صفحات الناس

استكمالا للسياسة الاقتصادية الجديدة: الطلاب تحولوا إلى سلع بيد الجامعات الخاصة، والتعليم أصبح حكرا لطبقة ميسورة وقادرة

null
منصور الأتاسي
لم يعد هناك ما يفاجئ الشعب السوري من قرارات وسياسات تتخذها حكومته فهو بدون أن يطلع عليها أصبح يعرف أنها تتناقض مع مصالحه. بما فيها النتائج النهائية لمفاضلة القبول بالتعليم الجامعي والتي شكلت خيبة أمل كبيرة للطلاب الناجحين, وأبعدت عشرات ألوف المتفوقين عن التعليم الجامعي المجاني,فقد كانت نتائج القبول النهائية مفزعة فالدخول إلى كلية الطب مثلا يتطلب /237/ علامة من أصل /240/ في جامعة دمشق و/236/ علامة في جامعة البعث بحمص وهكذا الهندسات والاختصاصات الأخرى ومن يرى في نفسه القدرة على دراسة المواد العلمية فليذهب إلى الجامعات الخاصة المنتشرة كالفطر في سورية وليدفع أرقاما خيالية. بالإضافة لبعض القلة الذين يحالفهم الحظ فيقبلون بالتعليم الموازي أي في الجامعات العامة ولكن بأقساط شهرية. وأيضا أبناء المغتربين وعددهم بالألوف.
وبسبب هذه العلامات الفلكية التي لا نعتقد أن هناك كليات علمية في العالم تتطلب هذا المجموع الجائر…فقد بدأت أسر الطلاب تحضر أبناءها منذ الصف الثاني الثانوي حيث يحيطونهم بطاقم كامل من الأساتذة لإعطائهم دروساً خاصة فكل علامة من أية مادة تقرر مستقبل الطالب ولم يعد يوجد مادة مسموح بالتساهل بها, وبسبب الطلب الشديد على أساتذة التعليم الثانوي ارتفع سعر الساعة وهي /50/ دقيقة ليصل ما بين 800-1000 ليرة سورية لكل درس خصوصي. وعلى الطالب أن يستقبل من3-4 أساتذة يوميا أي تدفع الأسرة بين 3000 إلى 4000 ليرة سورية يوميا لتحضير أبنائها ليحصلوا على العلامات التي تقبل في الجامعات. وهذا لم يعد يستطيع دفعه العامل أو المهندس أو الطبيب ولكي يستطيع الموظف العادي أن يؤمن تكلفة تحضير ابنه لامتحانات الثانوية عليه أن يلجأ -إذا استطاع وكان ذلك متاحا- إلى الفساد ليؤمن الدخل الإضافي.. وهكذا فإن سياسة الدولة التعليمية تدفع عشرات ألوف الموظفين والعمال للفساد كي يؤمنوا مستقبل أطفالهم- وتدعي إنها تحارب الفساد- ومسألة القبول أيضا غريبة في بلادنا من يجمع /237/ علامة يدخل كلية الطب في دمشق ومن يجمع /236/ يدخلها في حمص.. وهكذا باقي الجامعات السورية أي أن ابن دمشق يفرض عليه أن يدرس في حمص إذا جمع /236/ علامة وابن حمص يفرض عليه أن يدرس في اللاذقية.. أو حلب وهكذا يضطر الطالب أن يدفع أجرة سكن غرفة أو سرير في غرفة وأجرته لا تقل عن /5000/ليرة سورية شهريا وثمن أكل… وهكذا رغم أن مدينته قادرة على استقباله والبرامج واحدة ولا يوجد أي فرق جوهري بين الشهادة التي ينالها الطالب من جامعة حمص. أو دمشق أو اللاذقية أو حلب….الخ وجميع الشهادات توقع من وزير التعليم العالي.. عندما طالب الشباب من نهاية ستينات القرن الماضي بنشر الجامعات في محافظات سورية الرئيسية كان المطلوب أن يسمح للطالب بالتعليم في مدينته, وهذا يخفف التكلفة كثيرا على الأسر الفقيرة أو المتوسطة خصوصا ويساهم في زيادة نسبة الكادحين من الخريجين..إلا أن سياسة القبول ضربت كل ذلك التوجه.
وهكذا وبفضل علامات وسياسة القبول ُدفع عشرات ألوف الطلبة أو أكثر للتعليم الخاص التي انتشرت جامعاته في مدن وأرياف سورية.. والتي لا نعرف مستواها العلمي حتى الآن, والتي لا تبغى سوى الربح السريع, والتي اضطرت الحكومة- حفاظا على ماء الوجه- إلى إغلاق قسم منها..والتي …والتي…ويقال أن الاستثمار في سورية وظف مليارات الليرات السورية.. في بناء الجامعات الخاصة.وغيرها. وهكذا فإن سياسة الدولة شجعت الاستثمار في الجامعات الخاصة غير المعروفة بفضل رفع علامات القبول الجامعي وتحول الطالب إلى سلعة أو إلى طريدة يقتنصها الصيادون.
وأيضا فإن التعليم في المعاهد ليس أقل تعاسة من التعليم الجامعي فالمعاهد المتوسطة لا تزال تخرج فنيين من نفس الاختصاص منذ عشرات السنين رغم أن عدد الخريجين أصبح بالألوف في سورية ويزيد أضعافاً مضاعفة عن حاجة الوطن. ولم يعودوا يستطيعون العمل باختصاصاتهم وتحولت شهادة المعهد المتوسط إلى صورة تعلق في الحائط… فعدد خريجي المعاهد المتوسطة للمراقبين الفنيين عشرات الألوف موجود معظمهم في البطالة.. و كذلك المعاهد المتوسطة الهندسية والمساحية.. والفندقية.والمواد الغذائية..الخ ثم إن الدراسة لمدة عامين لا يعترف بها بالخارج أي أن الخريج لا يقبل كفني في دول الخليج أو مناطق العمل الأخرى في العالم. والمطلوب أن يعاد النظر بالاختصاص فجميع المؤسسات أصبحت بحاجة لأتمتة وبسبب قلة الكوادر لم تستطيع جميع مؤسسات الدولة أن تتعامل مع الأتمتة رغم وجود الكمبيوترات وما يلزم في هذه المؤسسات والتي توضع كبريستيج فقط ويتطلب استثمارها عشرات ألوف المؤهلين وتتطلب فتح معاهد واسعة لها ولصيانة الأجهزة وللتعامل مع شبكة الاتصالات. وأيضا فإن تطوير أشكال الصناعة المطلوبة في بلادنا مثل الصناعات البلاستيكية والبتر وكيماوية وغيرها وغيرها… ويتطلب أن يكون التأهيل كاملا وأن يدرس الطالب ثلاث سنوات ويحصل على شهادة /الدبلوم/ بدلا من معهد متوسط فهذا يزيد من تأهيله بحيث يصبح كادرا فنيا مدربا ومتطورا وشهادة الدبلوم تمنحه الفرصة للعمل في الخارج كخبير براتب أعلى بكثير وبفرص عمل أكثر بكثير.
وهكذا فإن مجمل السياسة التعليمية ما بعد الثانوية تترنح بين سياسة القبول والتعليم الخاص والتعليم المتوسطي…. وهي تتراجع بشكل كبير.ولا يستفيد منها سوى (المستثمرون)
لقد كان الشعار المحقق سابقا هو سياسة الاستيعاب الجامعي فكل من نجح بالثانوية له مكان في إحدى الجامعات أو أحد المعاهد.. ولهذه السياسة ثغرات ولا شك منها عدم تحمل الجامعات والكليات المختلفة العدد الهائل من الطلبة. وعدم وجود الكادر المؤهل..الخ وكان من المفروض تجاوز هذه الصعوبات وليس التراجع عن حق الشباب في التعليم الحكومي. وكان يمكن للمليارات التي صرفت في بناء الجامعات وغيرها والتي هي فروع وهمية لجامعات أجنبية أن تصرف في بناء مؤسسات إنتاجية تستوعب الخريجين الجامعيين إلا أن التراجع شمل كافة مناحي الحياة فهناك تراجع في دعم الصناعة وتراجع في دعم الزراعة وتراجع في دعم التعليم…. وتراجع في حصة الفرد من الكهرباء ومن المياه… وتراجع في مستوى الخدمات.. وتراجع وتراجع… فأين تذهب الأموال المتوفرة من هذه – التراجعات- واضح أنها تذهب للأثرياء الجدد الذين يراكمون ثروات أسطورية بفضل النهب والفساد والدعم.
فيا أيها الفقراء من العمال والفلاحين وجميع الكادحين بسواعدهم وأدمغتهم يا من كان يحكم باسمكم… يا من أعلنت غالبية أحزاب سورية – الميتة- أنها تمثلكم. لكم الآخرة.. فالحياة سرقت منكم أمام سمع وبصر نقاباتكم العاجزة وأحزابكم المتراجعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى