سوريا تطارد “تكفيريين” على أرضها… بينهم العبسي !
سركيس نعوم
لا تزال جهات لبنانية عدة، معظمها مؤيد لفريق 14 آذار، متوجّسة من الانتشار العسكري الذي نفذته سوريا على حدودها مع شمال لبنان قبل فترة. واسباب توجّسها كثيرة. منها اعلان الرئيس السوري بشار الاسد قبل اسابيع ان الاسلام الاصولي السنّي التكفيري يشكل خطرا على بلاده، وان المنطقة الشمالية في لبنان (السنية الغالبية طبعا) صارت بؤرة لعدد مهم من المنتمين الى هذا الاسلام. ومنها حصول عملية ارهابية قبل مدة قصيرة داخل العاصمة دمشق وتحديدا في احد شوارع مخيم اليرموك الفلسطيني اوقعت نحو 17 قتيلا وعدداً كبيراً من الجرحى. علما انه كان سبق هذه العملية صدامات وحوادث اغتيال شغلت القيادة السورية. ومنها الانتشار العسكري نفسه اذ اعتبرته انطلاقاً من نظرية المؤامرة الطاغية ليست فقط عند فريق 14 آذار بل ايضاً عند فريق 8 آذار وعلى اللبنانيين عموماً فضلا عن الحلفاء الخارجيين لكل منهما، تمهيداً لمعاقبة شمال لبنان او اصولييه وكل من يعارضها وحلفائها فيه ليس فقط على ايديولوجيتهم التكفيرية او على مسؤوليتهم المباشرة وغير المباشرة عن التورط في الارهاب الذي بدأت تتعرض له الشام في حال وجودها، بل ايضاً على موقفهم السياسي المعادي للنظام في دمشق والمواجه لحلفائه اللبنانيين، وعلى قدرتهم على إلحاق الاذى بهذين الفريقين في حال لم يضع احد حداً لهم.
في اختصار، لا تزال الجهات المذكورة اعلاه تعتبر الاصولية الاسلامية السنّية التكفيرية التي اوقعت الشمال في نكبة عسكرية قبل اشهر (“فتح الاسلام” ومخيم نهر البارد) والتي لا تزال الاعمال الاجرامية لأتباعها ضد الجيش اللبناني ناشطة، نتاجاً سوريا متعمداً الهدف منه ارباك اعدائها في لبنان وزيادة القوة التي استعادها حلفاؤها اللبنانيون وتمكينهم من الانتصار مستقبلا في اي معركة سياسية او عسكرية او أمنية، الامر الذي يعيدها لاعباً بل مقرراً اساسياً في شؤون لبنان، وإن بقي عسكرها بعيداً من اراضيه.
هل من معلومات عن اسباب الانتشار السوري على الحدود الشمالية للبنان وتحديداً الاهداف المتوخاة منه، مخالفة للمعلومات والتحليلات المذكورة اعلاه؟
المعلومات المتوافرة عند مصادر سياسية واسعة الاطلاع لم يعرف عنها ولعها بالنظام في سوريا رغم علاقاتها الجيدة به، بعضها لبناني وبعضها الاخر غير لبناني، تفيد ان سوريا اليوم تعيش مشكلة اصولية حقيقية او بالاحرى مشكلة الاصولية السنّية التكفيرية. ولا يعني ذلك ان النظام فيها صار ضعيفاً وكذلك الامن، وان الخطر الاصولي التكفيري صار واسعا وشاملا وخصوصاً في الداخل السوري الامر الذي يرتب اخطارا كثيرة على الاستقرار، بل يعني ان هناك مجموعة او ربما مجموعات اصولية سنّية تكفيرية صغيرة لا يتجاوز عدد افرادها المئة وقد يكونون نحو ثمانين عنصراً. لكن خطرها كبير جداً رغم حجمها الصغير ربما نظرا الى خبرتها الطويلة في ما يدعيه افرادها واخوانهم وحلفاؤهم “الجهاد”.
الا ان المعلومات نفسها تفيد ان مطاردة الاجهزة الامنية السورية لهذه المجموعات مستمرة ليلاً ونهاراً، وانها لن تتوقف قبل القبض على افرادها او القضاء عليها. لا بل انها لن تتوقف لأن الاصولية المذكورة خطر مستمر وقادر على الانتشار السريع في حال توافر ظروف ملائمة او ثغر او ارتخاء في النظام الامني. وقد ادت هذه المطاردة حتى الآن الى القبض على نحو ثلاثين من هؤلاء والبحث جار عن الآخرين.
واللافت، ودائماً استنادا الى المعلومات نفسها، ان شاكر العبسي زعيم تنظيم “فتح الاسلام” وقائد الاعتداء على الجيش في لبنان والمسؤول عن تدمير مخيم نهر البارد الفلسطيني وتهجير اهله، في عداد هؤلاء الملاحَقين. طبعاً لا يثبت ذلك، وفقاً للمصادر نفسها، ان سوريا لم تكن لها علاقة بهذا الرجل او ان لها علاقة به، علما انه قد يكون افاد منها وافادت منه لكنه غيّر رأيه بعد ذلك وغيّرت رأيها هي ايضاً لان ايديولوجيتيهما متناقضتان، ولأن كلاً منهما يشكل خطراً مصيرياً على الآخر. وكان يجب ان يدرك السوريون ذلك قبلا بسبب تجاربهم مع الاسلاميين ولاحقاً من خلال عِبَر التحالف الاميركي والسعودي مع “اسلاميي” افغانستان ومحرريها من الاحتلال السوفياتي الذين انقلبوا بعد التحرير على حلفائهم وبدأوا العمل لتطبيق روزنامتهم وتحقيق اهدافهم المتنوعة.
هل من اسباب معينة لبدء تكوّن الخطر الاصولي الاسلامي السنّي التكفيري الجديد على سوريا بشار الاسد؟
قد يكون احد الاسباب البارزة بدء سوريا منذ مدة غير قصيرة التضييق على عبور “الارهابيين”، كما تصفهم اميركا والمجتمع الدولي، او “الجهاديين” والمقاومين الاسلاميين، كما يصفهم مسلمون وعرب كثيرون، الى العراق لقتال “الصليبيين” و”الصهاينة” الذين يمثلهم جيش اميركا الذي يحتل العراق والمستفيدين منه من “المكوّنات” العراقية او الشعوب. وهو تضييق اثّر كثيراً في المعركة الدائرة في العراق، ولاحظه الاميركيون وغيرهم واعترفوا به وقد يكون له اثر، وإن غير واضح الحجم بعد، في محاولات تطبيع العلاقات بين دمشق وواشنطن والتي يعمل لها كثيرون، فيما يعمل كثيرون ايضاً لاضعافها. وهذا التضييق ربما يفسر ارتداد العبسي على سوريا.
طبعاً تعتبر سوريا، استنادا الى المصادر المذكورة اعلاه، نفسها انه لا يجوز الفصل بين معركتها ضد الارهاب الاصولي التكفيري وخطوة الانتشار العسكري على الحدود الشمالية للبنان. ذلك ان الهدف منه منع تسلّل افراد او مجموعات من متبنّي هذا الارهاب في لبنان الشمالي وخارجه من لبنانيين، وغير لبنانيين، الى سوريا والحؤول دون تفاعلهم مع جهات سورية، وإن قليلة، قريبة من هؤلاء فكرا إن لم يكن تنظيماً. كما ان الهدف الآخر منه منع التهريب. علما ان العدد لا يزيد على 600 شخص على ما يؤكد السوريون.
في اي حال تبدو المصادر السياسية الواسعة الاطلاع نفسها مقتنعة الى حد بعيد بدور تنامي خلايا الارهاب الاصولي التكفيري في الانتشار العسكري على الحدود مع لبنان الشمالي، وكذلك في بدء النظام السوري حرباً واسعة ضده وضد المنتمين اليه. لكنها ليست مقتنعة بعدم وجود اي هدف لبناني يبتغي هذا النظام تحقيقه من وراء الانتشار والهدف المرجح هو احباط او تخويف الشمال السنّي بمعتدليه الكثر والمتطرفين والذي اظهر استمرار وقوفه مع تيار “المستقبل” وزعيمه سعد الحريري اي مع 14 آذار وضد 8 آذار وحليفيه سوريا وايران، ومنع هذا الشمال من تأمين الانتصار الذي يحتاج اليه “اخصامها” في لبنان في الانتخابات النيابية المقبلة. علما ان سوريا الاسد ترفض الاعتراف بهذا المنطق جملة وتفصيلا.
النهار