صراخ أميركي
ساطع نور الدين
الاستقطاب يزداد حدة يوماً بعد يوم. والاستنفار يزداد قوة يوماً بعد يوم. لم يبق سوى ١٨ يوماً على المعركة الانتخابية الاهم والاقسى والاغرب في تاريخ أميركا.. التي ستنتقل على الارجح بعد الرابع من تشرين الثاني المقبل من مراكز الاقتراع الى الشارع، لتسجل بداية الصراع الاهلي داخل المجتمع الاميركي وفق خطوط التمييز المرسومة بين غالبيته البيضاء وأقلياته السوداء واللاتينية والآسيوية وسواها.
المناظرة الثالثة والأخيرة بين المرشحين الجمهوري جون ماكين والديموقراطي باراك أوباما، لم تشهد ما يمكن أن يساهم في تخفيف حدة هذا الاستقطاب السياسي والاجتماعي، بل أدت الى تعميق ذلك الفرز، الذي بات يحتاج الى معجزة تضمن وصول آخر أبيض من مواليد ثلاثينيات القرن الماضي الى الرئاسة الاميركية، أو تحرم أول أسود من الوصول الى ذلك المنصب الحلم بعد قرون من العبودية والاضطهاد والاستبعاد.
ما زال الوضع على حاله بعد المناظرة الاخيرة التي كانت أشد توتراً من سابقتيها، لا سيما أنها غاصت في الشأن الاقتصادي الذي لم يعد يرحم أحدا من الاميركيين: أوباما يتقدم بخطى ثابتة نحو البيت الابيض، وماكين يفقد المزيد من النقاط في استطلاعات الرأي.. التي لم يقرأها الكثيرون جيدا، ولم يدققوا في ألوانها الفاقعة، كما لم يلاحظوا تعبيرها الصريح عن مزاج الشارع الاميركي الذي يكاد يشهد دعوات علنية الى حمل السلاح واستخدامه.
في بعض اللقاءات الانتخابية الاخيرة للجمهوريين هتف بعض الرعاع منهم بعبارات خطيرة بحق أوباما، وهي كانت مسموعة جيدا من قبل وسائل الاعلام الاميركية: اقتلوه، اشنقوه، اقطعوا رأسه.. هذا عدا عن الواقعة البالغة الدلالة على الكراهية والعنصرية، عندما وصفت إحدى الجمهوريات المرشح الاسود بأنه عربي، فما كان من ماكين إلا أن رد عليها بقوله: لا يا سيدتي انه رب عائلة ومواطن محترم!
في مستهل الحملة الانتخابية صدرت من صفوف الديموقراطيين هتافات قاسية لكنها لم تصل الى حد التهديد أو الدعوة الى قتل المرشح الجمهوري، بل ظلت قاصرة على استهداف النظام والمجتمع اللذين ألحقا بالأقلية السوداء خصوصا ظلماً لا يحتمل.. يجري الرد عليه بواحدة من أقوى حالات التعبئة خلف المرشح الاسود، بحيث زادت معدلات شعبيته بين السود على ثمانين في المئة، وقاربت السبعين في المئة بين اللاتينيين والآسيويين، عدا العرب طبعا الذين تميل غالبيتهم نحو أوباما لكنها يمكن أن تغير رأيها في اللحظة الاخيرة، بناء على حسابات الاندماج في مجتمع يزداد نفوراً منها والانتماء الى مؤسسة تشن حرباً مفتوحة عليها، كما على بلدانها الأصلية.
كانت المناظرة الأخيرة أشبه بالالتزام الأخير من قبل المرشحين بالانضباط وفق قواعد اللعبة الديموقراطية الاميركية، التي كانت تشهد في الماضي الكثير من حالات التراشق بالوحل.. لكنها لم تكن تتوقع أن تسمع مثل هذا الصراخ الهستيري، لا سيما من الجمهوريين، الذين يشعرون اليوم انه لم يعد لديهم ما يخسرونه أمام هذا الزحف الهائل من أقليات تنادي بحقها في الوصول الى السلطة أو على الاقل في تقاسمها.
السفير