المقايضة من طرف واحد
داود الشريان
قيل الكثير عن الغارة الأميركية على الأراضي السورية. فسرت بأنها عمل عسكري محسوب، وفسرت بأنها ضربة سياسية بوسائل عسكرية. لكن أياً كانت أهداف الغارة على منطقة البوكمال السورية، فإنها بددت التفكير بالتمنى الذي سيطر على تحليلات بعض المراقبين المتعاطف مع السياسية السورية في المنطقة، فغيبت التفاؤل بتحسن الظروف السياسية بين اميركا وسورية، واثبتت الغارة ان واشنطن كانت خلال المرحلة الماضية تمهل دمشق، ولم تهمل ملف حدودها مع العراق، فضلاً عن ان الهجوم كشف ان السياسيين العراقيين يقفون في الخندق الاميركي رغم تصريحاتهم المغلفة بالأمنيات وشعارات العروبة.
ليس بالضرورة ان تفضي هذه الغارة الى مزيد من التوتر بين واشنطن ودمشق، فالإدارة الأميركية ليست في وارد الذهاب الى ابعد من مطاردات وتحركات محسوبة لحماية مشروعها في العراق من مخاوف الجيران، وسورية قالت صراحة انها لا تريد، ولا تتمنى وصول الأمر الى المواجهة، وهذا امر مفهوم. لكن غير المفهوم هو لماذا تضع سورية نفسها في هذا الموقف، رغم انها لا تملك من وسائل الرد إلا عبارة: «نحتفظ لأنفسنا بحق الرد»، والتي أصبحت تشبه في معناها عبارة «يصير خير»، والتي يرددها أهل الخليج، وهي جملة لا تحتمل شيئاً في الغالب.
دمشق كانت قادرة على تجنب هذه الغارة الوحشية، والمحافظة على سلامة مواطنيها، وحماية سيادتها بضبط حدودها مع العراق، وتفويت الفرصة على القوات الأميركية باستباحة الأراضي السورية على النحو الذي تم، من خلال اتخاذ اجراء بسيط، يتمثل في تحويل جزء من حشودها العسكرية المرابطة على الحدود اللبنانية، والتي قيل ان أحد أسبابها وقف تهريب المازوت، الى الحدود مع العراق.
تساهل السوريين بقضية ضبط الحدود مع العراق لم يعد مفهوماً في ظل التوجهات السورية الجديدة في السلام مع اسرائيل، والانفتاح على المجتمع الدولي، ناهيك عن خطورته على سلامة الناس وسمعة النظام والسيادة. فهل يعني هذا التساهل ان دمشق لا تزال تأمل بمقايضة مسألة الحدود بملفات اخرى؟ ربما. لكن الحادث الاخير اثبت ان المقايضة تجري من طرف واحد، وهي ربما تكون مفيدة اعلامياً، في أحسن الاحوال، لكنها مكلفة جداً على المستويين السياسي والعسكري.
الحياة