سورية والتقديرات الاسرائيلية المضطربة
رأي القدس
يعكف الاسرائيليون هذه الايام على تقييم المواقف السورية تجاه عملية السلام، ومحاولة قراءة حقيقة الموقف السوري فيما يتعلق بهذه العملية، ومدى استعداد الرئيس بشار الاسد لتوقيع معاهدة سلام تنظم العلاقات بين البلدين وتنقلها الى مرحلة التعاون في المجالات كافة.
الصحف الاسرائيلية عكست هذا التوجه بنشر تقرير عن اجتماع سري عقد في وزارة الخارجية قبل ايام بمشاركة رؤساء الاقسام فيها، لبحث احياء المفاوضات على المسار السوري، خلاصته ان القيادة السورية مستعدة للتوصل الى سلام مقابل اعادة هضبة الجولان، وهي جادة في هذا التوجه. ولكن هذا التقرير يتعارض مع آخر للمخابرات الخارجية الاسرائيلية ‘الموساد’ يقول ان سورية تدخل في مفاوضات غير مباشرة وبوساطة تركية مع اسرائيل من اجل كسر العزلة الدولية المفروضة عليها ولكسب الوقت.
رغبة سورية، او اي طرف عربي آخر، في السلام لا تحتاج الى اجتماعات سرية ومراكز دراسات لتأكيدها، فالمشكلة لم تكن ابدا في الجانب العربي بقدر ما هي في الجانب الاسرائيلي نفسه الذي يريد السلام والتطبيع دون ان يتجاوب مع المطالب العربية في استرداد الارض.
الرئيس السوري حافظ الاسد قبل لقاء الرئيس الامريكي بيل كلينتون في جنيف في العام الفين، كان مستعدا للسلام اذا ما تلقى عرضا باستعادة كامل الجولان السوري المحتل، ولكن ايهود باراك رئيس الوزراء الاسرائيلي في حينها تراجع عن وعده للرئيس كلينتون في هذا الصدد، الأمر الذي أحرج الرئيس الامريكي امام ضيفه السوري.
ولا نعتقد ان نجله الرئيس بشار سيرفض عرضا اسرائيليا بالتخلي عن هضبة الجولان دون اي شروط مسبقة مقابل السلام، والا لما قبل بالوساطة التركية من الاساس. والشيء نفسه ينطبق ايضا على الجانبين اللبناني والفلسطيني.
المشكلة تتمثل في عدم وجود قيادة اسرائيلية قادرة على اقناع الاسرائيليين بالتخلي عن اطماعهم في الاراضي العربية، والتخلص من عقدة الخوف المتأصلة في نفوسهم وتجعلهم يقعون فريسة اليمين الاسرائيلي المتطرف الذي يلعب على مشاعرهم التوسعية وتضخيم حدة عداء العرب تجاههم.
الاسرائيليون كانوا يعترضون على اعادة مرتفعات الجولان السورية تحت ذرائع امنية صرفة، اي القول بان استعادة سورية لها، قد تجعل المدن الاسرائيلية في مرمى الصواريخ السورية.
هذه النظريات العسكرية سقطت في الحرب اللبنانية الأخيرة، حيث انتهت اسطورة التفوق الجوي الاسرائيلي في حسم المعارك بسرعة، وأثبت سلاح الصواريخ الذي استخدمه حزب الله بفاعلية (4000 صاروخ اطلقت في العمق الاسرائيلي) انه قادر على تجاوز كل التحصينات الطبيعية، مثل الجبال والمرتفعات والوصول إلى أهدافه بدقة متناهية.
هضبة الجولان لم تعد تشكل حماية لاسرائيل، والاحتفاظ بها لن يمنع الصواريخ السورية اذا ما انطلقت في اي حرب في المستقبل من التحليق فوقها في طريقها إلى أهدافها، واذا كان حزب الله يملك أكثر من ثلاثين ألف صاروخ، ترى كم من الصواريخ، مختلفة الأحجام والأبعاد، توجد في الترسانة العسكرية السورية؟
ان تناور الحكومة السورية من خلال الانخراط في المفاوضات غير المباشرة لكسر عزلتها وكسب الوقت، أمر متوقع، ومفهوم في الوقت نفسه، لانه في ظل وجود قيادة اسرائيلية مستعدة للقبول بالانسحاب الكامل من هضبة الجولان، ليس أمام سورية وقيادتها غير الانخراط في عملية سلمية ومفاوضات غير مباشرة لاثبات نواياها أولاً أمام العالم بأسره، ولا مانع اذا ما أدى ذلك إلى كسر العزلة وكسب مزيد من الوقت، ولا يلومها أحد اذا فعلت ذلك.
القدس العربي