صفحات سورية

المعارضة السورية في لبنان شائعة هدفها سياديو لبنان

null
فارس خشّان
مرة واحدة سمع اللبناينون بوجود معارضة سورية في بلادهم. كان ذلك في العام 1989.
في تلك السنة تراءى للعماد ميشال عون، بعد جلسة« تبصير استراتيجية« أنه يحتاج الى خطوة واحدة »ليكسر رأس حافظ الأسد«، فاستحضر جميع المعارضين للنظام السوري، ووفّر لهم مكاناً آمناً في أحد فنادق الحازمية، حيث عقدوا مؤتمرهم الأوّل، معلنين خطة »الانقلاب الكبير«، بدعم من عون والنظام العراقي.
ولكن عون، عاد فقبض ثمن طرد هؤلاء من لبنان، ذخيرة وممرات آمنة، عندما شنّ حرب الإلغاء على »القوات اللبنانية »متحالفاً بذلك مع كل أتباع النظام السوري، الذين سينقضون عليه لاحقاً في عملية 13 تشرين أول 1990 الشهيرة.
ومنذ ذلك الحين، لم يعد اللبنانيون يسمعون أن السلطة اللبنانية، معترف بها من الجميع أم من فئة، نظمت على أراضيها مؤتمرات مماثلة، بما في ذلك الفترة الممتدة من اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، حتى انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية.
إلاّ أن المفارقة أن العونيين، لا يكفون، منذ قرر »الجنرال» بدء عملية الزحف الى دمشق، عن التحريض على وجود معارضة سورية في لبنان ووجوب ضربها بيد من حديد، لأنه ممنوع على لبنان أن يكون ممراً للمؤامرات على النظام السوري!
المثير للعجب في الجماعة العونية التي تعاني من مرض فقدان الذاكرة، أنها تُهاجم بشعارات »الحكماء« التي كانت يوماً هي ضحية لها، من دون أن تُقدّم أي معلومات يُمكن الركون إليها.
وعلى هذا الأساس، أين المعارضة السورية في لبنان؟
أحد، لا يستطيع الإجابة عن هذا السؤال. الجميع يكتفي بكلام عمومي، لأنه عملياً لا توجد معارضة سورية مماثلة، بل يوجد أفراد سوريون لجأوا الى لبنان، طلباً لحماية موقتة، قبل أن يهاجروا منه الى مجموعة من دول العالم، بناء على اتفاق مسبق مع ممثلية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
وباستثناء النائب السابق مأمون الحمصي، الذي غادر لبنان بعد توفر معلومات لدى أجهزة عربية عن إمكان استهدافه، فإن عدد المعارضين يكاد لا يتجاوز حالياً خمسة شباب، طاردهم الأمن السوري لأنهم ارتكبوا جريمة فظيعة، اسمها الكتابة بحرية على مدوّنات ألكترونية. كان هؤلاء سبعة شباب، لكن إثنين منهم غادروا بعد انتهاء ترتيبات لجوئهما السياسي الى هولندا والولايات المتحدة الأميركية، في حين أن الخمسة الآخرين، يغادرون تباعاً الى عدد من الدول، في مهلة أقصاها شهران.
ومنذ تشكيل جبهة الخلاص الوطني التي تقوم على ركنين أساسيين هما النائب السابق للرئيس السوري عبد الحليم خدام والأخوان المسلمون في سوريا، لم يلحظ وجود أي نشاط سياسي أو شعبي أو إعلامي لهذه الجبهة في لبنان، لا بل إن تيار خدام يعاني الأمرين في محاولة إنشاء قناة فضائية، لأنه يعمل خارج لبنان خصوصاً والدول العربية عموماً.
وقد اقتصرت صلة اللبنانيين بـ»جبهة الخلاص الوطني« على إطلالات تلفزيونية متباعدة، لكل من خدام ومرشد الإخوان المسلمين في سوريا صدر الدين البيانوني.
ومن يُدقق بتوقيت إطلالات خدام والبيانوني، يمكنه أن يُلاحظ أنها طالما تزامنت مع حملات سورية عنيفة على لبنان والقيادات اللبنانية.
ويتناقض هذا المشهد اللبناني مع المشهد السوري، بحيث تحوّلت الشاشات السورية الى شاشات لكل من يستسهل شتم قوى الرابع عشر من آذار بلغة تعلمها من دواوين رستم غزالي وبهجت سليمان ومحمد ناصيف ويستمرئ »تسميع« الروايات المفبركة التي ينشرها ميشال سماحة بالتعاون مع بثينة شعبان على بعض المواقع الألكترونية المعروفة الصلة بالمخابرات السورية.
وفي وقت كان لبنان ـ ثورة الأرز يعمل من أجل الدفاع عن نفسه، وترسيخ مقوماته الجديدة، كان النظام السوري يحوّل بلاده الى وكر لا يعرف أي نوع من أنواع المحرّمات، للتآمر على الأكثرية.
أما في خصوص حركة رفعت الأسد، شقيق الرئيس الراحل حافظ الأسد وعم الرئيس الحالي بشار الأسد، فهي حركة محدودة جغرافياً، وتهدف الى الاهتمام حصراً بجبل محسن، حيث لرفعت الأسد علاقة تاريخية بالنائب العلوي السابق علي عيد، الذي سبق له وسمّى ابنه المعروف رفعت على اسم شقيق الرئيس السوري.
وتخضع هذه الحركة لرقابة أمنية مشددة، على اعتبار أن الاجهزة الأمنية في لبنان، معنية بقمع الجريمة واستعمال السلاح، وليس بقمع التوجهات السياسية.
ووفق ملفات متوافرة، فإن النظام السوري استغلّ العملية الاستقطابية التي تمارسها هذه الحركة من أجل دس جواسيسه فيها، وفي هذا الإطار بيّنت التحقيقات الآتي:
أولاً، إرسال المخابرات السورية لعميلها الرقيب الأول المتقاعد علي عبود، الذي رقّى نفسه الى رتبة عقيد، الى جبل محسن للإدعاء بأنه مرسل للاهتمام بشؤون العلويين من إبن رفعت الأسد رئبال، وقد تمّ إلقاء القبض عليه.
ثانياً، ولوج نواف العلي الى لبنان، بحجة أنه مضطهد من النظام السوري ويطلب الحماية، فتبيّن أنه مُرسل من المخابرات السورية للتجسس على مجموعة رفعت الأسد في لبنان، وتوريطها بعمليات أمنية تسمح بالانقضاض على أفرادها.
وتأسيساً على هذه المعطيات، ثمة سؤال لا بد من أن يجيب عنه »العونيون« قبل غيرهم: أين هم المعارضون السوريون في لبنان المطلوب قمعهم؟
طبعاً، لن يكون هناك جواب عن السؤال، لأن الحالة العونية لا أجوبة محددة لديها عن أسئلة محددة، بل سوف تجدها فوراً تنتقل الى موضوع اللبنانيين الذين يعارضون النظام السوري لأسباب لبنانية، فتشتمهم وتطالب بإعدامهم.
وطبيعي أن هؤلاء لن يلاحظوا أي رابط بين اغتيال الشهيد سمير قصير وبين صلته المعروفة بعدد من المثقفين المعارضين للنظام السوري، ولا بين اغتيال الشهيد جبران تويني وإفراد »النهار« مساحات لمقالات المعارضين لتكون جنباً الى جنب مع مقالات »المستزلمين«.
ومن البديهي أن الفرحين بأن إيران فيها »كم كنيسة »لن يتوقفوا مطلقاً عن أن لبنان موئل المضطهدين الأبرياء من المثقفين والأحرار.
بالأمس القريب،لاحق عدنان عضوم العماد عون، بناء على أمر مخابراتي سوري، بتهمة بث أخبار غير صحيحة تعرض لبنان للمخاطر. كان الاتهام آنذاك باطلاً. اليوم ثمة معطيات ثابتة، يمكنها أن تحرك سعيد ميرزا… لو شاء.
المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى