خزّان العنف إلى أين
كريم الهزاع
تناقلت وكالات الأنباء في الأيام القليلة الماضية قتل مصري مسلم متزوج من مصرية قبطية متحولة عن المسيحية. وقالت الشرطة المصرية إن رامي، شقيق مريم خليل، اقتحم منزلها في القاهرة، وفتح النار عليهما، ما أدى لمصرع زوجها وإصابتها وابنتها نورة بجروح كبيرة.
وأضافت مصادر الشرطة: إن رامي ظل يبحث عن شقيقته مريم منذ أن غادرت منزل الأسرة قبل عامين لتتزوج من أحمد صالح، مخالفة بذلك رغبة أهلها. وتضيف مصادر الشرطة أن رامي، حث شقيقته مريم وزوجها على الانفصال، ودعاها للعودة إلى المسيحية، لكن الزوجين رفضا.
يأتي هذا الحادث بعد أقل من أسبوع على مقتل رجل مسيحي في مصادمات طائفية جنوب مصر بعدما اتهم رجل مسلم بمغازلة فتاة مسيحية. وتشهد العلاقات بين المسلمين والأقباط في مصر توترات تؤدي إلى أحداث عنف في بعض الأحيان، وتنشب المواجهات بين الجانبين غالباً بسبب النزاع حول أرض أو بناء كنائس أو حالات زواج مختلطة. هذا يحدث في مصر بين ديانتين، وفي العراق بين طائفتين، أو ديانتين، كما حدث في الموصل منذ أيام، وفي أمكنة أخرى يحدث اضطهاد لأقليات لا تستطيع أن تمارس شعائرها بعيداً عن الرقابة والتشدد. وفي لبنان لايزال البلد مهددا بانفجار الوضع في أي لحظة بسبب الشحن الطائفي. ومؤخرا تصاعدت حرب الكلمات بين السنة والشيعة في المنطقة بعد تصريحات الداعية يوسف القرضاوي ضد الشيعة.
ما الذي حدث؟ لماذا تفجر الصراع الطائفي في المنطقة بهذا الشكل في السنوات الأخيرة؟ هل للأمر علاقة «بالحرب على الإرهاب»؟ هل تغيرت مشاعر الناس ضد إخوانهم في الوطن؟ أم أن التوتر كان موجودا دائما وإن اختبأ تحت السطح؟ هل هي مؤامرة ضد شعوب المنطقة كما يقول البعض؟ أم أن الشعوب هي التي تتحمل مسؤولية ما يجري؟ وكيف يمكن الخروج من حالة الاحتقان الطائفي هذه؟ ولماذا تدفع الأجيال الجديدة تخلف وتعصب الفكر الراديكالي أو السلفي الثيوقراطي الذي يبحث عن عبيد وأصفار يوزع عليهم صكوك الغفران، ويحمل عنهم مفاتيح الجنة والنار، ويضع نفسه حارسا للرب، وكأن الله استخلفه على الأرض ومنحه وحده الوصاية على البشرية؟ ماذا نفعل لكي نتخلص من خزّان العنف هذا الذي صنعه ثلة من الأغبياء أو الأذكياء المرضى؟
نقول إذا لم يعد فهم ماهية الدين من جديد، ودفع الدولة نحو مجتمع مدني ليبرالي منفتح، فستظل تلك الكوارث تحصل باستمرار.. والكارثة الكبرى إذا اقتنع الحاكم بأن ذلك الاحتقان يجب أن يبقى ويستمر تحت مسمى سياسة فرق تسد، حينها فقط يجب أن تنهض القوى المعارضة والأحزاب لإنقاذ البلاد من حاكم بهذا الشكل، والتفكير في كيف يمكن نزع فتيل الاحتقان الطائفي؟ يجب أن تنزع أو ترفع تلك الخرقة التي تعصب الرؤية عن البشرية، وعليها أن تعرف ما هو المقدس، ولماذا أصبح مقدسا، ومن صنعه ولأجل ماذا؟ وعليها أن تعرف الأفكار ونشوء وارتقاء الفكرة وتطورها ومصادرها الأساسية منذ فجر التاريخ؟ عليها أن تقارن بين النصوص وأن تقرأ النص، والنص المضاد، والنص الثالث المحايد، وذلك النص ذو البعد الرابع، عليك أن ترى ألوان الطيف ولا تكتفي بلون واحد، وأن تركز على متطلبات الفرد، إذ من أسس المجتمع المدني والديمقراطية الحقيقية هو متابعة «ملف حقوق الإنسان» الذي من أجله أسست الدول والبرلمانات والمؤسسات وشرعت الشرائع والأديان والقوانين والعقد الاجتماعي الذي كتبه جان جاك روسو ونصوص أخرى مثل نصوص مونتيسكيو وسبينوزا وفولتير، وآخرها وليس الأخير، نصوص كارل بوبر وكتابه المهم «المجتمع المفتوح وأعداؤه»، والذي ينشد به حرية المعتقد، وحرية الحوار والاختلاف، وحرية الفرد والهوية، في ظل مفهوم الدولة، وكل تلك النصوص التي قفزت بأوروبا قفزة رائعة في بناء دول ديمقراطية ومجتمع مدني منفتح.
ومن الضروري إعادة صياغة مفهوم ماهية الدين، والذي يعتبر بفهمه الحالي حجر عثرة في طريق الحريات والديمقراطية في الوطن العربي، هذا الفهم الجديد سيؤدي إلى فصل الدين عن السياسة، كما حدث في الغرب قبل قرن من الزمن، وفي ضوئه، تم بناء مجتمع مدني منفتح، وبناء مؤسسات ترعى المجتمع والفرد وحقوقه، حيث يكون جميع المواطنين سواسية أمام القانون. هذا النوع من القانون، وهذا النوع من المؤسسات سيخلص الفرد من تبعات سياسة «جوّع كلبك يتبعك» التي تمارسها الحكومات في الوطن العربي، وستجعله فردا منتجا يمتلك الوقت والآليات لكي يطوّر ذاته، ويطوّر المجتمع الذي ينتمي إليه. والخطوة الأولى في طرح هذا النوع من الفهم، تبديل قناعة الحكومات العربية، بحيث تعيد بناء النظم التعليمية والإعلامية والثقافية، بدءا من الطفل الذي على مقاعد الدراسة، وانتهاء بالشارع، مروراً بالأسرة التي تمثل نواة رئيسة في بنية المجتمع.
وإذا لم تفكر الأحزاب العربية بهذا الشكل من الديمقراطية، وتضع ذلك في أجندتها بعيداً عن الأنانية والمركزية ومسطرة الوصاية، فلن تنتقل مجتمعاتنا العربية نقلة جديدة نحو الخلاص من كل الإرث، أو التركة الثقيلة التي تركها لنا الماضي في الاستبداد والتخلف والطائفية وتشظي الإنسان. ووطننا العربي يتعرض لحالات إعاقة دائمة في قضية الديمقراطية، إذ باتت البرلمانات لدينا مجرد ديكورات لتلميع وجه السلطة، حيث يغيب دورها الرقابي في حل ملفات حقوق الإنسان العالقة في كل بلد من بلدان الدول العربية..
برأيكم ما الحل للخلاص من تلك الملفات العالقة؟ وكيف لنا أن نطوّر آليات تطوير الديمقراطية وتفعيل الدور الرقابي في البرلمانات والأحزاب العربية؟ وما دور جمعيات حقوق الإنسان؟ ما دور المتنورين والعقلاء؟.. من يخلصنا من خزّان العنف؟ من يعيد تشكيل العقل العربي ويفكك سيسيولوجيا القبيلة الدينية؟ من أجل مجتمع مدني علماني ديمقراطي حديث يضمن الحرية والعدالة الاجتماعية للجميع؟
عن جريدة أوان