الجسم السليم في العقل السليم..!
د. فاضل الخطيب
يوجد في هذه الأيام مع الأسف أحداثٌ مثيرة كاملة, وأنصاف فضائحٌ وبعض الأزمات الصغيرة والمتوسطة والمتوسطية. ليس فقط الأزمة المالية والتي أعتقد أنها نصف مفتعلة وقريباً ستصبح عينٌ على أثر, وليس فقط المماحكات السياسية النصف مفتعلة, المعارضة الكاملة منها أو أنصافها والممانعة الغير قابلة للمناصفة, بل الاختراقات الخارجية والداخلية النصف مفتعلة, وبين جدية الأسئلة وجدية المسئولية وبين جدية التمثيل وجدية البحث عن المساءلة نعيش بين مصداقية الرغبة وبين الرغبة في غياب المصداقية.
الشيء الأكيد أنه “ما فيه بصقة تحت حجر بتختفي” ـ هذا مثل شعبي مجرب مؤكد ـ مثل العقل السليم والجسم الأسلم, وإذا سألت أجنبي غريب عن رأيه في مجتمعاتنا وبلداننا وحياتنا لكان رده بلا شكٍ أن وطننا جميلٌ جداً لكننا نفتقر إلى الفكاهة والضحكة, ورغم أنه لا يوجد أي شيء ما يدعو للسعادة والمرح ولا شك أنك تسمع جواباً واحداً “هل يوجد شيء ما يدعو للسعادة؟”
نعم هذا هو الجزء الفارغ من الكأس, وهو في الحقيقة صحيحٌ من جهة: من الصعوبة إظهار البسمة والضحكة في هذا الوضع الاقتصادي الصعب وهذه المعارضة الأصعب ـ والتي أنا عضو غير صعب منها ـ, وحتى فيلم البارحة كانت نهايته حزينة تدعو للتأمل..
ومن جهة أخرى يبقى مشروعاً طرح السؤال: لماذا لا نتبسم ونضحك؟ ليس أصعب من أن نبرم حلقنا للأعلى صانعين نصف دائرة الـ”سمايل”!.
الضحك مثل الكثير من الأمور في هذه الحياة هو شيء طبيعي ويدرسه العلماء ـ بعض علماء الفقه اعتبره عار وحرام ـ , وحتى هناك فرع علمي خاص لدراسة الضحك ويسمى “جيلوتولوغيارا”, وأثبت العلماء أنه كلما اقتربنا من عالم الكبار(تقدمنا في السن) كلما قلّت ضحكاتنا, في الصغر نضحك يومياً حوالي ثلاث أربع مائة مرة, وفي الكبر هذا الرقم يصبح حوالي خمسة عشر مرة في الشهر.
وأثبتوا أيضاً أن الضحك ينشط عمل القلب والأوعية الدموية, ولو كانت عندنا دراسات وإحصائيات ـ مثل بعض الدول الضاحكة الباسمة والغير مشغولة بالممانعة ليبيا مثلاً ـ لو كانت هناك إحصائيات عن أمراض القلب وملحقاتها لكان الأرجح أنه يظهر فيها أن نسبة مرضى القلب عندنا مرتفعة ليس فقط بسبب الحب والعشق العدوي..
تمّ إنقاذ رجل إسرائيلي ـ يهودي بزرع قلب له, كان القلب لفلسطيني, اليهودي بصحة جيدة لكن المشكلة أنه لا يستطيع الإقلاع عن ضرب نفسه بالحجارة!
وأعتقد أن ضحك خمس دقائق في اليوم تعطي قوة ومناعة للجسم أكثر من المشاركة في مسيرة ينظمها اتحاد الطلاب..
وقد يكون لبنان هو الوحيد في المنطقة الذي يملك تراثاً يفتخر فيه للضحكة والفكاهة المكتوبة وغير المكتوبة.
لكنني أسمع من البعض أنه في سوريا ـ والشكر للنظام ـ صار للنكتة وجود غير رسمي وشفاهي تتناقله الوجوه المكدّرة لتجعل منها “سمايلات” معثرة, وصار الكثير يتحدث بلغة واضحة لكنها تحمل أكثر من تأويل..
في سبعينيات القرن الماضي وفي قريتي مررت أمام المدرسة الابتدائية, ومن خلال الباب المفتوح سمعت ترديد الأطفال وراء المعلم “الجسم السليم في العقل السليم”, ورغم أنني ضحكت كثيراً وقتها لأن المعلم بصم المثل وأخطأ في تذكره, أي مثل اللي لبس بنطاله على المقلوب, لكنني اليوم أقول أن هذا المثل يصلح على الشكلين “من الخلف للأمام ومن الأمام للخلف”.
يسأل الضابط المسؤول عن الأسئلة في المطار أحد السوريين المسافرين:
ــ إلى أين مسافر وما الهدف من السفر؟
+ أخي مريض في عيونه وما عاد يشوف وأني مسافر على إيطاليا لمساعدته,
ــ ليس من الأفضل أن تحضر أخيك إلى هنا وفي البيت تساعده على العلاج وترعاه؟
+ حضرتك ما سمعت مليح: أخي أعمى وليس مجنون.!..
بودابست, 14 / 10 / 2008,
خاص – صفحات سورية –