بطاقة بريدية إلى واشنطن في أبعاد العدوان الأمريكي على سورية
زهير سالم
العدوان الأمريكي على الأراضي السورية سابقة، بالأمس صحح مسؤول أمريكي سابق بقوله: بل إن السابقة كانت سنة 2005، حيث سبق هذا العدوان عدوان. ويومها تحفظت الحكومة السورية على الخبر الذي تردد على استحياء في بعض وسائل الإعلام.
يأتي العدوان الأمريكي على (السيادة) السورية في سياقات ثلاثة، كلها تؤكد أن دور (الدولة الأعظم) في العالم أصبح بأيد صغيرة ويدار أيضاً بعقول صغيرة ، لا تعرف ما تأتي وما تدع في ظروف حضارية ودولية بالغة الدقة والحساسية.
السياق الأول لهذا العدوان الآثم، سياق أمريكي داخلي يتعلق بالانتخابات الأمريكية، وبمحاولة الرئيس بوش، وإدارته (الجمهورية) تحسين فرص نجاح المرشح الجمهوري (ماكين) بعد أن أجمعت استطلاعات الرأي تقدم منافسه الديمقراطي عليه.
وإذا كانت الانتخابات الأمريكية شأناً أمريكياً داخلياً ليس لنا أن نخوض فيه، فإن لنا أن نستدل في هذا السياق على طريقة تفكير العصبة الجمهورية المتحكمة في البيت الأبيض، والتي رغم الخزي الذي آل إليه أمرها في العراق، ما تزال تعتقد أن اللعب بأوراق الحروب، وإشعال نارها يمكن أن يكون مادة جيدة للدعاية الانتخابية لدى الناخب الأمريكي.
هذا التفكير بحد ذاته كارثة في إطار ما يسمى ثقافة السلم العالمي التي يجب أن تسود العالم، والتي تعمل عليها المنظمة الدولية بمؤسساتها والتي ترعاها الدول الأكثر (تحضراً وتمدناً وقوة..)، هذا التفكير بحد ذاته كارثة إذا كان يدور في أذهان قادة يتحكمون بمصير العالم ومصير الإنسان من خلال ما يمتلكون من أدوات التدمير والقتل.
وستكون المصيبة أعظم بكل تأكيد، لو كان لهذه الذهنية (العصابية المنغلقة) مرتسمات حقيقية في عقول وقلوب جمهور الناخبين الأمريكيين، بمعنى أن حرباً جديدة تعني أن يكسب الرئيس بوش أو حزبه أنصاراً جدداً.
ومن هذا المنطلق نتلمس نحن، أبناء الشعب السوري، المعتدى علينا، والمتحد تحت عنوان السيادة السورية المنتهكة، والتي هي سيادتنا جميعاً، ردود الفعل الإنسانية الرسمية والشعبية على هذا العدوان الآثم.
نتلمس ردود الفعل ليس فقط من الدول أو من وزارات الخارجية فقط، وإنما من المؤسسات المدنية ومن ضجيج الشعوب المعبأة ثقافياً كما يقولون بضرورة احترام القانون الدولي والدفاع عن السلام.
لا يهمنا كثيراً كيف يعلق الناطق في البيت الأبيض على الحدث المنكر وإنما الذي يهمنا بالتأكيد كيف ينظر الجمهور الأمريكي إلى هذا الحدث.
وفي إطار هذا السياق ننظر إلى الأرواح البريئة التي أزهقت في قرية السكرية من أبناء شعبنا على أنها كانت، مع قيمتها الإنسانية المطلقة بالنسبة إلينا، قرباناً رخيصاً تتقدم به إدارة بوش في سوق المزاودات الانتخابية.
والسياق الثاني للعدوان الأمريكي الآثم هو سياق الاتفاقية الأمنية التي تحاول الإدارة الأمريكية أن تفرضها على العراق الشقيق.
ومع خصوصية هذه الاتفاقية العراقية إلا أن من حقنا كأبناء أمة أن نحذر من محاولة الإدارة الأمريكية اللعب على التناقضات العراقية لتمرير هذه الاتفاقية بأبعادها الأكثر خطورة وسلبية. من حقنا في هذا السياق أن نحذر من الدور الذي تتورط فيه الحكومة الإيرانية التي خيبت ظن جماهير الأمة المسلمة بتعاطيها المنغمس في الطائفية مع الملف العراقي. وكذا من الدور الذي تلعبه القوى (الشيفونية) قصيرة النظر، قصيرة الأجل، (بإذن الله) في مراهنتها على بقاء منسلخ عن جسم الأمة وحضارتها وتاريخها ودينها.. العمى هو الذي يحول بين هؤلاء وبين أن يروا مصيرهم في مصير الاتحاد والترقي الذي سبقهم إلى مهملة التاريخ منذ عقود.
في سياق انتزاع التوقيع على الاتفاقية الأمنية تظن إدارة الرئيس بوش أن توجيه لطمة لسورية ربما تفيدها في انتزاع هذا التوقيع، أو ربما هي تحاول أن تؤكد على حقها في أن تضرب انطلاقاً من أرض العراق شرقاً وغرباً وربما أيضاً شمالاً، مع ما في الاتفاقية من نص على عدم جواز استخدام الأراضي العراقية كمنطلق للعدوان على أراضي وسيادة الآخرين.
بعبارة أخرى، فإن التصرف الأمريكي في هذا السياق يريد أن يقول بأن المواثيق والاتفاقيات إنما تلزم الأطراف الضعيفة أو المستضعفة الموقعة عليها، وأن الدولة الأعظم في العالم هي فوق كل المواثيق والاتفاقيات والقوانين. وأنها تستطيع أن تمارس (حريتها المطلقة) حتى وهي تستعد للتوقيع على ما يحد هذه الحرية ولو على أرض الآخرين.
يقال في هذا إن اللطمة جاءت على الخد السوري وأن الرسالة موجهة إلى إيران، بل نستطيع أن نقول إن الرسالة موجهة بالقدر نفسه إلى تركية وإلى العربية السعودية ومن باب أولى كل دولة من دول الخليج. الرئيس الأمريكي يقول، في هذا السياق إنه الرجل الذي لا حدود لسلطته ولا لسلطانه. وإذا كانت الرسالة قد وصلت بهذا المفهوم إلى أصحابها فإن على قادة المنطقة أجمع في هذا السياق أن يتحدوا مع شعوبهم لإرسال الجواب.
والسياق الثالث الذي يقرأ العدوان الأمريكي على سورية على أساسه، هو سياق التناقضات الأوربية ـ الأمريكية في المنطقة. هذه التناقضات التي تظن إدارة بوش إن بإمكانها أن تصادر نتائجها بما يسمى بالضربة الوقائية أو الاستباقية.
فهل الضربة لسورية متعلقة بزيارة الرئيس ساركوزي لدمشق، أو هي تعقيب على زيارة سولانا لها، أو ربما هي الرد المباشر أو المتزامن آنياً مع زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى لندن!!! كل هذا يمكن أن يقال، وكل هذا يمكن أن يكون آفاقاً عملية لكثير من التعليقات والقراءات.
لكن أمرين أخيرين لا بد من التوقف عندهما..
الأول أن على قادة وساسة المنطقة أن يعيدوا قراءة (الحالة) الأمريكية عارية بعد أن أسقط الرئيس بوش كل الذرائع الأخلاقية التي كانت (الرأسمالية) تتستر بها منذ إعلان حربه على أفغانستان والعراق وما تلاهما من أحاديث لم تقنع يوماً الصادقين من أبناء المنطقة عن ديمقراطية وإصلاح وحقوق إنسان..
وقراءة الحالة الأمريكية أيضاً بعد هذا السقوط المريع لإمبراطورية رأس المال التي ما تزال صخرتها تتدهده من أعلى الجبل ولا أحد يدري في أي واد سحيق سيكون المستقر.
والثاني.. أن أبناء سورية أجمعين كانوا صفاً واحداً في إدانة العدوان واستنكاره.لا نعلم أن أحداً ممن يؤبه به من أبناء الشعب السوري وعد الأمريكيين يوماً بأن يستقبلوا بالورود..!! وجاء هذا العدوان ليؤكد مرة أخرى (وحدة الشعب) السوري في رفض العدوان واستنكاره.
الخلاف الوحيد الذي ظهر في بيانات الشجب والاستنكار أن المعارضة السورية طالبت برد أكثر حزماً وحسماً على مثل هذا العدوان..
المركز الإعلامي للاخوان المسلمين في سورية