صفحات العالمما يحدث في لبنان

التغييرات الشرق الأوسطية وأثرها على التسوية في لبنان

رويدا سام منسى
لبنان مقبل على انتخابات تشريعية في شهر حزيران المقبل فيكثر الجدل بشأن هذه الانتخابات، البعض يعتبرها مصيرية وحاسمة سوف تقررمستقبل لبنان ووجهه وهويته بينما آخرون يعتبرونها مهمة إنما غير حاسمة او مصيرية. كما ان آخرين يشككون بإمكان إجرائها ويتوقعون احداثا تؤدي الى تأجيلها.
كل هذه الاحتمالات واردة. وبالرغم من اهمية هذا الاستحقاق اللبناني الا ان مستقبل الاوضاع يرتبط الى حد بعيد بعوامل خارجية اقليمية صاحبة التأثير الأهم على الوضع الداخلي ومستقبل لبنان ودوره في المنطقة.
المتغيرات الشرق الاوسطية
لعل التغيير الأبرز هو رغبة الادارة الأميركية الجديدة اعتماد سياسة الانفتاح والحوار مع الاطراف والدول الممانعة. ولا بد من استشراف ارتدادات النهج الجديد في السياسة الخارجية الاميركية وتداعيات نجاح أو فشل الانخراط في الحوار على أكثر من دولة في المنطقة لا سيما العراق وايران ولبنان وسوريا ودول الخليج وفلسطين.
ومن النتائج الاولى للإعلان عن هذه السياسة الإنفتاحية اتساع هامش المناورة السورية لا سيما مع التقارب بين النظام السوري والاخوان المسلمين، يواكبه ضعف مزمن تعاني منه المعارضة السورية، إضافة الى التخلي السوري عن دعم عناصر قريبة او تابعة لتنظيم “القاعدة” والمقاتلين السنة في العراق.
كما ان المنطقة تشهد ارتفاعا في حدة التجاذب الاقليمي جراء التمدد الايراني نحو المنطقة أو ما درج على تسميته النيات الإيرانية التوسعية في العالم العربي. فايران حاضرة في أزمات المنطقة كافة من العراق الى النزاع الفلسطيني – الاسرائيلي الى لبنان الى الخليج العربي الى افغانستان. وكما وصف البعض ان شعار تصدير الثورة بثوب جهادي يتم اليوم عبر دعم “سلطات محلية حليفة” تسعى الى زعزعة حكومات عربية وبناء تحالفات مع جهات اسلامية راديكالية ومعتدلة في آن واحد.
ومن منطلق ان التطرف يؤدي الى تطرف مقابل، فقد أتى انقلاب “حماس” على السلطة الفلسطينية في غزة باليمين الإسرائيلي المتطرف ليستلم مقاليد الحكم ما زاد من حدة التردد الاسرائيلي لدى القيادات والنخب في حسم الموقف من الثمن المطلوب للسلام وادى الى ترحيل النزاع مع اسرائيل الى نزاعات اهلية داخلية.
وقد أظهرت هذه النزاعات الداخلية تنامي ادوار القوى من خارج الدولة NON STATE ACTOR التي اكتسبت شرعية شعبية بحجة مقاومة الاجنبي او المحتل، ما مكّنها من تعطيل قرارات الدولة.
كما تداعت الشرعية المحدودة لعدد من الانظمة العربية جراء اتساع الهوة بينها وبين الشعوب لمصلحة الحركات الاسلامية المتشددة التي باتت تهدد المستقبل السياسي لهذه الدول. وتجدر الاشارة في هذا المجال الى ما يتردد في اوساط اميركية واوروبية كثيرة من مقولة تروّج لتحويل هذه المنظمات من حركات خارج الدولة الى عناصر مشاركة في السلطة، او الى استلامها للسلطة ما يجعلها تغير سلوكها وتصبح اكثر قابلية للاستيعاب، وطبعا دون الاخذ في الاعتبار تداعيات مثل هذه الطروحات على المجتمعات المعنية لا سيما قوى الاعتدال والليبراليين وغيرهم.
المتغيرات في لبنان
كما المتغيرات على مستوى الاقليم هناك متغيرات في الداخل اللبناني ينبغي الاشارة اليها:
ان فريقا واحدا هو “حزب الله” بات يهيمن على الطائفة الشيعية وهي طائفة رئيسة بين الطوائف اللبنانية. هذا الفريق يتمتع بثقل عسكري ومالي وإيديولوجي وسياسي كبير ويهدف الى تغيير طبيعة النظام في لبنان بحجة شرعية مقاومته لإسرائيل من جهة، والمطالبة بحقوق الشيعة من جهة أخرى.
والسيطرة على الطائفة الشيعية ترجمتها في النظام السياسي اللبناني اما الاستيلاء على القرار السياسي او تعطيله عندما لا ينسجم مع سياسة “حزب الله”.
وبما ان لبنان من الدول التي تشهد ظاهرة تنامي ادوارالتنظيمات خارج الدولة، يعمل “حزب الله” على تقويض النظام التعددي لمصلحة ثلاثية سنية – شيعية – مسيحية تدور في فلكه، يحرم المسيحيون بموجبها من القدرة على التأثير في القرارات. ان هذه المثالثة باتت مطبقة الى حد بعيد على صعيد الممارسة بالرغم من انها غير مكرسة في الدستور!
هذا إضافة الى ان الصعود غير المسبوق لـ”حزب الله” عجّل في تنامي القوى السلفية السنية في مدن الساحل والشمال والبقاع. ما ادى الى تراجع الهوية اللبنانية لمصلحة ولاءات طائفية ومذهبية ومناطقية وتجاذب مذهبي حاد بين السنة والشيعة يقابله انقسام مسيحي – مسيحي.
اما اوضاع مخيمات اللاجئين الفلسطينيين فتشكل صاعق تفجير دائم: مجموعات مسلحة خارج سيطرة الدولة، ملجأ للحركات الارهابية من جهة والاصوليات المتشددة من جهة اخرى ومصغر لمكونات الانقسام الفلسطيني – الفلسطيني الذي تستغله اكثر من جهة اقليمية.
يقابل ذلك اقتناع ينبع من التجارب وبات يشكل ثابتة تاريخية في الحياة السياسية اللبنانية وهو عدم قدرة الجيش على التدخل في النزاعات الاهلية والطائفية.
أخيرا، ان لبنان محاصر بين فكي كماشة: اسرائيل من الجنوب حيث قرار مجلس الامن 1701 وفاعليته رهن بإسرائيل و”حزب الله” وسوريا وايران. سوريا من الشرق والشمال وعلاقاتنا بها تبقى رهينة للخلاف التاريخي حول الكيان وهويته، والمحكمة الدولية وتطورات التحقيق في اغتيال الرئيس الحريري ودور سوريا من خلال حلفائها في لبنان والحدود التي لا تزال غير قابلة للمراقبة الفعالة بسبب ضعف الدولة واجهزتها.
في المحصلة هذه العوامل حولت لبنان الى دولة ضعيفة هشة وغير مستقرة وساحة للصراعات الاقليمية والدولية. انما ايضا لا بد من التذكير بتغييرات إيجابية حصلت اهمها: التطور الايجابي بانتخاب العماد سليمان رئيسا للجمهورية ما حال دون فراغ دستوري في سدة الرئاسة. وتشكيل حكومة وحدة وطنية بالرغم من اعطاء المعارضة الثلث المعطل. والنجاح الجزئي للديبلوماسية الفرنسية بإقامة علاقات ديبلوماسية بين لبنان وسوريا. هل من مخارج لهذه الازمة؟
اقليميا
ينبغي بداية الاعتراف ان لبنان ليس جزيرة منعزلة عن اوضاع المنطقة وبالتالي الواقعية تفرض الاعتراف ان لا سلام ولا استقرار في لبنان دون سلام في المنطقة. انما ما هي الحلول الممكنة لمشاكل المنطقة؟
– ان الدفع في إتجاه سلام فلسطيني – اسرائيلي وسوري – اسرائيلي قد يشكل بوابة الحل في لبنان شرط انخراط لبنان وبالتوازي مع سوريا في مفاوضات غير مباشرة مع اسرائيل حتى لا يدفع لبنان ثمن السلام في المنطقة.
– لا سلام في المنطقة دون التسوية مع ايران على المستويين الاميركي – الايراني وبالتالي العربي – الايراني. ان اي تسوية يجب ان تراعي المخاوف العربية والشعور بما يمكن وصفه بتهديد الهوية العربية.
– ان الحل مع ايران دون حل أزمة الشرق الاوسط لن يؤدي الى نتيجة بل الى طريق مسدود. فابعاد ايران عن ازمة المنطقة واستغلالها هو ضرورة للتسوية معها كما هو ضرورة لاعادة النزاع العربي – الاسرائيلي الى نزاع سياسي عربي – اسرائيلي وتصويبه من التحول الى صراع اسلامي – يهودي ما يجعل الحلول مستحيلة. فالفرصة لا تزال سانحة لحل الصراع كمشكلة عربية – اسرائيلية من باب مبادرة السلام العربية.
– عدم التخلي عن مشروع نشر الديموقراطية في العالم العربي. فاذا لم تكن الديموقراطية شرطا من شروط السلام يصبح السلام غطاء للاستبداد او على غرار ما وصفه احدهم بتحديث الاستبداد بعد السلام. لا مستقبل للاقليات الدينية اوالاثنية خارج الدولة الديموقراطية وذلك على عكس ما يجري ترويجه من بعض الانظمة الاستبدادية وحلفائها بان هذه الانظمة تحفظ الاقليات من طغيان الاكثرية.
لبنانيا
من الصعب مقاربة حلول الازمة في لبنان عبر المقارنة مع أزمات تعيشها دول اخرى. بسبب حجم “حزب الله” وقوته ونفوذه وتسلحه. من الخطأ المميت تقديم الاصلاحات او التنازلات وكأنها ثمرة لأداء الحزب والاعتراف بمصادرته للطائفة الشيعية وتمثيله لها.
في ضؤ هذه الوقائع ووسط مناخ التسوية الاقليمي هل تصبح مقاربة مخارج الازمة اللبنانية اقرب الى الواقع؟ بالرغم من ضيق المساحة ولتلافي الوقوع في تشاؤم محبط يمكن القول انه لا يزال ممكنا التوصل الى تفاهمات حول عدد من الاجراءات على المستوى الداخلي اهمها:
– التمسك بإتفاقية الهدنة مع اسرائيل الى حين التوصل الى السلام الشامل.
– اعتماد لجان الحوار الرئاسية لاصلاح تدريجي عبر الحوار لاعادة اصلاح النظام واعادة التوازن الى صناعة القرار في الدولة اللبنانية لا سيما القرارات السيادية.
– حماية لبنان كيانيا عبر ترسيم الحدود لا سيما شبعا. ان ضمانة دولية لحياد لبنان حياداً توافقياً لبنانياً – عربيا تجعل من لبنان نموذجا للتعايش الاسلامي المسيحي وتبعده عن موجة التجاذب السني الشيعي الذي تعيشه المنطقة.
– تحصين لبنان عبر وضع شرط نزع او تحييد سلاح “حزب الله” عن اي حوار مع ايران وانشاء لجنة من الخبراء العسكريين تضع استراتيجية دفاعية على قاعدة ان قرار السلم والحرب هو بيد الدولة المدعومة من المجتمع الدولي. – توسيع مجال عمليات القوات الدولية 1701 الى البقاع ما يؤمن عمقا للجيش اللبناني لحماية لبنان من الاعمال التي قد تستدرج اعتداءات اسرائيلية جديدة.
– اعلان بيروت مدينة عربية مفتوحة لحوار الاديان والثقافات وترويج لقيم الديموقراطية والحداثة وتكريس الدولة المدنية ومجتمع لبناني منفتح.
هل التجربة تشجع على اعتبار “حزب الله” مؤهلا للعملية السياسية من داخل المؤسسات؟ وماذا لو تمكن الحزب وحلفاؤه من حصد الاكثرية داخل مجلس النواب؟ هل يبقى من مجال لتداول السلطة بواسطة العملية الديموقراطية؟

– واشنطن
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى