المعارضة السورية والحاجة إلى التجديد 1 – 3
د.نصر حسن
رغم أن العنوان عن المعارضة لكن نبدأ من خصمها اللدود وهو النظام السوري , ونرى أنه شهد نقلة تجديدية على مستوى بنيته الداخلية خدمةً لمساره الفردي بتوريث بشار أسد ودخول سورية مرحلة جديدة على المستوى الداخلي, ترافق مع تنحية الجيل القديم والتحرر من أعبائه , ورفد بنيته برموز جديدة من ذات المواصفات الأمنية والفاسدة أي أعاد إنتاج نفسه كنظام مركزي سلطوي قمعي طائفي من الطراز الخاص مكملاً نهجه الأمني السابق أولاً , وعلى المستوى العربي والإقليمي أعاد ترتيب وضعه وحساباته وغادر على أساسها السرب العربي واصطف استراتيجياً وعلنياً مع المشروع الإيراني المذهبي الذي دخل الساحة العربية بعد الفراغ الكبير الذي حصل فيها ثانياً , وأفصح نسبياً عن برنامجه الحقيقي على المستوى الدولي , والذي يلخصه الحفاظ على النظام واستمراره مقابل تقديم التنازلات والمساومات الغير محدودة على كافة الجبهات الاقتصادية والسياسية والوطنية ومسار السلام الذي أصبح علنياً ثالثاً , محصلة ذلك هو أن النظام أعاد إنتاج نفسه وجدد تموضعه السياسي الإقليمي والدولي في حين استمر كما هو على المستوى الداخلي من حيث هو نظام أقلية طائفية, معطياً مزيداً من الدفع الأمني لأجهزته ومزيداً من الفساد ونهب الدولة لرموزه المعروفة , هذا على مستوى النظام والذي لادور للشعب فيه سوى التضحيات والمعاناة المزمنة , ناهيك عن قدرة المعارضة السورية بكل أطرافها من التأثير بمحدادات الصورة الوطنية , هنا السؤال يطرح نفسه , لماذا استطاع النظام إعادة إنتاج نفسه , وفشلت المعارضة في إعادة إنتاج نفسها لتواكب المستجدات على الساحة الداخلية والخارجية ؟!.
يتسلسل الكلام والكتابة والحديث عن المعارضة , لكن المراقب لطبيعة آدائها في السنوات القليلة الماضية , يرى بوضوح أنها لم تستطع أن تفرض الحد الأدنى من خطوات الإصلاح الذي نادى به النظام نفسه في بداية استلام الوريث من جهة , وأيضاً لم تستطع أن تنجز بداية مشروعها الوطني للتغيير ,وراوحت أطرافها الداخلية عرباً وكرداً تحت قمع النظام والاعتقالات المستمرة لقيادة إعلان دمشق وناشطي حركة المجتمع المدني , وأطرافها الخارجية راوحت نظرياً على سطح ذلك المشروع وفي تخوم العمل الوطني وتضاريسه ولم تحقق خطوة نوعية على هذا الطريق , والآن وبظل الوضع الداخلي المتردي وطنياً والمحتقن سياسياً وأهلياً وبالطور الجديد للنظام على المستوى الإقليمي والدولي الذي لايحسب هو الآخر للمعارضة السورية أي حساب يذكر, ازداد النظام طيشاً وصلفاً وفجوراً في ممارسة القمع على المعارضة الداخلية , وهذا الموضوع قد أشبع وصفاً وتنظيراً ,حيث أصبح النظام كبنية وآلية وبرامج واضحاً كل الوضوح أمام الشعب والعالم كله , لكن ماهو المطلوب من أطراف المعارضة وخاصةً جبهة الخلاص الوطني وإعلان دمشق عمله بعد أن تعثر مشروعهما الوطني للتغيير ؟!.
هنا لابد من وقفة وطنية جريئة وصريحة أمام تلك المرحلة من عملها , وأمام البرامج التي طرحتها , وماذا فعلت على المستوى الداخلي لترميم مفهوم الوطنية نفسه الذي بهدله النظام وعمق الانقسام والطائفية والعصبية في سورية؟ , ولماذا لم تستطع أن تتحرر من دائرة النظام والدخول بشكل أكثر جذرية في نسيج المجتمع ؟, ولماذا أخفقت في كسب الرأي العام الداخلي وأيضاً النجاح في كسب المجتمع الدولي ولو على المستوى الحقوقي الإنساني , أي باختصار لماذا لم تستطع إيصال رسالتها للداخل والخارج وبحدها الأدنى على حد سواء؟.
على طريق الإجابة نرى أن عمل المعارضة السورية بكل أطرافها قد تمحور حول النظام نفسه وطبع أدائها اليومي رد الفعل على سياسات النظام وقمعه وتقلباته وفوضاه على كافة المستويات , ولم تحدد نقطة البداية الصحيحة نظرياً ووطنياً وسياسياً , وهي البدء من الذات ومن المشروع والأهداف والوسائل التي طرحتها وإعادة النظر في الآلية الديمقراطية التي غابت عن بنيتها الداخلية , مما حال دون تكاملها على خلفية مشروع وطني ديمقراطي واضح تستطيع تحقيقه في حدوده الدنيا , وبشكل أكثر دقة وصراحة استطاع النظام توجيه المعارضة السورية بشكل مباشر أو خلافه بالاتجاه الذي يريد , فحصرها بوعود الإصلاح الكاذبة حيناً , وحصرت نفسها في متاهة التغيير السلمي الملتبس السريع الغير ممكن عملياً حيناً آخر, وفي العجز عن تحقيق شيء يذكر في معظم الأحيان , وفاتها أن مشروع التغيير ليس مسألة نظرية وطرح شعارات وبرامج دون وجود البنى التنظيمية السياسية الوطنية الديمقراطية المؤهلة والقادرة على تنفيذ ذلك على الأرض , خلاصة الأمر أن المعارضة أضاعت نفسها في متاهات النظام والسلطة وغاب عنها كلياً التوقف عند الخطوة المفتاحية للتغيير, وهي عملية نقد صريحة جريئة شفافة موضوعية عقلانية لعملها وطبيعة أهدافها ,وبالتالي القيام بالتجديد البنيوي الوطني السياسي المطلوب لعملية التغيير.
والحال كذلك , من نافل القول , أن العمل الوطني الديمقراطي هو أطر فكرية حية تعكس حقيقة التفاعلات الوطنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والأهلية في المجتمع في مرحلته الراهنة , متماسكة نظرياً في شكل برنامج سياسي واضح الأدوات والوسائل والطرق والأهداف أولاً , وفهم دقيق لواقع الشعب وطبيعة السلطة والتناقضات الأساسية بينهما ,وقراءة موضوعية لموازين القوى المادية في عملية التغيير ثانياً , واستيعاب المعطيات والعوامل الداخلية والإقليمية والدولية, وفرزها منهجياً وعلمياً يساعد على اتخاذ القرار السليم على المستوى الوطني ثالثاً , وأخيراً توفر الحامل الوطني ( كتلة وطنية )القادر على تحقيق تلك البرامج عبر خطة تنظيمية سياسية متمرحلة على التطورات الداخلية أولاً وأخيراً.
لكن بسرعة وبشكل عرضي , نرى أن ماطبع عمل أطراف المعارضة مع وجوداستثناءات طبعاً , هو أنها تتعامل مع الحاضر بمفاهيم الماضي السياسية التي بطل مفعولها لعدم تجاوبها مع ماهو مطروح على الساحة الوطنية , أي بشكل أكثر مباشرة شاخت ولم تستطع مغالبة التطورات السريعة على المستوى الوطني والخارجي ,والغريب في الموضوع أنها تصر على تلبس العمل المعارض وعلى إرباك العمل الوطني الديمقراطي مضيفةً مجاناً نقاطاً كثيرة لحساب النظام الأمني من جهة , ومن أخرى لازالت بعض الرموز المحسوبة على المعارضة والعمل الوطني الديمقراطي تمارس الغوغائية على مستوى خطابها وموقفها من المسألة الوطنية والطائفية والديمقراطية وتقف بتردد وحيرة أمام كل طرح وطني ديمقراطي حريص على إنقاذ سورية , وتصنف هذا الطرف على أنه من عشاق الديمقراطية وذاك على أنه من خصوم الديمقراطية وذاك ‘قومجي’ وذاك ‘ماضوي’ وتصول وتجول بنفس محددات الخطاب الملتبس والموقف الملتبس والهدف الملتبس ….في ظل هذا الركام, ماالعمل وماهو المطلوب فعله على مستوى المعارضة الوطنية الديمقراطية وبالتحديد ( جبهة الخلاص الوطني وإعلان دمشق ) ؟!. يتبع….قلناه ونكرره اليوم بشفافية كاملة عسى ……يتبع
خاص – صفحات سورية –