دواء الأسد
The Washington Post
كان من المهم البارحة مراقبة المسؤولين السوريين وهم ينتحبون غضباً على الغارة التي استهدفت مبنىً بالقرب من الحدود السورية العراقية ونفذّها عناصر من مغاوير الجيش الأميركي بواسطة المروحيّات، فلقد علّق وزير الخارجية السوري وليد المعلّم على الحادثة بالقول “إنّه عمل إجرامي وإرهابي”، فيما تحسّر المتحدّث باسم السفارة السورية في لندن، جهاد مقدسي على ما اعتبره “شريعة الغاب”.
تلك كانت ردّة فعل نظام تركّزت نشاطاته في السنوات الأخيرة على تنفيذ سلسلة من الإغتيالات لكبار الساسة اللبنانيين بمن فيهم رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، وعلى مد ميليشيا “حزب الله” بالسلاح بطريقة غير شرعية لتستخدمه ضد إسرائيل وضد الحكومة اللبنانية الديمقراطيّة، وعلى إيواء كبار قادة “حماس” وغيرها من المجموعات الفلسطينية الإرهابية في العاصمة دمشق، والأبرز من كل ذلك فإن هذا النظام يقوم بإيواء شبكة إرهابية تابعة لتنظيم “القاعدة”، تُرسل 90 في المئة من المقاتلين الأجانب إلى العراق حيث يشنون حرباً على القوات الأميركية وعلى الحكومة العراقية.
إنّ منطق الديكتاتور السوري بشار الأسد يوحي له أنّ باستطاعة نظامه أن يرعى القتلة، وتهريب السلاح، وعمليات التسلّل، والتفجيرات الإنتحارية في البلدان المجاورة ويتوقع في الوقت عينه أن يكون محميًا من التعرّض لعملية انتقامية على يد ديبلوماسية الديمقراطيات المتردّدة. لكن الحقيقة المؤسفة على مدى السنوات الأخيرة، تتمثل في أن قادة الولايات المتحدة والمسؤولين العراقيين ما فتئوا يشيرون الى تسلل مقاتلي “القاعدة” عبر مطار دمشق وعلى طول الحدود السورية مع العراق، وأنّ سوريا كانت ترفض وقف هذه العمليات، دون أن يتمّ الرد على موقفها هذا بشكلٍ مباشر.
غير أنّ إسرائيل دخلت العام الماضي الى الأراضي السورية عدّة مرات لحماية مصالحها الحيويّة، وعمدت الى تفجير مفاعل نووي سري. فإذًا في حال نجحت الغارة الأميركية يوم الأحد الماضي التي استهدفت عميل كبير لتنظيم “القاعدة” في تنبيه الرئيس الأسد الى أنّ الولايات المتحدة لم تعد بوارد احترام سيادة نظام مجرم، ستكون قد أدّت دورها بشكل فعّال.
وكانت حكومة الرئيس الأسد قد اتخذّت مؤخراً سلسلة من الخطوات للخروج من عزلتها، فشاركت في محادثات غير مباشرة مع إسرائيل، وأقامت علاقات ديبلوماسية مع لبنان للمرّة الأولى. بدورها، سارعت الحكومات الأوروبية لمكافأتها على هذه الخطوات، ويتوقّع أن يسارع الرئيس الأميركي العتيد — إن كان باراك أوباما — الى تحسين العلاقات بين البلدين.
إذا كان النظام السوري ينوي فعلاً إقامة سلام مع إسرائيل، والإبتعاد عن إيران وعن الحركات الإرهابية التي يرعاها، ويعيد بالمقابل بناء علاقاته مع الغرب، فذلك سيكون محط ترحيب. أما ما يجب أن يُمنع عن دمشق فهو أن تحصد جوائز إقتصادية وديبلوماسية نتيجة تقرّبها من الغرب، في حين تستمر بزرع العبوات الناسفة في السيارات، ونقل الأسلحة غير الشرعية، وإيواء الإرهابيين.
لقد أوضحت إسرائيل للرئيس الأسد أنها مستعدّة للرد على إرهابه عبر مهاجمتها أهدافاً عسكرية شرعية. واليوم ها هي الولايات المتحدة تبعث له نفس الرسالة، لعلّ الديكتاتور يعيد على الأقل التفكير بالاستراتيجية التي يعتمدها.