازدهار الرواية التوثيقية السياسية وأدب السجون (هاني الراهب، عبد الرحمن منيف، الخ..) أو ازدهار الشعر السياسي الفصيح والعامي (مظفر النواب ، محمود درويش، أحمد فؤاد نجم ، شعر نزار قباني السياسي ، الخ..) لكن اشتغال المثقفين والمبدعين السوريين والعرب في الحقل السياسي، ما هو إلا نضال سياسي غير مباشر بحكم احتكار السياسة من قبل الحزب الحاكم وسيطرته المطلقة على الدولة والمجتمع فعلياً وحقوقياً وبقوة الدستور. وإذا ما أشرك أحزاباً أخرى معه كيّفها وألحقها بسياساته!

لقد كان كفاح المثقفين السياسي المباشر وغير المباشر يحمل مفارقة مفادها أن رهانه الاجتماعي/الطبقي كان هو هو رهان الحزب الحاكم ؛ أي الطبقة العاملة والفلاحين والبورجوازية الصغيرة المفقرة في المدينة والريف . وكانت الشعارات السياسية موضع الرهان هي هي لكلا الطرفين: تحرير فلسطين والأراضي العربية المحتلة، ومكافحة الإمبريالية والصهيونية ومشاريعهما العدوانية في المنطقة والعالم ، وتبني الشعار الاشتراكي العقائدي، الخ.. وباعتبار أن الطبقات موضع الرهان كانت تسحب من تحت أقدام المثقفين اليساريين المكافحين بحكم إخضاعها المتواصل لعملية تكييف شديدة تبعدها عن السياسة عبر“تأهيل سياسي” نازع للسياسة ومولِّد للامبالاة والسلبية في الحياة العامة (السلبية الوطنية) ، وعبر حشرها في منظمات متنوعة من شعبية وغير شعبية ؛ كل ذلك كان يدفع بالمثقفين المكافحين في حقل الإبداع الفكري نحو اليأس من رهانهم الاجتماعي/ الطبقي، وبالتالي يدفع بهم نحو تحوّل في الرهان الاجتماعي/ الطبقي سوف يزيد من بعدهم ومن عزلتهم الاجتماعية/الطبقية، وبالتالي يقلب المسألة لديهم بطريقة درامية بحيث بات على الفن والإبداع والفكر اليساري الشعبي الأصيل أن يهجر مواقعه الطبقية “الطبيعية” وأن يستبدلها بسياسة ثقافويّة / ليبرالية غامضة تلفيقية واهمة؛ سياسة ثقافويّة حولت رهانها الاجتماعي/الطبقي من الطبقات الشعبية إلى البورجوازية “الليبرالية” الرثة بكل ألوانها وأطيافها (إسلاموية، عائلية- إقطاعية ، الخ.. ) البائدة والغابرة. هذا التحول في الخيار الاجتماعي/الطبقي جعل الانحدار بالسياسة نحو السياسة الثقافويّة ، وإرجاع ما هو سياسي إلى ما هو ثقافي أمراً من تحصيل الحاصل. وبدل أن تأمر الطبقة ومصالحها المثقفين و تبدد أوهامهم، يتوهم المثقف السوري البورجوازي الصغير- الذي حول رهانه- أن قلمه ومقالاته سوف تخلق الطبقة البورجوازية كما ينبت العشب بين مفاصل الصخر. وهذا القلب للأمور في ذهن المثقف “الجديد” أمر يمكن تفسيره على أرضية طريفة، وهي أنه من دون هذا القلب للأمور سوف يفقد المثقف “الجديد”عقله .

هذا التحليل الأولي يفسر تحول المثقفين من حقل اليسار والرهان الشعبي الأصيل إلى الحقل “الليبرالي” الواهم ، وقد قاد هذا الوهم البعض من المثقفين إلى الحقل الأميركي ورهاناته وألغامه! وذلك لحل المسألة “الديمقراطية” في سوريا . لقد كانت هذه مأساة مضاعفة، لأن الانحدار نحو “الخيار الأميركي” الإمبريالي تم تبزيغه من الوهم الأول الذي خرجت فيه الطبقة البورجوازية “القياسية” الصافية من رأس “المثقف الجديد” كما خرجت حواء كقرن ليّن من رأس آدم ؛ كفكرة من بنات أفكاره تجسدت أنوثة ورغبة حسية عمياء!

الآن، كيف لنا أن نعرض للمسألة الوطنية في سوريا في هذه المعمعة، و عبر غبار العراك الإعلاني / الثقافويّ هذا ؟ لا شك سوف تخرج المسألة الوطنية من ملعب المعارضة، ومن رهاناتها في التعبئة الجماهيرية ! لسبب بسيط؛ وهو أن الوطنية الحقّة هي خيار الطبقات الشعبيةالأصيلة من عمال وفلاحين وبورجوازيين صغار، فمشاريع هؤلاء الاقتصادية على صغرها لا يحملها سوى الوطن، وهي غير قابلة للبيع في الخارج؛ أي ليست معدة للتصدير . هذه الطبقات كانت كما رأينا قد خرجت من رهان المثقفين/ السياسويين أو المثقفين النقابيين الجدد الذين لم يعودوا يعملون لصالح أية طبقة إلا مصلحتهم الخاصة كمثقفين ولصالح “الطبقة البورجوازية” التي سوف يخلقونها ما أن تسنح لهم الفرصة لتسلم السلطة السياسية وقيادة السفينة السورية إلى برّ الأمان التاريخي!

لقد بات الكفاح من أجل الحصول على موقع أو الحصول على حصة في السلطة المتخيلة المقبلة هو الهاجس الذي يؤرق المثقف “النقابويّ”. وباعتبار أن الطبقة البورجوازية القياسية متخيلة وافتراضية ، فقد أضحت إعلانات المثقف ومقالاته النارية هي البديل التاريخي لما هو قائم بالفعل؛ لقد بات إعلانه استبدالية ساذجة ، وباتت “الديمقراطية” التي يبشر و ينادي بها مختزلة إلى حجم صندوق اقتراع! حيث نجاحه في أية انتخابات مقبلة أمر مضمون سلفاً كونه مثقف وطبقة وبديل تاريخي في ذات الوقت؛ بديل تاريخي وشعبي للاستبداد السياسي والديني وبديل للشعبويّة المبتذلة. لذا فهو مشمئز من “الديمقراطية الاجتماعية” ومن البرامج الشعبية اليسارية ومن الوطنية الاستبدادية، ومن المقاومة الوطنية الدينية والاستبدادية، الخ.. بالتالي باتت هذه “الديمقراطية ” غريبة عن كل وطنية بما فيها وطنية المواطن والمواطنة التي ترفعها المعارضة السياسويّة كشعار . وباتت مبشرة بحداثة الإمبريالية و”بإيجابيات العولمة” ، و “بالليبرالية كمفهوم فلسفي وفكري وثقافي له علاقته التاريخية بنشأة الحرية والديمقراطية”، وعلاقته لاحقاً وراهناً ، بالنزعة الإمبريالية العسكرية الإنسانية! ومتفائلة بالتدخل الإمبريالي الإنساني حامل المشروع الديمقراطي المُسلّح بالغزو والعنف والاحتلال!!

في هذا السياق أودّ إظهار قصور تحليل “معقل زهور عدي” للوطنية حين يتساءل في مقالة له بعنوان: “المعارضة السورية والمسألة الوطنية” : “هل هناك مسألة وطنية تتمثل باحتلال للجولان أم لا؟

أقول: إن اختزال الوطنية بالجغرافيا السياسية وغير السياسية أمر قاصر و مؤسف. لأن الوطنية في ذاتها مسألة المواطن؛ المتساوي في الحقوق والواجبات؛ وقبل هذا فهي مسألة هيمنة الطبقة أو تحالف طبقات التي تستطيع تحقيق هذه المساواة في الحقوق والواجبات. أي أن هذه المواطنة ليست شعاراً فحسب، وليست حكم قيمة نرفعه كرغبة مثقفين، ولا هي مطلب قائم أبد الدهر وعلى مر العصور، بل هي أمر ظهر تاريخياً مع صعود مشروع البورجوازية الأوربية 1500-1850 وقد ترافق انحطاط مفهوم المواطنة مع انحطاط هذه الطبقة البورجوازية كطبقة عالمية خاصة في أطراف النظام الرأسمالي بأشكاله المختلفة الاستبدادية والليبرالية الرثة. لم تعد البورجوازية بانتشارها العالمي كعلاقات إنتاج رأسمالية، وكملكية خاصة قادرة على تحقيق مبدأ المواطنة؛ أي مساواة جميع المواطنين في الحقوق والواجبات وفي التوزيع العادل للثروة القومية، الخ.. بالتالي تحولت في المراكز الرأسمالية إلى إمبريالية غازية وظالمة ومعتدية على الشعوب المستضعفة والمتخلفة ، وتحولت سلطتها في أطراف النظام الرأسمالي إلى سلطة جزئية أو سلطة تشبه سلطة الميليشيا لا تشمل كامل أراضي الوطن البورجوازي. بالتالي فقدت البورجوازية قدرتها على تجسيد السيادة القومية، ومعها فقدت سمتها الوطنية ؛ في المركز الأميركي تحولت إلى إمبراطورية من جديد بعد أن دمرت الإمبراطوريات في العصر الوسيط ، وفي باقي البلدان الرأسمالية تآكلت السيادة الوطنية . وأنا لا أذرف الدموع هنا على الحدود القطرية صناعة الاستعمار، بل أوصّف ما فقدته البورجوازية كمشروع هيمنة وسلطة سياسية، وما ورثته الطبقة العاملة كمشروع سياسي ديمقراطي حق في تحولها الممكن إلى الطبقة القومية الحقّة والوطنية الحقة، كما ظهرت تاريخياً في الصين والفيتنام وغيرها من الدول التي قاد تحديثها وهيمنت عليه الطبقة العاملة ومشروعها الاجتماعي/السياسي. من هنا يمر مشروع المواطنة والوطنية الحقّة عبر نمو مشروع الطبقة العاملة السياسي كطبقة قومية ووطنية بامتياز. هذا المشروع الذي سوف يجعل من الرابط بين الديمقراطية (ديمقراطية اجتماعية وحريات سياسية ) من جهة وبين القومية والوطنية رابطاً عميقاً وحقيقياً . ويجعل إمكانية تحرير الأجزاء المحتلة من الوطن إمكانية قائمة وحقيقية . ويدفع ازدهار الشعب وإبداعاته إلى الأمام، ويقوى الحس الأُمميّ والتضامن الإنساني العميق .

====================================================

قل لي ماذا تقرر، أقل لك من أنت!

منصور أتاسي

نكتوي جميعنا بنتائج الأزمة الاقتصادية التي تؤثر على غالبية أبناء شعبنا من الفقراء إلى أصحاب المهن العلمية إلى البرجوازية الصناعية. نقول الفقراء لأن ذلك يشمل العمال والفلاحين والحرفين والموظفين والباعة الصغار وأصحاب وسائط النقل ، الخ..

فأزمة المازوت تزداد يوما بعد يوم ’وتحذر من خطورتها أجهزة الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة.وبدلا” من استجابة الحكومة لتحذيرات الإعلام, وتقديم الجهد اللازم للخروج من الأزمة ,خصوصا” في هذه الأيام الشديدة البرودة , فالواضح أن الحكومة تتجاهل النداءات، و الأزمة تزداد قسوة, وحسب ما نقلت إحدى الإذاعات السورية, أثناء تغطيتها لواقع الأزمة في أحد أحياء دمشق الشعبية، حيث كانت تناشد المسؤولين (الغائبين) عن مكاتبهم – بسبب عدم قدرتهم على الرد – بإرسال كميه قليله من المازوت وتوزيع كمية 5 ليتر لكل عائله . قال المذيع أثناء مناشدته المسؤولين: ” رغم عدم وجود ليتر واحد من المازوت في كل محطات التوزيع الموجودة في الحي إلا أننا لا نريد أن نقول أنه توجد أزمة لأن هذه الكلمة تغضب المسؤولين )

وهكذا، وفي ظروف اشتداد الأزمة، ووصولها إلى حدود لا تطاق، يتابع المسؤولون تصريحاتهم الإعلامية, ويرفضون الحديث عن الأزمة، دون أن يفعلوا أي إجراء يخفف من حدتها.

وتتأثر الصناعة و الزراعة والنقل وكل مجالات الحياة الاقتصادية من هذه الأزمة . وقد نشر التلفزيون السوري الرسمي مؤخراً صوراً لعدد من البيوت البلاستيكية، وبداخلها مزروعات ميْتة بسبب عدم وجود المازوت اللازم للتدفئة. وكانت مناظر العيون الباكية لأصحاب هذه المنشات, تعبر عن واقع عشرات ألوف العائلات المشتغلة بهذه الحرفة، التي انعكست أزمة فقدان المازوت عليها بكوارث اجتماعيه واقتصادية .

وقد شمل هذا الواقع أصحاب مركبات النقل الذين ينتظرون الساعات الطوال أمام محطات توزيع المحرقات ليؤمنوا بضعة لترات من المازوت تمكنهم من العمل لنصف أو ربع يوم قبل أن يتوقفوا ويغادروا إلى بيوتهم, وحده سعيد الحظ، يستطيع تأمين حاجته من الوقود من السوق السوداء بالسعر المضاعف !

لقد انعكست أزمة المازوت أيضاً في انقطاع التيار الكهربائي الذي عمّ مدن القطر لمدة ساعتين يومياً كحد أدنى. بالرغم من مضاعفة أسعار الكهرباء، غير المبررة، والتي نطالب بإعادتها إلى سعرها القديم , وتأمين حلول أخرى غير زيادة الأسعار، مثل الحد من سرقة الكهرباء ، والحد من الفاقد في الشبكة الناجم عن قدمها. وبسبب انقطاع التيار الكهربائي بدأت تتوقف العديد من المشاغل والمنشآت الطبية وغيرها . وعادت للازدهار مرة أخرى تجارة المولدات الكهربائية, و بدأ العديد من الحرفين يركبون هذه المولدات بدلاً من التوقف . وهناك الكثير منهم من لا توجد عندهم القدرة على شراء وتركيب مثل هذه المولدات .

بالإضافة لتأثيرات أزمة المازوت على الغالبية المطلقة من سكان بلادنا. فإن توزيع الغاز المنزلي يعاني أيضاً من أزمة خانقه ولا يمكن الحصول على اسطوانة غاز بشكل طبيعي. بالرغم من الحاجة الملحة إليها هذه الأيام، بسبب موجة البرد القارس التي تجتاح بلادنا والمنطقة منذ فتره, وساهمت أزمة الغاز بزيادة الأزمة نفسها بسبب زيادة التخزين الناجم عن عدم ثقة السكان بتأمين حاجتهم في الوقت المناسب. وهكذا انتعشت السوق السوداء . فبالإضافة للسعر المضاعف , كشفت الصحافة عن خطورة استعمال هذه الاسطوانات بسبب تسرب الغاز من معظمها والناجم عن عطل في صمامات الغاز المستوردة والمركبة حديثاً، والذي ثبت عدم صلاحيتها وخطورتها في الاستعمال مما أدى إلى العديد من حالات الاختناق, وإلى انفجار عدد كبير من الاسطوانات أثناء استخدامها , ونجم عن كل ذلك عدد كبير من الحرائق وعدد من القتلى. وتبين أن قيمة الصمامات المستوردة لا تتجاوز بضعة ملايين من الدولارات . سرق المشرفون على استيرادها نصف المبلغ ودفع شعبنا دمه ثمنا للفساد. وبدلا من تبديل هذه الصمامات الخطيرة والمميتة، ومحاسبة المسؤولين عن استيرادها لجأت شركة توزيع الغاز إلى إغلاق الصمامات بشده بشكل لم يعد يمكن فتحها بسهوله مما أبقى على خطورة الاستعمال وحققت حالات اختناق أخرى بسبب اضطرار الأهالي إلى فتحها بالقوة.

وبالإضافة للمازوت والغاز, ارتفعت أسعار الخبز غير مدعوم السعر للمرة الثانية خلال بضعة أشهر, مما زاد الطلب على الخبز المدعوم السعر. وبدأت تظهر من جديد طوابير المواطنين وهي تصطف أمام مراكز توزيع الخبز المدعوم للحصول على ربطة خبز بسعر لم يعد المواطن الذي يملك عائله كبيره قادر على دفعه, وبسبب عدم كفاية الكميات الموزعة وما تسببه من ازدحام يجري الاقتتال بين المواطنين للحصول على ربطة، مع أنه لم يصل إلى حد القتل.

وجاءت زيادة الضريبة مؤخراً على شراء وبيع المنازل و الأراضي الزراعية , وكل ما يمكن للفقراء بيعه بهدف تأمين ما يعينهم على استمرار الحياة لتستولي الحكومة على جزء من أموالهم. هم وأولادهم بأمس الحاجة إليها .

ولأسباب مختلفة ارتفعت أسعار جميع أنواع الخضار وأصبح سعر كيلو أي ماده من الخضار يتجاوز 30-40 ليره سوريه بعد أن كان لا يتعدى 10-15 ل . س ، كما ارتفعت أسعار جميع أنواع السلع الغذائية: السكر، الرز، الزيت ، السمنة ،الجبن ، الخ.. وهكذا فقد أتت ارتفاعات الأسعار على أكثر من 50% من القيمة الشرائية للرواتب والأجور. ورغم أن الحكومة تعترف بالتأثير الكارثي لهذه الزيادات على حياة العمال فإنها لم تقم بأي إجراء يخفّف من معاناتهم . و انعكس تراجع الإنتاج الزراعي والصناعي في ازدياد الاستيراد، حيث تمتلئ الأسواق بالمواد الغذائية وغير الغذائية المستوردة من الأسواق المجاورة ، ومن دول مختلفة . وبتنا نتعرف على ما يسمى ملوك الاستيراد .. فهذا ملك استيراد السكر! وذاك ملك استيراد اللحمة، وآخر ملك استيراد الزيت ، الخ .. وهكذا بقية الملوك الذين يشكلون جزءاً مكوناً هاماً من مكونات القرار الاقتصادي. وإذا أضفنا إليهم تجار السيارات التي قدرت أرباحهم خلال العام الماضي 2007 بعشرات المليارات من الليرات السورية والتي ازدادت بسبب قرار الدولة بتخفيض الضرائب عنهم بعد أن لاحظت أن أرباحهم مليارات، وليست عشرات المليارات. بالإضافة إلى أرباح ملوك شركات الخليويّ التي تقدر بالمليارات شهرياً . وملوك التهريب التي قدرت حصتهم من تهريب المازوت خلال العام الماضي وحده ب30 مليار ليره سوريه، أي نفس المبلغ الحقيقي الذي تقدمه الحكومة لدعم المحروقات . وأيضا ملوك التعهد وتجار البناء والأراضي التي قدرت أرباحهم في العام الماضي بمئات المليارات . وملوك التعهد في مجالات النفط والكهرباء والتي قدرت أرباحهم بمئات مليارات الليرات أيضا . وبعض الملوك الآخرين وشركائهم . “فعلى أي جانبيك تميل!؟

وإذا قارنا بين بؤس الأكثرية ألساحقه من جماهير شعبنا الذي يجري إفقاره لصالح حفنة من اللصوص يستولون على معظم الثروة الوطنية، ويعيشون حياة أسطورية غريبة عن طبيعة شعبنا , مقابل عشرات ملايين السورين الذين يعيشوا تحت رزح الفقر، نعرف من تخدم الحكومة بسياساتها الاقتصادية الجارية.

وحتى تستطيع هذه الحكومة الاستمرار في سياستها، اعتمدت الإجراءات التالية:

1- شل حركة النقابات . فقد صدر قرار مؤخرا يقضي بإبعاد ممثلي العمال عن اللجنة الاقتصادية , وعدم دعوتهم إلا أثناء بحث قضايا عماليه . وصدر هذا القرار عن رئيس مجلس الوزراء بعد الدورة النقابية الأخيرة التي أبعدت خيرة النقابيين تحت شعار (التجديد)، وأوصلت الحركة النقابية إلى وضع غير قادرة معه سوى الخضوع لمثل هذه القرارات .

2- زيادة الضغط الأمني . ونرى أن هدف كل ما يمارس من ضغوط أمنيه ، ومحاولات شراء البعض داخل الأحزاب والتيارات التقدمية ، ومجمل الحركة السياسية. واعتقال بعض الناشطين المنتسبين لتيارات المعارضة الوطنية، وحصار أماكن الاجتماعات بهدف إفشالها . والتنصّت العلني على الهواتف ، وتكليف عناصر من الأجهزة الأمنية لمتابعة بعض النشطاء السياسيين ، ومراقبة مقراتهم بشكل يومي ودائم، الخ… كل هذه الإجراءات وغيرها هي محاولات لإخافة المجتمع ، ومنع أي تحرك احتجاجي رافض لسياسة الحكومة بهدف تأمين الانتقال للشكل الاقتصادي الجديد دون اهتزازات اجتماعيه معيقه.

3- الطلب إلى الأحزاب وأنصاف الأحزاب (اليسارية) نشر مقالات انتقاديه تطال السياسة الاقتصادية المتبعة، بهدف لجم الاستياء وإبطال مفعوله وخصوصاً عند الأشخاص المهتمين والمتابعين للصحافة ، مثل تحميل الفريق الاقتصادي مسؤولية السياسة المتبعة والطلب من الحكومة تغييرها , واعتبار أن أي تغيير لأيّ من الوجوه الاقتصادية هو انتصار كبير . أي تغيير أشخاص والإبقاء على السياسات المتبعة . والترويج لانتصارات وهمية مثل الانتصار الذي أعلن عن تحقيقه ضد سياسة ( الفريق الاقتصادي) ، عندما تم الإعلان أن الحكومة رفضت رفع الدعم عن أسعار المحروقات ، والدعوى للاحتفال بهذا (الانتصار). ثم اعتبار أن رفع ا سعار البنزين هو غزوة فاشلة للفريق الاقتصادي ، ثم إعلان الانتصار على تجارة التعليم (جامعة المأمون) وصاحبها الذي يحمل شهادة مزورة، الخ … من الانتصارات الوهمية التي تعجّ بها الصحافة اليسارية . وعلينا الاعتراف أن ما يكتب في هذه الصحافة يساهم في إقناع عدد من قرائها ، ويشل قدرتهم على الفعل ، ويضعهم بأفق أن تغير السياسة الاقتصادية لا يمكن أن يتم إلا من داخل الحكومة نفسها ، ولا يوجد أي مبرر أو جدوى من أي تحرك أو احتجاج شعبي, وأن كل من يدعو لهذا الاحتجاج السلمي هو يساري مغامر . وهنا علينا أن نعترف أيضا بهيمنة التيارات الانتهازية داخل عدد من قيادات تنظيمات الحركة اليسارية في بلادنا. بالإضافة لممارسات الحكومة، فإن واقع واهتمامات المعارضة قد أثرت سلباً في التعبئة وتكوين الرأي العام القادر على تأمين الأشكال اللازمة من النشاط الفعال والناجح والقادر على إجبار الحكومة للتراجع عن سياستها الاقتصادية المعادية للمصالح الأساسية للغالبية العظمى من أبناء شعبنا بسبب عدم اهتمام المعارضة بالقضايا الاجتماعية الاقتصادية ، وإذا اهتمت ، يظهر اهتمامها على شكل احتجاجات يوميه على نتائج السياسة الاقتصادية الممارسة ، دون وجود برنامج اقتصادي متكامل وواقعي قادر على تعبئة الفئات والطبقات المتضررة من السياسة الاقتصادية للحكومة ، بحجة أن هذا البرنامج إذا وجد قد يبعد أو يغضب البعض داخل المعارضة ، مما أدى إلى ضعف تأثيرها داخل الوسط > وإرباكها ثم انقسامها كما رأينا مؤخراً.

إن المهام المترتبة على القوى والأحزاب والنقابات والشخصيات والفئات الاجتماعية المعارضة لهذه السياسة والمتضررة منها هي:

1- توحيد قوى اليسار والعمل على إيجاد تنسيق بين جميع هذه القوى بهدف توحيد أعمالها وجعلها أكثر فاعليه.

2- وضع برنامج اقتصادي واجتماعي بديل واقعي وقابل للتنفيذ. 3- النضال من أجل إطلاق الحريات السياسية العامة، بما فيها حرية التعبير والسماح للقوى المتضررة من السياسة الاقتصادية بالتعبير عن مواقفها بهدف تغيير مجمل السياسة الاقتصادية المتبعة . وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي .

4- المطالبة بزيادة أجور العمال بما ينسجم وزيادات الأسعار والتي تجاوزت ال50% عن أسعار العام الماضي . ورفض رفع الدعم عن المحروقات التي ستلجأ إليه الحكومة تنفيذاً لإملاءات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى