سورية اليوم ما بين الإصلاح والتغيير
ما يزال يشغل هذا الموضوع تفكير كثير من الباحثين العرب والأجانب. اذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر فولكر بيرتيس ورايموند هينيبوش، وبرهان غليون ومرهف جويحاتي وغيرهم. وقام الباحث السوري رضوان زيادة بجهد مشكور بجمع أهم هذه الدراسات والتعليق عليها.
لم تعد قضية الإصلاح في العالم العربي مرتبطة برغبات أو احتياجات بحتة، بل أصبحت بعد 11 أيلول (سبتمبر) مطلباً دولياً. وهذا ما دفع بعض الباحثين والناشطين السياسيين العرب، الذين بحت أصواتهم بالمطالبة بحقوق الإنسان العربي، وتحقيق الديموقراط ية، لمنح مطالبهم شرعية دولية وداخلية في الوقت نفسه.
وقراءة تجربة الإصلاح في حدود كل دولة على حدة تعمق الرؤية؛ إذ تضع التجربة السياسية لذلك البلد تحت مجهر الباحثين والاختصاصين لدراستهما. وقد ظلت سورية لفترة طويلة مفتقرة نسبياً إلى البحث، مما جعل حظها من الدراسة زهيد إلى حد ما. ويرجع بعضهم ذلك إلى فترة الانغلاق النسبي سابقاً وموقف نظامها الذي لم يكن يتقبل النقد كثيراً. وغالباً ما كانت الاستقراءات حول سورية منقوصة نظراً لافتقارها إلى المعلومات الكاملة أو الدقيقة. إلا أن سورية بدأت تتجاوز هذه المرحلة إلى حد ما بعد انتشار الإنترنيت والانفتاح الإعلامي النسبي، وإن ظل الإعلام الرسمي متحفظاً بعض الشيء يفتقر إلى كثير من الأحيان إلى المنهجية العلمية.
برزت على السطح في السنوات القليلة الماضية تدريجياً نسبة من المثقفين والباحثين السوريين الذين بتنا نتابع تعليقاتهم وتقويماتهم الجريئة في الصحافة اللبنانية والعربية، ثم على شاشة الإنترنت. هذه النخبة بدأت تتكلم بجرأة بنفس مختلف، وتحلل الأمور غالباً بطريقة قد لا تتفق بالضرورة مع رؤية النظام السياسية. وهذه الظاهرة الصحية أطلق عليها في حينها ظاهرة « ربيع دمشق «؛ ورغم توقف المنتديات الثقافية عن النشاط والنكسة التي أصيبت بها هذه الظاهرة بسبب مواقف رسمية معارضة، إلا أنها خرجت عن طوق الحصار. وباتت هذه النخبة تتحدث بنفس جديد، وتحلل الأمور بطريقة قد لا تتفق بالضرورة مع طروحات الإعلام الرسمي السياسية، وإن كانت تتوافق معه بدرجة أو بأخرى أحياناً، بيد أن الروح العلمية والتراكم البحثي والمنهجي، حتى لدى الطليعة التي تجرأت على طرح الأمور بصراحة، بقيا ضئيلين بحكم حداثة التجربة السورية في ممارسة حرية الرأي بعد عقود طويلة من الغياب. ولعل اندفاعية المعارضة في طرح آرائها، بعد طول سبات قصري، جعلها تفتقر إلى التأني، وإلى المنهجية المعرفية و التي كانت بدورها تحتاج إلى خبرة وصقل. بيد أن اشتراك بعض الباحثين الغربيين المشهود لهم وبعض الباحثين العرب أو السوريين المقيمين في الخارج، قد أغنى هذه التجربة السورية الناهضة بعض الشيء.
المسألة الأساسية التي بدأ النقاش حولها هي ما إذا كنا نريد الإصلاح الشامل أم التغيير. ظلت هذه المناقشة غير محسومة كما ظلت محصورة ضمن نطاق ضيق من المثقفين على اختلاف مشاربهم، تعبر عن حالة من الاضطراب الفكري التي يعيشها جانب من الرأي العام المثقف المشدود ما بين الأمل في التغيير(في مجال الانفتاح السياسي والاقتصادي) والسماح بحرية الرأي، وبين اليأس من تغيير أوضاع استمرت أكثر من 40 عاماً.
راهن الفريق الأول على الانفراج النسبي في عهد الرئيس الأسد الابن. بيد أن حماسة هذا الفريق كانت تتطلع إلى إصلاح وتغيير أوسع بعض الشيء فقد تبين له أن الإصلاح والتغيير يقتصران على بعض الإجراءات الاقتصادية الانفتاحية التي كان لابد منها. هذا بالإضافة إلى بعض التعديلات في الأنظمة والقوانين التي لا ترقى إلى مستوى الإصلاح السياسي الشامل.
ويراهن فريق آخر، أكثر اعتدالاً وواقعية اليوم على الإصلاح التدريجي، ويرى هذا الفريق أن سورية تواجه الآن ضغوطات خارجية، وبالتالي يجب أن يكون سقف المطالب معتدلاً أو مؤجلاً. ويرفض هذا الفريق أي دعم خارجي، ويتطلع إلى إصلاح تدريجي بخطى جادة وحثيثة. كما يتطلع هذا الفريق إلى صدور قانون الأحزاب، وإلى بعض الإجراءات الإصلاحية الأخرى، حتى تكتسب معارضتهم طابع الشرعية، ويراهن هذا الفريق أيضاً على النضال بالوسائل السلمية الديموقراطية. إنهم يرون في التعددية الحقيقية الوسيلة المثلى للتغيير عبر ممارسة المعارضة الشرعية.
الحياة – 16/03/08