تراجع أميركا سيسمح بعودة الدولة الوطنية…
عزمي بشارة
انتشر في المنطقة العربية رهان على فقدان إسرائيل وظيفتها بعد نهاية عالم القطبين. وكان الدليل الذي قُدم هو الإصرار الأميركي على امتناع إسرائيل عن الرد حتى حين قُصفت بالصواريخ إبان الحرب على العراق بعد احتلال الكويت. وتوسع الرهان إلى درجة تبرع البعض لاعتبار إسرائيل عبئا على الغرب، والإيمان بـ”النظام الدولي الجديد” إلى درجة أن يقوم شرطيه بفرض اتفاق سلام على “أطراف النزاع في الشرق الأوسط”. هنا لوحظت إيجابية الدور الأميركي في “جدلية التاريخ”، أو “خداع التاريخ” حتى أوصلت بعض تلامذة جدليته “خلف ظهر الفاعلين العينيين” وبغض النظر عن نياتهم، إلى تأمل الخير من التدخل الاميركي لإسقاط أنظمة، واعتبار الكذب لتبرير التدخل مجرد تفاصيل. ونحن نعرف النتائج الآن.
تضمنت هذه النظرة اليوتوبية الى العالم بعد الحرب الباردة معسكرا منتصرا يرى نفسه أيضا محقا وخيِّرا طبيعيا، وان قيَمَه تستحق أن تعمم على الإنسانية جمعاء، وذلك بعد تبسيط شديد وانتقائية أشد في طرح هذه القيم وعرضها… ولكنها تضمنت أيضا إمكان أن يطرح القوي نفسه كشرطي دولي قادر على تنفيذ “شرعية دولية” جديدة واعدة، وكأنه الوريث الطبيعي لامبراطورية روما القديمة.
في حينه انقسمت الولايات المتحدة بشكل معكوس عما يبدو بديهيا اليوم. فالمحافظون التاريخيون اعترضوا عادة على التدخل العسكري وراء الأطلسي، في اوروبا والشرق الأوسط. وتسامحوا معه في أميركا اللاتينية والمحيط الهادئ. وازداد ترددهم في مرحلة الحرب الباردة. فقد اعتبروا انتصار الولايات المتحدة على السوفيات تأكيدا أن عليها أن تهتم بشؤونها، وأن “عملية بناء الأمة” بعد احتلال دول في القارات الأخرى ليس من مهماتها.
وحين شن تحالف المحافظين والمحافظين الجدد الناشىء بعد احداث 11 ايلول 2001 الحرب على العراق عام 2003 شكك الديموقراطي جوزف بايدن (المرشح لنائب الرئيس في حملة أوباما التي تستخدم فشل الحرب في العراق للهجوم على الإدارة الاميركية، وهو المؤيد بحماسة لهذه الحرب العدوانية) في نيتهم ان يذهبوا حتى النهاية، فقد شكك بالتزامهم علمية “بناء الأمة” في الدول الاخرى. فالمحافظون الاميركيون مثل جورج بوش وديك تشيني ودونالد رامسفيلد كانوا يمثلون الموقف الذي يبني على المصالح الحيوية الأميركية والأمن القومي الأميركي دافعا للعمل في الخارج. ولكنهم لم يقبلوا أن دور أميركا هو تنفيذ مبادئ العدل أو القانون الدولي أو الديموقراطية، أو ما يسمى منذ التدخل الاميركي في الفيليبين وكوبا في القرن التاسع عشر ب”عملية بناء الامة”. أما الليبراليون فهم تحديدا الذين تحمسوا للمهمة في كوسوفو وللحصار على العراق… والتقوا لاحقا مع المحافظين الجدد في الحماسة للحرب على العراق.
ورغم أن جزءاً من المحافظين من بقايا إدارة بوش الأب رأى أن مهمته لم تنته في الحرب التي شارك في تخطيطها عام 1991 دون إسقاط صدام حسين، وتنظَّم في لوبيات مثل “مشروع أميركي جديد” وغيرها من المؤسسات تدعو الى الحرب على العراق، فإنه حتى أحداث 11 أيلول 2001 بدت الصورة في الولايات المتحدة مقلوبة عما نراه حاليا طبعا. فالمحافظون لم يرغبوا بالتدخل و”بناء أمم”، لا في البلقان ولا في هاييتي، ولا في العراق. ولم يتحمسوا لسياسة بيل كلينتون في هذه المناطق، وعزفوا حتى عن التورط النشط في ما يسمى بـ”عملية السلام في الشرق الأوسط”. ولذلك تميزت مرحلة بوش الأولى حتى 11 أيلول بالانغلاق والانعزالية، والانسحاب من بروتوكول كيوتو، ومما يسمى ب”عملية السلام في الشرق الأوسط”.
وفقط بعد 11 ايلول وبمبررات الأمن القومي الأميركي والحرب على الإرهاب والنفط وأمن إسرائيل، خرجت الادارة المحافظة للحرب ضد أفغانستان ثم العراق. ومنذ البداية كانت الرغبة هي إيجاد المبررات لضرب العراق، وذلك ليس بهدف بناء دولة جديدة. وظهر التردد بوضوح في عدم وجود خطة أو تصور لإدارة تلك البلاد بعد سقوط النظام.
لقد دفعت أحداث 11 أيلول المحافظين الجدد والليبيراليين للخروج الى الحرب بهذه الحماسة. فللفريقين تصور لدور اميركي ولرسالة تاريخية أميركية في ما يجب أن يبدو عليه العالم. لقد وقَّع فرنسيس فوكوياما وريتشارد ارميتاج وروبرت زوليك على العريضة نفسها التي دعت للتخلص من نظام صدام حسين بالقوة. واجتمع المحافظون الجدد والديمقراطيون على السلوك الامبراطوري والدور العالمي للولايات المتحدة، بدءاً من حماية المصالح وتأمين النفط وحتى حق وواجب الولايات المتحدة في فرض ما يجب ان يكون. إنه حق الامبراطورية من وجهة نظر المحافظين الجدد. والامبراطورية في هذه الحالة هي دولة يبلغ إنفاقها العسكري 45% مما ينفق العالم أجمع، ويشكل هذا الإنفاق فقط 4% من مجمل إنتاجها المحلي. وما زالت كذلك حتى في سنوات نهوض روسيا والصين.
لقد أدت الأدوات والأهداف التي اتفق عليها في مرحلة قصيرة الليبراليون والمحافظون الجدد، إلى كوارث. وهذه الكوارث هي التي فصلت بين المعسكرين وأدت الى تراشق الاتهامات. إن آثار انهيار الدولة في العراق، وتطور المقاومة العراقية، والنفور الإقليمي والدولي من نتائج هذا العدوان، وفشل ما يسمى الحرب على الإرهاب، ثم عدم تمكن اميركا من التدخل في أماكن اخرى تخلت فيها عن حلفائها المستعينين بها على ميزان القوى المحلي، هي التي أدت إلى تآكل الهيبة الاميركية دوليا، وإلى المواجهة بين المعسكرين داخل أميركا، وعودة الانقسام التقليدي فيها… ومن هنا كانت الطريق قصيرة نحو نهاية مرحلة التسامح الدولي والأميركي الشعبي في مرحلة ما بعد 11 ايلول. لقد ثبت ان فرض ميزان القوى الدولي على المحلي بالقوة يولد انفجارات وكوراث لما يمكن التنبؤ بها سلفا. وتخبط المحافظون بين سياساتهم الانعزالية القديمة وضرورات التورط الاميركي والمسؤولية تجاه الحلفاء الجدد.
وولت فجأة فرحة الضغط السريع على الزناد وفوريتها وسرعة إرسال الجنود، في حالة ازمات مثل لبنان 2006-2008 وجورجيا 2008… ففي الحالتين “مككت” مدمرات اميركية على الشواطئ ولكنها اختفت او لم تفعل شيئا عند الضرورة. وفي الحالة الأخيرة عادت قوى عظمى سابقة الى التأكيد على مصالحها الاقتصادية وأمنها القومي وسيادتها الوطنية، راسمة الحدود أمام الهيمنة الأميركية المطلقة.
ورسب نوع من القيادات المحلية الذي نما وطفا على السطح في أجواء السياسات العدوانية الاميركية النشطة اسير الخيبات وضرورة تغيير سياسته والتعامل مع توازنات القوى المحلية التي لا تشبه توازنات القوى الدولية، والتي بدا وكأنها حيّدت فجأة. وإقليميا أيضا، بدأت قوى حليفة للولايات المتحدة مثل تركيا بالبحث عن استقلالية نسبية في صياغة تحالفاتها وعلاقاتها.
نحن نشهد نوعا من العودة للصيرورة التي بدأت قبل أحداث 11 ايلول، وأقصد الضيق العالمي بالأحادية القطبية، هذا الضيق الذي قطعته تلك الأحداث والهجمة الأميركية التي تلتها، واستغلال قوى محلية لهذه الهجمة في تعديل موازين محلية لمصلحتها. عاد الضيق الدولي بهذه السياسة مع الفرق أنه في هذه الأثناء نشهد عودة للدولة الوطنية عموما مع تأكيد اكبر على دور الدول الكبرى… لم نعد الى الحرب الباردة ولا الى تعدد القطب وليس لدينا إيديولوجيات عالمية متصارعة. ولكن بات بالإمكان التمييز بين دول كبرى وبين الدولة الأعظم super power ، وهي ما زالت دولة واحدة… ولكن هنالك بالتأكيد دول تحاول ان تلعب دور الدول الكبرى الإقليمية وأن تستقل بالقرار حين يتعلق الأمر بمصالحها الوطنية… ويحدث هذا الامر تآكلا بالهيمنة الأميركية ويضع لها حدودا.
وطبعا من بين هذه الدول القوية الصاعدة اقتصاديا الهند والبرازيل وهي ليست في حالة خصومة بل في حالة تحالف مع الولايات المتحدة. ويمكن القول ان اميركا كسبت في الهند حليفا مهما في آسيا… لا يشبه كل الحالات الصاعدة. ولكن هنالك الصين وروسيا. وهنالك الانتهازية الأوروبية في السياسة الخارجية. وهذا لا يعني طبعا مرحلة ما بعد أميركا… كما يتمنى البعض. فلم تصل الامبراطورية الى هذه الدرجة من الانحلال والاهتراء بعد. وما زالت قوة لا تضاهى، ولكن بوشر بعملية وضع الحدود لها.
وطوال عام الانتخابات الأميركية، وهو عام 2008 الانتقالي، شهدت المنطقة العربية، والشرق الأوسط عموما، وهي المناطق التي ارتبطت مرحلة بوش بسياسات الولايات المتحدة فيها، تراجعا في السياسة الهجومية لأميركا وحلفائها. وبدأ هجوم سياسي مضاد من قبل خصوم سياساتها المحليين. فقد توجت خسارة إسرائيل حرب تموز 2006، والتي سبق أن عرَّفناها كحرب أميركية بأدوات إسرائيلية، بإتمام عملية تبادل الأسرى الذين شكل تحريرهم بالقوة هدفا رسميا للحرب على لبنان. وبعد تردد طويل حسم “حزب الله” الوضع القائم الساكن بين “موالاة ومعارضة” في لبنان لمصلحة حكومة وحدة بعد اجتياح مواقع “الموالاة” في بيروت واقسام من الجبل يومي 7 و8 أيار. كان ما اقدمت عليه الحكومة اللبنانية بخصوص شبكة الاتصالات التابعة لـ”حزب الله” في محاولة من طرفها لتغيير الوضع الساكن القائم لصالحها… ربما “بروفة”، لما سوف تقدم عليه جورجيا في اوسيتيا الجنوبية بعد ذلك بشهرين لتكتشف ما تغير. وفي العام نفسه أعلنت إيران أن استمرارها في تخصيب الايورانيوم هو موضوع غير خاضع للمفاوضات مع الغرب، وبدأت سوريا التي حوصرت غربيا بفك عزلتها بقوة. لقد بدأ مفعول ما خطط له بعد احتلال العراق بالنفاذ أيضا. وكانت علامة الطريق في الحصار على سوريا قرار فرنسي اميركي اقره مجلس الامن يحمل الرقم 1559 يؤكد على انسحاب القوات الأجنبية من لبنان وإنهاء دور الميليشيات المسلحة (وقصد بها “حزب الله”). كان هذا يجري بنفس واحد مع الهجمة على المنطقة في حرب العراق، كأنه إعصار زعزع أركان مسلمات، وغيّر مواقف الكثيرين من السياسيين والمثقفين، جرفهم نحو المعسكر الاميركي الذي بدا مبادرا ومهاجما ومنتصرا بسرعة خيالية.
وفي فترة فك عزلتها الديبلوماسية عبر تجديد العلاقة مع فرنسا، وبعون من قطر من جهة وتركيا من جهة أخرى لم تتردد سوريا في المبادرة بتأييد علني رسمي على لسان رئيسها للهجوم الروسي المضاد على جورجيا، كما أنها لم تخفِ رغبتها بالاستفادة من هذا التطور في السياسة الروسية لتطوير تسلحها ضد إسرائيل… خاصة بعد أن تبين حجم التورط الإسرائيلي العسكري والسياسي في جورجيا.
وفي يوم السابع من آب، وبروح فترة بوش وبجهل لنفاد مفعول هذه المرحلة، اتخذ ميخائيل ساكاشفيلي قرارا بالهجوم على أوسيتيا الجنوبية. وهي تشكل مع أبخازيا أحد إقليمين انفصاليين عن بلاده جورجيا. وكان الرد الروسي فوريا وساحقا، حتى ليكاد المرء يشك أنه كان جاهزا سلفا… وكأن الحماقة الجورجية متوقعة هرولت إليها جورجيا بسهولة ويسر، أما الرد الروسي فجاء صاعقا ومفاجئا.
ولاحقا، ورغم إدانات الغرب المتلاحقة وجولات المدمرات الاميركية في البحر الاسود اعترفت روسيا ايضا باستقلال أبخازيا واوسيتيا الجنوبية… وقد صوِّر ذلك علناً كنوع من المعاملة بالمثل، بالرد على اعتراف دول غربية كثيرة باستقلال كوسوفو في شباط من العام نفسه.
على كل حال لم يحاول ميدفيديف ولا بوتين ولا الإعلام الروسي الادعاء ان الخطوة الروسية في أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية اكثر عدالة من الخطوات الغربية في كوسوفو، بل برر هذه بتلك في حالات، واعتمد خطاب الأمن القومي على حدود روسيا، ومصالح روسيا الحيوية في ما كان يشكل يوما الاتحاد السوفياتي في حالات أخرى. وليس هذا بالطبع خطاب معسكر سياسي إيديولوجي يقدم أو يدعي أنه يقدم قيما بديلة عن معسكر آخر. بل هي دولة تعتمد في خطابها لغة الأمن القومي ومصالح الدولة والسيادة الوطنية. ليست هذه عودة الحرب الباردة بمعنى الحرب بين نظامين مقترحين على البشرية. ما يجري حاليا هو تراجع السياسة الأميركية في نهاية مرحلة بدأت في حرب الكويت وبداية تفكيك يوغسلافيا، في فترة حكم بوش الأب، وتدخل إدارة كلينتون في صربيا والصومال وأفغانستان وبلغت قمتها في مرحلة بوش الابن بين السنوات 2001-2006. ولا يتخذ هذا التراجع شكل نشوء معسكر بديل يحمل نظرية بديلة… بل ينجم عن فاعلية أكبر للدولة الوطنية ولإرادة الشعوب.
فلسنا امام تعدد أقطاب متحالفة سوية ضد قطب معين، بل لدينا دول كبرى صاعدة، رأسمالية ورأسمالية دولة، ولدينا سيادات متعددة وتصورات متعددة لمصالح قومية وأمن قومي لا يحاول اصحابها فرضها كإيديولوجية على العالم، بل تكتفي بوضع حد للقوة غير المنضبطة وغير المراقبة دوليا للولايات المتحدة.
لم ينشأ معسكر جديد يطلق حربا باردة جديدة، بل عادت الحيوية الى مفاهيم السياسة والأمن القومي في دول كبيرة واثقة من نفسها امام دولة عظمى واحدة. وهي لا تريد أن تسيطر تلك الدولة العظمى على سياستها ومقدراتها، وترغب بوضع حد لاعتباطية فرض إرادتها على الآخرين ولتوسعها الأمني غير المنضبط بقانون.
جاء رد تشيني في بداية ايلول 2008 بزيارته لمناطق الأزمة وإصراره على ضم جورجيا وأوكرانيا الى الحلف الاطلسي باسم إدارة أميركية عرجاء. ولكن محاولته الطمأنة إلى قوة اميركا التي يمكن الاعتماد عليها في دول آسيا الوسطى وفي جورجيا وأوكرانيا لا تصمد في امتحان الواقع. فبعد عودته الى بلده ثم مغادرة البيت الابيض قريبا سوف يترك شعوب ودول هذه المناطق أمام الواقع الذي تواجهه والمتمثل بقوى جارة بحجم الصين وروسيا لا يمكن تجاهل مصالحها وعودة الثقة بالنفس الى تميز سياساتها. فقد بدأت تتصرف كدول عظمى في تخومها على الاقل، وقبل ان تبلور سياسات دول عظمى عالميا. رأينا هذا في حالة الصين وبورما وكوريا الشمالية، ونرى هذا في حالة جورجيا وأوكرانيا، ولا بد ان نرى ذلك في حالة ايران في الحلقة الأبعد من هذه التخوم.
ليست هذه قوى خير مقابل قوى شر. فأوضاع الصين تذكر برأسمالية القرن التاسع عشر والتراكم الرأسمالي الأولي، وكذلك سعيها لتأمين المواد الخام والأسواق. لا هي ولا ورسيا تعرض مبادئ إنسانية أو غيرها في مواجهة السياسة الاميركية، بل تعرض لقاء مصالح وهامش مناورة أوسع لمن يرفض الإملاء الاميركي.
ولا شك في انه في أميركا اللاتينية ذاتها بدأ اليسار التاريخي بالاستفادة من هامش الديموقراطية، ومن عدم قدرة الولايات المتحدة ان تستمر في نهج الحرب الباردة إزاء أنظمة منتخبة ديموقراطيا كما في فنزويلا وبوليفيا. والمهم ان الأنظمة الناقدة لاميركا والمعارضة لسياستها في تلك الدول باتت تبحث عن قنوات تنسيق مع الدول المتمردة على إملاءات القطب الواحد في الشرق… وليس هذا من بشائر معسكر جديد، بل هو من ملامح قوة الدولة الوطنية وقدرتها على التحرك بحرية اكبر في هذا العالم الجديد، مما يشكل حالة جديدة وليس معسكرا عالميا جديدا.
في هذا الواقع تغيب الدولة العربية الإقليمية. ويغيب التنسيق القومي بين الدول العربية في محاولة لملء الفراغ السياسي الذي ينشأ تدريجيا في المنطقة نتيجة لتآكل النفوذ الأميركي في العراق مثلا، أو في لبنان وفلسطين، أو حتى في أزمة الغذاء. فحتى إيران وتركيا، تحاولان التفاهم ودراسة الاحتمالات إزاء هذا الفراغ في العراق، أما العرب فما زالوا مثلا يستثمرون اساطير وحقائق حول الخلاف بين العثمانيين والصفويين لتأجيج الخلافات في ما بينهم… في حين يتفاهم أحفاد العثمانيين والصفويين أنفسهم. من كان يصدق أن رئيس تركيا سوف يزور أرمينيا ليحاول في ما بعد التوسط بينها وبين اذربيجان من اجل انبوب نفط لا يمر في روسيا؟ ولكن هكذا تتصرف دولة، لا بدافع خير ولا شر، بل من منطلق سياسات الدولة ذات المصالح الوطنية والأمن قومي.
النهار