صفحات العالم

العالم الذي ينتظر الرئيس الأميركي المقبل

ريتشارد هاس
كتب رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأميركية مقالا في مجلة نيوزويك الأميركية ينبه فيه الرئيس الأميركي الجديد إلى إرث ثقيل خلفته إدارة بوش، وشرح السبل التي يتعين عليه عبرها التعاطي مع القضايا الدولية والمحلية.
وهذا نص المقال:
يفصل شهران ونصف الشهر فقط بين موعد الانتخابات وتنصيبك، وسوف تحتاج إلى كل يوم منها للاستعداد للعالم الذي سوف ترثه.
وهو ليس العالم الذي كنت تتحدث عنه في حملتك الانتخابية منذ عام أو أكثر، فالحملة والحكم أمران مختلفان جدا. تخاض الأولى بالضرورة في خطوات جريئة وبصراحة غالبا ما تقترب من الكاريكاتير.
يقاوم كل المرشحين تحديد أولويات أو تنازلات خشية خسارة دعم قيم. لقد ربحت، إنما بثمن، فبعض الأمور التي قلتها كان من الأفضل ألا تقولها. والأهم من ذلك حتى، لم تحضّر الحملةُ الناس للأزمنة الصعبة الآتية.
سوف تمر أيام تتساءل فيها لماذا بذلت كل هذا الجهد للحصول على هذا المنصب. وما سيجعل الأمور صعبة جدا ليس فقط كل ما ينتظرك إنما القيود التي سوف تفرض حدودا على ما يمكنك القيام به فعلا.
عندما أصبح جورج دبليو بوش رئيسا قبل نحو ثمانية أعوام، كان العالم ينعم بالسلام إلى درجة كبيرة والجيش الأميركي محررا من الالتزامات إلى حد كبير، وكان سعر برميل النفط 23 دولارا والاقتصاد يسجل نموا يفوق الثلاثة بالمائة، وكان الدولار الواحد يساوي 116 ينا يابانيا، والدين القومي دون ستة تريليونات دولار والحكومة الفدرالية تدير فائضا كبيرا في الموازنة.
وعززت هجمات 11 سبتمبر/أيلول، على الرغم من كلفتها الكبيرة علينا كأمة، استعداد العالم للتعاون معنا.
أما أنت فسوف ترث في المقابل حروبا في العراق وأفغانستان، وقوات مسلحة منهوكة القوى وموزعة على جبهات عدة، ومعركة عالمية مع الإرهاب، ونفطا وصل سعر برميله إلى 150 دولارا، ودولارا أضعف (يساوي الآن 95 ينا يابانيا).
وسترث أيضا مشاعر عداء قوية لأميركا، وعجزا في الموازنة الفدرالية قد يصل إلى تريليون دولار في عامك الأول، ودينا قوميا يزداد تضخما وقد يصل إلى عشرة تريليونات دولار، وتباطؤا اقتصاديا عالميا سوف يؤدي إلى تفاقم عدم الاستقرار في بلدان عدة.
سوف تتسلم منصبك بعد عقدين من انتهاء الحرب الباردة. وما وصفه البعض بالمرحلة الأحادية القطب أصبح من الماضي. فالسلطة الاقتصادية والسياسية والعسكرية في أيد كثيرة ليست كلها ملكا للدول، وليست كلها حميدة.
لا يعني هذا أن الولايات المتحدة ضعيفة. على العكس، لا تزال هذه البلاد الكيان الأقوى في العالم. لكن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تسيطر، فما بالكم بأن تملي إرادتها، وتتوقع من الآخرين أن يطيعوها.
ثمة حدود للموارد الأميركية وفي الوقت نفسه تعاني البلاد هشاشات خطيرة. لقد خلف إفلاس شركة “إنرون” وسجن أبو غريب وإعصار كاترينا والأزمة المالية ضحية: فقدرة أميركا على أن تملي على الآخرين ما يجب القيام به أو على إقناعهم من خلال القدوة تضاءلت إلى حد كبير.
انطلاقا من هذه الخلفية، سوف تواجه تحديات خاصة. وسوف تجد الكثير منها في الشرق الأوسط الأكبر، ذلك الجزء من العالم حيث تعثر جميع الرؤساء بدءا بجيمي كارتر.
لنأخذ على سبيل المثال العراق الذي سيطر على سياسة بوش الخارجية. سوف يجد المؤرخون الوقت الكافي لاستخلاص الحكمة (أو عدم الحكمة) وراء شن هذه الحرب المكلفة التي ذهبنا إليها بملء إرادتنا.
الأولويات الآن هي خفض الوجود العسكري الأميركي تدريجيا، ودعم دمج الأقلية السنية العراقية في المؤسسات الوطنية، وإقناع الدول العربية بمساعدة الحكومة والشروع في حوار مع إيران حول مستقبل العراق.
الخبر السار هو أن الكثير من الأسهم في العراق تشير، وأخيرا، في الاتجاه الصحيح ولن تطغى المسألة العراقية على رئاستك.
الخبر السيئ هو أنك تعرف أن طريقا شاقا بانتظارك عندما يكون العراق هو الخبر السار. تشير الأسهم في الاتجاه المعاكس في أفغانستان. تكتسب حركة طالبان مزيدا من النفوذ والوضع الأمني يتدهور وتستشري المخدرات والفساد.
ثمة حاجة إلى مزيد من القوات الأميركية والتابعة لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، لكن يجب أن تكون الزيادة مؤقتة نظرا إلى تصاعد القومية الأفغانية. ويجب أن تكون الأولوية القصوى تدريب الجيش والشرطة في أفغانستان.
هناك حاجة إلى محادثات منتظمة مع من لديهم مصلحة في مستقبل البلاد، ولا سيما إيران وباكستان والهند والصين وروسيا والناتو.
ويجب أن تتشجع الحكومة على لقاء زعماء طالبان المستعدين للموافقة على وقف لإطلاق النار. وعلى الرغم من أن جهود مكافحة المخدرات ضرورية، فإنه يجب أن تكون استهدافية ومتحفظة خشية التسبب بمزيد من النفور لدى الناس.
قد يكون من الأفضل أن تنظر إلى أفغانستان وباكستان باعتبارهما مشكلة واحدة، بما أن باكستان تؤمن ملاذا لحركة طالبان. تبدو الحكومة الباكستانية غير قادرة على أو غير مستعدة للسيطرة على أراضيها.
وعودة البلاد إلى الديمقراطية هي في أفضل الأحوال هشة وغير مكتملة ولقد تباطأ اقتصادها.
تسير ثاني أكبر دولة إسلامية في العالم من ناحية عدد السكان -تضم 170 مليون نسمة وعشرات الأسلحة النووية وعددا كبيرا من إرهابيي العالم بينهم إرهابيو تنظيم القاعدة- نحو الفشل.
يجب أن تستمر المساعدات الموعودة في التدفق إليها، ويجب تأمين مساعدات اقتصادية وعسكرية إضافية لتعزيز الحكومة هناك لكن بعد موافقة إسلام آباد على شروط تُفرض على طريقة استخدام هذه المساعدات.
ويجب أن تقتصر الغارات العسكرية التي تستهدف الإرهابيين على تلك التي تملك فرصة كبيرة بأن تحقق اختراقا نوعيا.
تطرح إيران تحديا آخر تعاملت معه الحملة بسخونة أكثر منه بوضوح. إذا واصلت طهران تقدمها الحالي في مجال تخصيب اليورانيوم، فسوف تواجه في بداية رئاستك خيار مهاجمة إيران أو إعطاء الضوء الأخضر لهجوم إسرائيلي أو التعايش مع إيران نووية.
قال لاعب البيسبول يوغي بيرا إنه عندما تقترب من مفترق طريق، اسلكه. أنا أختلف معه في الرأي بكل احترام. ليس أي من الخيارين جذابا.
قد يسمح هجوم عسكري بكسب بعض الوقت، لكنه لا يحل المشكلة. بل إنه يقود إلى انتقام إيراني من الموظفين الأميركيين ومصالح الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان، ومزيد من الارتفاع في أسعار النفط، وهو آخر ما يريده العالم نظرا إلى الأزمة المالية.
ومن شأن إيران مزودة بأسلحة نووية أو قادرة على إنتاجها أن تضع الشرق الأوسط بسرعة على فوهة بركان وتدفع بالكثير من الدول العربية إلى الشروع في تطبيق برامجها النووية الخاصة.
أقترح أن نعمل مع الأوروبيين وروسيا والصين لنضع معا تصورا دبلوماسيا جديدا نعرضه على الإيرانيين.
الهدف المثالي الذي يجب أن نصبو إليه هو أن تقتنع إيران بالتخلي عن إمكانات التخصيب المستقلة، أو إذا رفضت، أن تقبل النظر في الموافقة على حدود واضحة للتخصيب وعلى عمليات تفتيش لجوجة من أجل الإحاطة بالتهديد بطريقة لا لبس فيها.
يجب أن نكون مستعدين لإجراء محادثات وجها لوجه مع الإيرانيين من دون شروط مسبقة. وبشكل عام، من الحكمة ألا نعتبر المفاوضات مكافأة بل أداة للأمن القومي.
ومن المهم أيضا تعزيز الدبلوماسية حيال الإسرائيليين والفلسطينيين. يهدد المأزق الحالي مستقبل إسرائيل كدولة آمنة وديمقراطية ومزدهرة ويهودية.
ويغذي هذا المأزق الراديكالية في صفوف الفلسطينيين وفي مختلف أنحاء العالمين العربي والإسلامي، وهو مصدر كبير للعداء لأميركا.
أكثر من ذلك، ليس الوقت لمصلحتنا: سوف تزيد المستجدات الميدانية والسياسية من صعوبة التوصل إلى حل الدولتين.
لا نستطيع أن نحل هذه المشكلة بسرعة، الفلسطينيون المستعدون لتقديم تنازلات من أجل السلام ضعيفون جدا، والأقوياء غير مستعدين لتقديم تنازلات، لكن بوسعنا أن ندعم المعتدلين الفلسطينيين الذين يمكن أن يصبحوا مع مرور الوقت شركاء لإسرائيل.
يجب أن تكون مستعدا، عاجلا وليس آجلا، إلى التعبير بوضوح عن رؤيتك لسلام عادل ومستقر، وممارسة ضغوط على إسرائيل كي توقف نشاطاتها الاستيطانية، ودفع الحكومات العربية والاتحاد الأوروبي إلى بذل مزيد من الجهود لتحسين معايير عيش الفلسطينيين.
ويجب أن تُبلَّغ حركة حماس بأن الالتزام بوقف إطلاق النار أمر ضروري كي تشارك في أي انتخابات فلسطينية أو مجهود دبلوماسي.
إطار عمل إستراتيجي جديد
هناك تحديات أخرى ملحة بالدرجة نفسها: التعامل مع كوريا شمالية نووية، والعمل لتهدئة روسيا مستاءة وصاعدة من جديد، والتوسط من أجل التوصل إلى اتفاق سلام بين إسرائيل وسوريا، واتخاذ خطوات لزرع الاستقرار في البلدان الأفريقية التي ترزح تحت وطأة النزاعات الأهلية. لكن في الوقت نفسه، يجب ألا تشيح بنظرك عن الأساسيات.
فخلافا لمعظم الحقب السابقة حيث كان خصم ينتمي إلى مصاف القوى العظمى يشكل التهديد الأساسي، عصرنا هو عصر العولمة حيث يتدفق كل شيء تقريبا -من الأشخاص والأموال والمخدرات وصولا إلى السلاح وغازات الدفيئة والفيروسات- عبر الحدود بأعداد كبيرة وسرعة فائقة.
ويشكل جزء كبير من هذه التدفقات تهديدات حقيقية. المشكلة هي أن الترتيبات العالمية لم تواكب هذه التدفقات.
تحتاج المؤسسات الاقتصادية التي أنشئت عقب الحرب العالمية الثانية -ولا سيما صندوق النقد الدولي- إلى تحديث. ونفتقر أيضا إلى الآلية المناسبة للتعامل مع التغير المناخي وأمن الطاقة وانتشار المواد النووية والأوبئة وتهديد الإرهاب.
وضع دين أشيسون وزير الخارجية في عهد هاري ترومان عنوانا غير متواضع إنما دقيق لمذكراته “حاضر عند الخلق” (Present at the Creation).
يجب أن يكون هدفك طموحا بالقدر نفسه: إعداد وتطبيق سياسة خارجية تردم الهوة بين التحديات الكبرى لهذه الحقبة من جهة والهندسة والقواعد الدولية الموضوعة لإدارة هذه التحديات من جهة أخرى.
لا تستطيع أميركا أن تفعل ذلك بمفردها، فتحديات هذه الحقبة لا تنطلق من دولة واحدة ولا تستطيع دولة واحدة أن تحلها. تعدد الأطراف هو السبيل الواقعي الوحيد. والكلمة الأساس هي “الدمج”.
يجب أن نشرك قوى كبرى أخرى في تصميم العالم وتشغيله قبل أن تقضي القوى التي أطلقتها العولمة على القرن الذي نعيش فيه.
وسوف يتطلب ذلك مشاورات مستدامة تعقبها مفاوضات مستدامة. (لا يطرح هذا مشكلة لأن دبلوماسيينا أقل انتشارا على الجبهات من جنودنا).
كما يقتضي قيادة أميركية. ثمة فرصة حقيقية لإحراز تقدم: يدرك عدد كبير من القوى الحالية أنه إما تتعاون في ما بينها وإما تدفع ثمنا باهظا.
الأشخاص مهمون
سوف تجد الوكالات المختلفة الوقت الكافي لإجراء مراجعات مفصلة للسياسات المعتمدة من أجل رفع هذه التحديات وسواها. لكنني سأعرض بعض التوصيات العامة. أولا الأشخاص مهمون.
ليس التاريخ محتوما سوى في جزء ضئيل جدا. تحدثت عن إدارة ثنائية الحزب، ويجب أن تحقق ذلك. يبدو أن السنوات الأربع المقبلة سوف تكون صعبة، ولن ترغب في أن تحاول قيادة البلاد من خلال غالبيات صغيرة.
يستحق أحد هؤلاء الأشخاص التوقف عنده. يجب أن يكون نائب الرئيس مستشارك، وزيرا من دون حقيبة، وليس وزيرا في الحكومة مع مجموعة محددة من المسؤوليات.
تحتاج إلى شخص ذي آفاق شاملة لمختلف جوانب الإدارة يستطيع أن يقول لك ما يجب أن تسمعه حتى لو لم يكن دائما ما ترغب في سماعه.
الشخص الوحيد المحيط بك -ما عدا زوجتك- الذي لا تستطيع أن تطرده هو الأفضل لتولي تلك المهمة. لكن يجب أن تخفض حجم طاقم نائب الرئيس ودوره.
آلية العمل بين الوكالات متحجرة بما يكفي وهي بغنى عن إضافة بيروقراطية أخرى في مجال الأمن القومي.
تفادَ عمليات إعادة التنظيم الواسعة النطاق. فآخر عمليتين من هذا النوع، وزارة الأمن الوطني والمجتمع الاستخباراتي، لم تحققا نجاحا كاملا.
جدول مواعيدك حافل بما يكفي ولا تحتاج إلى العبء الإضافي لإعادة التنظيم، ليست فكرة جيدة عادة أن تعيد تنسيق غرفة العمليات والمريض ممدد على سرير العمليات.
قد يكون الاستثناء الوحيد سياسة الطاقة التي لم تحصل قط على الاهتمام الذي تستحقه. سياسة الطاقة هي جزء من سياسة الأمن القومي.
مواجهة الحقائق
بالحديث عن الطاقة، الوضع الحالي غير مقبول. نرسل مبالغ طائلة إلى بعض أبغض الحكومات في العالم، ونعزز موقعها بينما نبقي أنفسنا معرضين لقطع الإمدادات وتقلبات الأسعار.
هبطت الأسعار أخيرا مع تراجع الطلب، لكن لا يمكن أن يصبح الركود سياستنا في مجال الطاقة.
يظهر عدد كبير من الأبحاث أنه لا يمكننا خفض الاستهلاك من دون التسبب بتباطؤ في النمو الاقتصادي. لم تتحدث حملتك كثيرا عن الحفاظ على الطاقة أو فعاليتها، مع العلم بأنهما يجسدان الفرصة الأكبر لإحداث فرق في السنوات الأربع المقبلة.
لا أتحدث عن الضرائب على الكربون إنما تحديد معايير لما تنتجه وتفعله هذه البلاد في مجال الطاقة. يمكننا أن نعرض تخفيضات ضريبية وإعانات حكومية شرط أن تساهم في تعزيز الفعالية وتحقيق ملاءمة أكبر مع المقتضيات البيئية.
يجب أن نخصص موارد لتطوير بدائل، على الرغم من أن هذه الموارد ستتوافر بكميات قليلة وسوف يستغرق تطوير البدائل وقتا.
وتستحق التجارة أيضا أن نتحدث عنها الآن، على الرغم من أنها ذُكًرت بعد الانتخابات التمهيدية في أوهايو بصعوبة.
عندما تتولى منصبك، يكون قد مر 19 شهرا على تمتع الرئيس بسلطة ترويج التجارة التي تخوله التفاوض على اتفاقات تجارية معقدة ومتعددة الأطراف من خلال اقتصار دور الكونغرس على التصويت على إقرار الاتفاقية أو إسقاطها.
الكثير من اتفاقات التجارة الحرة الثنائية يتداعى، مما يرتب كلفة كبيرة على اقتصادنا وعلاقتنا بأصدقائنا مثل كولومبيا.
سوف يكون من المهم أن تعيد إحياء قدرتك على التفاوض على مواثيق تجارية وإبرامها.
من شأن اتفاقية تجارية عالمية جديدة أن تشكل الأداة الفضلى للاقتصاد الأميركي والاقتصادات العالمية من أجل منع التضخم ومكافحة الركود.
وتشير التقديرات إلى أنه من شأن اتفاقية عالمية جديدة أن تزيد النمو 1% سنويا في اقتصادات الولايات المتحدة والعالم.
تحقق التجارة فائدة مضافة: إنها محرك للتنمية في البلدان الفقيرة. يؤمن الولوج إلى الأسواق الأميركية الوظائف والثروات. وسوف يرتدي هذا الأمر أهمية خاصة، نظرا إلى أننا لن نتمكن على الأرجح من الاستمرار في تخصيص المبالغ الكبيرة نفسها للمساعدات الخارجية.
أؤيد الرأي القائل إن الحجج المؤيدة للتجارة الحرة سوف تسود في نهاية المطاف بسبب المنافع التي تحققها. القطاع الأنجح في اقتصادنا في الوقت الحاضر هو الشركات التي تصدر منتجاتها.تمنح الواردات المستهلكين الخيار وتكبح التضخم.
ويبدو أن خسارة الوظائف مرتبطة بالتغيير التكنولوجي وليس بالواردات أو تصدير الوظائف إلى الخارج.
لكنني تعلمت أن الوقائع ليست سوى جزء من القصة في السياسة. فرصتك الوحيدة كي تفوز في نقاش حول التجارة هي أن تبذل مزيدا من الجهود لحماية العمال الأفراد من تقلبات الحياة العالمية الحديثة.
ويعني ذلك تخصيص حسابات للتعليم وإعادة التدريب خاضعة لنظام الضرائب المؤجلة، واعتماد خيار في الرعاية الصحية غير مرتبط بالوظائف.
لذلك إذا كنت ستضغط في مجال الرعاية الصحية، أقترح عليك أن تربطها بالتجارة.
ليست التجارة المجال الوحيد حيث ينبغي على أميركا أن تحرص على بقائنا منفتحين على التعامل مع العالم من حولنا.
يجب أن نشجع الآخرين كي يستمروا في إعادة تدوير دولاراتهم هنا، من خلال الشراء والاستثمار في الشركات الأميركية من بين أمور أخرى.
نحتاج إلى ملياري دولار في اليوم كي نحافظ على ملاءتنا وحسب. كما أن صد الاستثمارات المشروعة يمكن أن يسبب أزمات في العلاقات الثنائية المهمة. تجب مقاومة هذه الحمائية مهما كان الثمن.
خضت هذه الحملة بقوة ضد بوش، وهذا مفهوم نظرا إلى نسب التأييد له التي تسجل انخفاضا قياسيا. لكن يجب أن تحترس من وضع مسافة كبيرة جدا بينك وبين إدارته. ويكتسب هذا أهمية خاصة لأن بوش ابتعد عن نفسه في ولايته الثانية.
واللافت هو أنه يخلف وراءه أشياء كثيرة يمكنك أن تبني عليها: برامج لمكافحة فيروس ومرض الإيدز حول العالم، وجهود دبلوماسية في الشرق الأوسط، واختراق إستراتيجي مع الهند، وترتيبات استشارية مهمة مع الصين، وعلاقة جيدة مع البرازيل التي تتحول أكثر فأكثر إلى ركيزة كتلة وسطية من بلدان أميركا الجنوبية.
غير أن أحد الميادين حيث تقتضي الحكمة أن تضع بعض المسافة بينك وبين الرئيس الثالث والأربعين، يتعلق بالديمقراطية.
لا تملك أميركا القدرة على تحويل العالم، كما أننا لا نملك ترف القيام بذلك. يجب أن نركز على ما تفعله الدول أكثر من تركيزنا على ما هي عليه.
لا أعني بذلك تجاهل حقوق الإنسان أو وضع مصلحتنا في ترويج الديمقراطية جانبا.
لكن يجب أن نسير ببطء ونركز على توفير الشروط المسبقة للديمقراطية -نظام الضوابط والتوازنات في المجتمع الأهلي والتمسك بالمبادئ الدستورية- لا أن نستعجل الانتخابات أو نفرض التغيير السياسي عن طريق القوة.
كان بوش محقا عندما دعا إلى سياسة خارجية متواضعة. يجب أن تمارس ما بشر به.
دعني أختم بما بدأت به. إنها لحظة من لحظات التاريخ الأميركي التي تستحق وقفة تأمل.
أنت تبدأ مع جرعة كبيرة من الدعم الشعبي، لكن التفويض الذي يمنحك إياه الشعب يحتاج إلى تزويده بالوقود باستمرار.
أقترح عليك أن تعتبر المكتب البيضاوي بمنزلة قاعة تدريس وتشرح للشعب الأميركي ما الذي يجب أن نحققه وما المطلوب لإنجازه.
نحتاج إلى نسخة من القرن الحادي والعشرين عن أحاديث الموقد، التي اشتهر بها الرئيس فرانكلين دي روزفلت خلال أزمة الثلاثينات من القرن الماضي.
بحسب قراءتي للأمور، الشعب الأميركي جاهز لسماع كلام واضح وصريح. فور انتهاء الحملة، ابدأ بالكلام الواضح والصريح.
نيوزويك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى