صفحات سوريةغسان المفلح

الديمقراطية السورية داء ودواء.

null
غسان المفلح
بعد حيز لا بأس به من المنافحات الأيديولوجية، والمناكفات التي تتسم أحيانا بطابع شخصي، وبعد هزال المشهد الثقافي المسيس، أو المشهد السياسي المثقف على المستوى الديمقراطي المعارض في سورية، والذي سببه الأساس في أن القمع دوما له مهمة محددة في هذا المجال وهي قطع أية صيرورة نحو مشهد أكثر عمقا وحركية للحراك السياسي والثقافي والفكري. بعد كل هذا نجد أن العودة دوما لقراءة مفاهيم تتردد كثيرا في كتابات وشعارات المعارضة السورية أمرا لا بد منه في الحقيقة. ومنها شعار أو مفهوم الديمقراطية.
نبدأ من نتيجة أولى طالما غابت دوما عن التحليل المعارض، وحتى عن دعاة الديمقراطية من الغربيين الطيبي النوايا تجاه شعوب المنطقة، وهذه النتيجة محكومة بسقف أصيل في النظام السوري. وهي أنه نظام من طبيعة غير قادر على إجراء أية زحزحات على المستوى الديمقراطي في سورية. والسبب خبيث وقد تأصل واختفى حتى درجة الإبهار! وهو سبب يتعلق بالمأزق الطائفي للنظام. نذهب يمينا ونذهب شمالا في تحليلاتنا للبنية السلطوية في سورية، ندرك بعد أفق ضيق لأطروحاتنا: أننا أمام حائط مسدود. قراءاتنا واضحة في كثير من الأمور، ولكن ما نحتاج أن نقرأه نحن ومعنا أصحاب السلطة، وبنوايا وطنية طيبة، كما يتردد دوما عند أصحاب الاتجاه الإصلاحي أو الحواري مع السلطة. هو هل يستطيع النظام الخروج من المأزق الطائفي فيما لو أراد ذلك أو تحت ضغوط خارجية؟ وينفتح على أفق ديمقراطي؟ على افتراض أن دخول مصطلح الحكم العائلي بعد تسلم الرئيس بشار الأسد للسلطة وراثيا قد دخل حيز التداول. على افتراض أن العائلة تخلت عن الحكم فهل تسمح طبيعة النظام الذي تم بناءه على مدار العقود الأربعة الماضية، أن تحل الإشكال الطائفي العميق للنظام؟ وبدون مواربة، هل لو كان رأس السلطة والذي يقع على عاتقه كل ما يدور في البلاد، لو كان سنيا، هل سيبقى يعيش النظام نفس المأزق تجاه أي انفتاح ديمقراطي؟ أي لو كان لدينا نظاما ديكتاتوريا  في سورية بزعامات سنية، فهل يبقى المأزق نفسه؟ أسئلة من طابع عملي من جهة وافتراضي من جهة أخرى، يطرحها الوضع الملتبس للنظام. وانطلاقا من هذه الأسئلة وغيرها نجد أن الديمقراطية تحولت إلى داء يجب مكافحته بشتى السبل والوسائل. في تحليلنا هذا لا نقيم كبير وزن للعامل الإقليمي والدولي في علاقته بهذه السلطة بالذات، لأنه مهما كانت قوة هذا العامل سواء لمصلحة السلطة أم لمصلحة المعارضة، فإن المأزق الطائفي للسلطة سيبقى جدارا عازلا أمام كل ملمح ديمقراطي. والمعارضة مسكينة! تارة تناور إسلاميا مدنيا وتارة تناور علمانيا لا ديمقراطيا وتارة تناور قوميا على هدى قناة الجزيرة وملحقاتها. وتارة تناور إصلاحيا، وتارة تتشدد في التغيير الجذري الديمقراطي، وتارة تطلق وعودا بهذا التغيير ولا يتحقق منها شيئا يذكر. ويبقى المواطن أسير النظام وعلاقاته. المعارضة لها شكل السلطة، بهذه العودة لماركس، لها شكل السلطة المعقد والمركب.
عشرات الأحزاب والتنظيمات الخلبي منها والضعيف والمتكلس وإلى آخر المعزوفة.أن تبدأ بالثقافي في نشر الثقافة الديمقراطية كما يدعو بعض الكتاب والمثقفين: تجد أن هذه أيضا أمام حائط عدم الوصول إلى المتلقي! حجب ومنع وقمع من كل الجهات. نشر الديمقراطية والابتعاد عن الخطاب التحريضي الفج. كله يواجه بإجراءات ممنهجة من القمع والمنع. متى يستطيع مثقفونا أن يصلوا إلى مواطنهم السوري المغيب عن مصيره. وسأضرب مثالا على هذا الأمر لدينا مثقف مميز ومن طراز خاص، يكتب في صحف عربية كالحياة اللندنية منعت في سورية، والجريدة الكويتية لا تصل إلى سورية. حتى عندما كان يسمح للحياة بالدخول إلى سورية كانت الكثير من مقالاته تمزق قبل توزيع النسخة. وحتى الحياة كم كان يباع منها نسخا في سورية؟ لماذا الحجب والمنع بات أكثر من أية دولة عربية أخرى؟ هذه دعوة ثقافية نخبوية كان يمكن أن تؤتي أكلها ولو كان لدينا هامش من عدم المنع والحجب. لا تجد في العالم الغربي واحدا سياسيا كان أم كاتبا أو مثقفا مهتم بالشأن السوري، سواء كان داعما للنظام أو العكس أو حيادي، إلا وتجد أن لغته في الحديث عن النظام بشكل توصيفي بأنه نظام أقلية طائفية ومنهم من يصر على تسميته نظاما علويا. رغم أن طبيعة النظام أعقد من ذلك بكثير. وإن كانت التسمية المفهوم تستغرق جانبا من آليات عمل النظام لكنها لا تكفي لتوضيح الصورة. الإسلاميون لا يريدون التخلي عن أطروحاتهم الملغمة، والقوميون يرجئون التغيير إلى ما بعد مواجهة الإمبريالية الأمريكية، ومن يريدون التغيير محكومون بمعادلات أكبر منهم. هل هذا المأزق المعارض له علاقة بالمأزق الطائفي للنظام؟ والديمقراطية انطلاقا من هذا المنظور تصبح للكثيرين داء، ولكنها الدواء الفعلي للخروج من هذا المأزق عموما ولكي يخرج النظام نفسه من مأزقه هذا. أليس في هذا ما كنا نتحدث عنه بشأن المصالحة الوطنية؟ نعم هي نتيجة يجب النظر إليها وفتح الحوار حولها، كيف تتحول الديمقراطية من داء يخيف السلطة وحواشيها وبعضا من معارضيها إلى دواء يعالج المجتمع السوري ككل؟ هذا سؤال عله يفتح لنا طريقا للحوار حول المأزق الحقيقي لبلدنا سورية، خاصة وأننا جميعا نهرب من معضلة أخرى، أن الديمقراطية لها أمراضها في الوضعية الانتقالية لأي مجتمع، من مجتمع استبدادي إلى مجتمع ينفتح على نفسه وعلى العالم. الديمقراطية على الطريقة الراهنة كثيرا ما تأتي في بداياتها بكوكبة من رجال الأعمال، ومن ناهبي أموال الناس في ظل الديكتاتورية، وأحيانا تفرز مافيات انتقالية على الطريقة الروسية. ولكنها حل لا بد منه ولا مهرب منه إلا مزيدا من تطرف السلطة والمجتمع معا.لأن الديكتاتورية هي توتر دائم ينتظر الانفلات، وبديلها لن يكون سوى سيرا نحو الهاوية للمجتمع ككل بمعارضته ونظامه وشعبه.
هذه هي الديمقراطية بالنسبة لسورية داء ودواء كي لا يصل المرض السوري إلى حالة لا يوجد له بعدها أي دواء.
النداء / خاص

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى