الغارة الأميركية رسالة إلى سوريا
رندة حيدر
ركّزت معظم التعليقات الصحافية الإسرائيلية أمس على بدء الاستعدادات في اسرائيل للإنتخابات المبكرة، بعد اعلان وزيرة الخارجية تسيبي ليفني فشلها في تشكيل حكومة جديدة. فانتقد أكثر من معلق في صحيفة”هآرتس” عدم مضي ليفني في خيار الحكومة الضيقة وتفضيلها الانتخابات المبكرة واعتبروا خطوتها هذه دليل فشل وعدم شجاعة. ولكن في المقابل رأى آخرون ان قرار ليفني شجاع لأنها لم تستجب لابتزاز حزب “شاس” وحافظت على صدقيتها ونالت احترام الإسرائيليين ولم تفقد ثقتهم، وأكبر دليل على ذلك استطلاعات الرأي التي توقعت صباح أمس فوز حزب “كاديما” بزعامة ليفني بأكثر من 31 مقعداً في الكنيست المقبل في حال جرت الانتخابات في أقرب وقت. وتوقع هؤلاء أن تتزعم ليفني معسكر الأحزاب اليسارية وأن تجعل عملية السلام شعاراً لحملتها الانتخابية، وستعمل على احياء حل الدولتين لشعبين. أما بنيامين نتنياهو فسيحاول تكتيل أحزاب اليمين حوله والحصول على كتلة برلمانية كبيرة، وسيعمل على عرقلة حل الدولتين، لأنه من جهة لن يجرؤ على التنكر للاتفاقات التي جرت في مؤتمر أنابوليس حول القدس، ومن جهة اخرى لا يستطيع التطرق الى الموضوع كي لا يُغضب الأحزاب اليمينية المتشددة. اما الخاسر الأكبر فهو حتى الآن حزب العمل.
الموضوع الثاني الذي استأثر باهتمام الصحف الاسرائيلية كان الغارة الأميركية على الأراضي السورية. فالمحلل العسكري في صحيفة “يديعوت أحرونوت” اعتبر الغارة “رسالة مهينة الى سوريا”، وكتب: “لقد قرر الأميركيون أن يرسلوا رسالة علنية مهينة وصاخبة (…) اسرائيل لم تعرف مسبقاً بالعملية وربما هذا أفضل، فمثل هذه العمليات يقوم قبل كل شيء على السرية”.
وأضاف: “اسرائيل أيضاً بعثت برسالة لفظية الى السوريين، ولكن تنضوي على التهديد باستخدام القوة. فقد التقى وزير الدفاع ايهود باراك امس قائد اليونيفيل وحذّر من بطاريات الصواريخ المضادة للطائرات التي نُقلت من سويا الى حزب الله. فاسرائيل تعتبر ذلك خرقاً للقرار 1701 ونقل وسائل قتالية مخلة بالتوازن فالصورايخ تعرض للخطر تحليق الطيران الاسرائيلي”. أما المعلق رون بن يشاي في الصحيفة عينها، فرأى ان ادارة بوش قررت أن تخلع قفازاتها وتغيير سياستها ضد التنظيمات الارهابية التي تنشط في أفغانستان والعراق. فكما يقصف الأميركيون قواعد “القاعدة” على الأراضي الباكستانية فإنهم قرروا ايضاً قصف هذه المراكز الموجودة في سوريا. لكنه لمح في هذا السياق الى عامل آخر قد يكون وراء الغارة، وكتب: “في تقدير مصادر مطلعة ان هناك فجوة بين النظام في سوريا وعناصر القاعدة التي تنشط في لبنان والعراق. وهذه التطورات هي التي دفعت الأميركيين الى التفكير في أن دمشق لن تغضب اذا هاجمت الولايات المتحدة بنجاح قاعدة تابعة للجهاد العالمي، حتى لو كانت موجودة على الاراضي السورية”.
العملية الأميركية أكدت تحوّل سوريا بؤرة للمشكلات
في انتظار صدور قرار حل الكنيست الحالية وتحديد موعد الانتخابات المقبلة، عاد رئيس الحكومة المستقيلة ايهود اولمرت الى ممارسة مهماته، مما أثار جدلاً في الصحافة الإسرائيلية حول أهلية هذه الحكومة على اتخاذ قرارات مهمة على صعيد التسوية السياسية رغم كونها تتمتع نظرياً بصلاحيات كاملة. ففي رأي صحيفة “هآرتس”، لا يحق لرئيس الحكومة الانتقالية توقيع اتفاقات سياسية، وكل ما هو مطلوب منه “معالجة موضوعية لأزمات عاجلة”. وشددت على عدم قدرة أولمرت على التزام أي تنازلات سياسية مع الفلسطينيين قد تلزم الحكومة المقبلة، فالمطلوب منه في هذه الفترة الانتقالية مواصلة المفاوضات من دون اتفاقات. في صحيفة “معاريف” اعتبر المعلق عوفير شاليح أن قرار المضي نحو انتخابات جديدة تأخر مدة عامين اذ كان يجب أن يتخذ فور انتهاء المعارك في آب 2006، معتبراً أن حكومة أولمرت بعد اخفاقات حرب تموز كانت غير شرعية. وانتقد الكاتب المبالغة في تصوير الاخطار المحدقة بإسرائيل، معتبراً أن النظام الاسرائيلي لا يزال نظاماً قوياً وسبق له ان شهد أوقاتاً أصعب.
على صعيد آخر، نشرت صحيفة “اسرائيل الآن” مقالاً للعميد في الاحتياط يعقوب عميدرور شبّه فيه العملية الأميركية الأخيرة على الأراضي السورية بالغارة التي نفذها الطيران الإسرائيلي ضد المنشأة النووية السورية العام الماضي. وكتب: “(…) تذكرنا العملية الأميركية بهجوم سلاح الجو الإسرائيلي على منشأة نووية سورية في أيلول 2007. ومثلما حدث حينها حدث هذا الأسبوع، فقد رأت الولايات المتحدة ان الضرر الحاصل عن عدم احترام السيادة السورية أقل من الضرر الذي يمكن أن يحصل من رد الفعل السوري، أما بالنسبة الى إسرائيل فكان التخوف من وقوع السلاح النووي في يد السوريين أكبر من التخوف من رد الفعل السوري على العملية. بالنسبة الى الأميركيين، تحولت الحدود السورية – العراقية معبرا لجحافل الارهاب العامل ضد الجيش الأميركي، ولوقف هذا المسار كان على الأميركيين أن يضربوا بقوة خارقين السيادة السورية (…) تؤكد هذه العملية تحول سوريا بؤرة للمشكلات الإقليمية. هذا الأسبوع قال رئيس شعبة المخابرات أمام جلسة للحكومة ان سوريا هي المصدر الأساس لسلاح حزب الله الذي يتحرك بحرية داخل سوريا من خوف او وجل. كما لمح الى نقل قدرات استراتيجية الى “حزب الله”. وهنا يجب ألا ننسى ان لدى سوريا مخزوناً من السلاح الكيميائي. فهل ما قصده رئيس المخابرات هو احتمال ان يشن “حزب الله” هجوماً كيميائيا على اسرائيل؟ في أي حال الواضح اليوم حتى لو لم يكن المقصود نقل الأسرار الكيميائية السورية الى الحزب، ان سوريا فتحت ابوابها أمام هذا التنظيم كما لم تفعله مع اي تنظيم آخر. ومما لا شك فيه أن تأثير نصر الله كبير على الرئيس السوري بعكس والده الذي كان أكثر حذرا”.