لماذا النظام في مأزق لا فكاك منه؟
غسان المفلح
المأزق الذي نتحدث عنه لا يخضع لرغباتنا, ولا يخضع لأن النظام يريده أيضا, بل يخضع لدورة موضوعية تستقي حركة دورانها من استمرار آليات عمل السلطة نفسها, والتي لم يعد شخوص النظام قادرين على الفكاك منها إلا بثورة على الذات! والنظام لازال حتى اللحظة يعتبر هذه النقطة خارج مسار تفكيره بالمطلق. والسؤال المتولد من مقولة بسيطة وفق الوضع الملموس في سورية هو” هل يقبل النظام بإعادة اقتسام السلطة مع القوى الاجتماعية والسياسية في البلاد, اقتساما يبدأ تدريجيا وينتهي بترسيخ أول خطوة عملية نحو بناء ديمقراطي, وهذا ما يمكننا تسميته بالإصلاح من فوق, وهذا ما حدث في غالبية دول العالم في العقدين الأخيرين. هل هذا النوع من الإصلاح ممكن في سورية? ولماذا رغم مرور ثمان سنوات على عملية التوريث, لم نشهد سوى المزيد من تكلس السلطة وتقوقعها على نفسها التي في الواقع لم تعد ضيقة كما يتوهم الكثير منا, وإن كانت تبدو بالمعنى العياني للكلمة تتمحور حول أشخاص عدة لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة. شخصنة السلطة هنا لا يعني بأي حال من الأحوال أن قاعدتها ضيقة. فهي أكبر من طائفة وأصغر بكثير من وطن. وبين الحدين يقع مأزق النظام, فلا هو قادر على البقاء في حيز الطائفة والتأسيس القانوني بناء على ذلك, ولا هو قادر على الخروج إلى الوطن والتأسيس المواطني والوطني بناء على هذا الحيز أيضا. أين يكمن الحل? جميل أن نكثف الأمر بعبارة صيغت في أحد مؤتمرات حزب »البعث« الحاكم تقول »قائدنا إلى الأبد يا حافظ الأسد« والشخصنة هنا تتطلب هذا الامتياز الإلهي والقداسي والذي يمنع الاقتراب منه. العقيد معمر القذافي عندما يقول بهذه المقولة, ويعمل بها قولا وفعلا فإنه مرتاح على سلطته لسببين رئيسيين: الأول ليس لديه إشكالية طائفية عميقة, والثاني يمتلك موردا نفطيا يغطي التكاليف الباهظة التي تقتضيها هذه المقولة, على الصعيد الاقتصادي, مهما كانت درجة الفساد, والتي هي أقل من سورية بكثير, ولهذا أسبابه النفطية أيضا. وهل المجتمع بالفعل يرغب بمحض إرادته ترسيخ هذه المقولة, وبالتالي إعطاء صك تملك كامل له من القائد إلى الأبد? وكي نبقى في الحيز المأزقي نفسه نسأل” هل يستطيع النظام تغيير الوجه الطائفي لأجهزة القوة في البلد من جيش ومخابرات? حتى على هذا المستوى الثقة معدومة ببقية مكونات المجتمع السوري لماذا? في كل الدول التي عرفت أنظمة ديكتاتورية كم دولة فيها بنيت سلطتها على أساس حصر أجهزة القوة في طائفة صغيرة من هذا المجتمع? وأجهزة القوة هي الحضور العياني والملموس لشخصنة السلطة.لهذا تحضر هذه الشخصنة بوجه طائفي. حسنا منذ فترة يحضرني سؤال” لو قالت المعارضة السورية أنها مع مقولة قائدنا إلى الأبد, ما الذي يمكن أن تقدمه السلطة للمجتمع? هل تغير في التركيبة الطائفية لأجهزة القوة? هل يتم تخليص البلد من الفساد? لهذا يمكن لنا أن نكثف الواقع المأزقي للسلطة بتدخل عاملين الطائفية والفساد. وتحولا من منتج نظام خلال عقود إلى نظام منتج لما لا يقبل المساس بهاتين المقولتين. فكيف يمكن لبعض الغرب أن يتغاضى عن هذا في حال أرادت مصالحه ذلك? لهذا قلنا أن فك العزلة عن النظام بعني إعطاء شرعية لمقولتي السلطة هاتين الطائفية والفساد, وهذا في الواقع ما تريده إسرائيل, وبعضا من أوروبا الساركوزية, ولهذا استغربنا كيف هللت بعض المعارضة لما أسمته انفتاحا أوروبيا على السلطة? لم نجد أي عبرة في هذا التهليل, وهل بهذا تساعد على تكريس مقولتي الفساد والطائفية, عدا عن أن مناضليها لازالوا في السجون! إسرائيل هي خير من تعرف نظامنا وأكثر منا كسوريين, لهذا دوما رغم كل التغييرات التي طرأت في العالم بقينا نقول” إسرائيل ليست دولة سلام بالنسبة لشعبنا السوري” هل الانفتاح الأوروبي إسرائيليا, يمكن له أن يعود بالفائدة على شعبنا السوري من جهة, وهل يساعد النظام على أن يخرج من جلده? ربما نبرر للساركوزية هذه ما كثفه الرئيس ساركوزي خلال زيارته لتونس بقوله” يجب أن نتعامل مع الأمر الواقع, وعدم التعامل بناء على بدائل مستقبلية غير واضحة. ولكن هل المعارضة السورية تحولت إلى الساركوزية بسرعة البرق هذه لتعطي شرعية للفساد والطائفية? ليس مطلوبا بالتأكيد خطابات »دونكيشوتية« عن التغيير ولكن مطلوب أن نتحلى بقليل من العقلانية السياسية, والتي تقضي في كثير من أحايين أنظمة القمع تقتضي الصمت بدلا من إعطاء شرعية للضجيج الفاسد, تقتضي طرح الأسئلة أكثر من إيجاد الأجوبة الجاهزة. هذه أوروبا بعضا منها انفتحت ما الذي حدث? أوروبا مرارا وتكرارا كحال المعارضة السورية دوما تصطدم بمأزق النظام رغم كل النوايا الشرير منها والخبيث, ومرة أخرى ستصطدم من جديد, في دورة جديدة من مأزق إسرائيلي مركب يتكرر أيضا ضد السلام. والطرفة أن إسرائيل أيضا لا تريد لهذا النظام أن يخرج من مأزقه المزمن كي لا يخرج الوطن السوري من مأزقه أيضا, ولهذا القول بحثه الآخر. ولكن يبقى السؤال معلقا, هل النظام قادر على الخروج من مأزقه البنيوي هذا?وقبل أن نختم المقال, كنا في المقال السابق قد طرحنا سؤالا افتراضيا مفاده” لو كان النظام السوري له سلطة مشخصة من أصول سنية هل سيبقى نفس المأزق? ولا بد هنا من أن نؤكد توضيحا” بان الأمر يتعلق بأكثرية وأقلية, وليس بتفضيل معتقدي, ولدينا المثال المغربي والجزائري والتونسي نموذجا. فهذه الأنظمة أكثر قدرة على الانفتاح من النظام في سورية لأنه لا يوجد لدى نظامها مأزق طائفي أقلوي.
* كاتب سوري
السياسة