قواعـد اللعبة
ساطع نور الدين
هي اما عملية روتينية حصل مثلها الكثير طوال السنوات الخمس الماضية، او انها تصعيد خطير في الوضع على الحدود العراقية الغربية مع سوريا، التي صارت منذ الاحتلال الاميركي للعراق في العام ٢٠٠٣ هدفا تاليا، ولم تزل.
التقدير الاول هو الارجح حتى الآن على الاقل: الإنزال الأميركي في منطقة البوكمال الحدودية الذي اسفر عن مصرع ثمانية عمال بناء سوريين وجرح آخرين، ليس الاول من نوعه. سبق للقوات الاميركية ان انتهكت الحدود السورية مرات عديدة ونفذت مذابح بحق المدنيين، لا سيما في مدينة القائم التي يقسمها خط الحدود الى نصفين تقريبا. كما قامت بعمليات مطاردة داخل الاراضي السورية لمشبوهين بالتسلل او بتنظيم عمليات تسلل لمقاتلين اسلاميين الى العراق.
هذه المرة، قد يكون انتهاك الحدود السورية اعمق من السابق، اذ بلغ حسب البيان الرسمي السوري ثمانية كيلومترات، كما ان عدد الضحايا اكبر من ذي قبل، وهم مواطنون سوريون اذاعت دمشق اسماءهم، ولا يمكن لواشنطن ان تدعي انهم محاربون من بلدان الشرق الاوسط وشمال افريقيا يستخدمون الاراضي السورية كمحطة للانتقال الى العراق.
لكن ذلك لا ينفي حقيقة ان سوريا هي التي اعلنت عن الانزال، بعد ساعات على تسرب نبأ سقوط القتلى والجرحى الى وكالات الانباء العالمية، وهي التي دفعت الامر الى حد استدعاء القائمين بالاعمال الاميركي والعراقي وتحميلهما المسؤولية والتبعات، كأبسط وسيلة للدفاع عن النفس، في الوقت الذي كان فيه الاميركيون ينكرون حصول الانتهاك للاراضي السورية، الى ان اضطروا لذلك، وأعلنوا بكلام نسب الى مسؤول عسكري في واشنطن وليس الى بيان رسمي صادر عن قيادة قوات الاحتلال في بغداد او المتحدث باسم البنتاغون، مسؤوليتهم عن العملية التي قالوا انها استهدفت مجموعة من منظمي رحلات المقاتلين الى العراق.
صحيح ان كلام ذلك المسؤول تضمن الاشارة الى ان القوات الاميركية قررت ان تتولى بنفسها ملاحقة تلك المجموعات المقاتلة التي أبت دمشق منع تحركها وتسللها الى العراق.. لكن واشنطن، كانت كما يبدو تود التكتم على العملية العسكرية داخل الاراضي السورية، وحصرها في نطاقها الامني المحدود، وعدم تحويلها الى انذار اميركي جديد لسوريا او الى تغيير في قواعد اللعبة الاميركية مع دمشق.. يبدأ على الحدود السورية العراقية ولا ينتهي عندها!
وهذا ما يعيد الى الاذهان الغارة الجوية الاسرائيلية على دير الزور في ايلول العام ٢٠٠٦ ، التي لم تكن اسرائيل تود الاعلان عنها في حينها، ولم تكن لتتحول في ما بعد الى قضية وحجة للحديث عن برنامج نووي سوري مزعوم، لو لم تقدم دمشق بالذات على الكشف عن تلك الغارة ، ولو لم تعمد انقرة قبلها الى تحذير اسرائيل بعد العثور على خزان وقود ألقته احدى الطائرات المغيرة داخل الاراضي التركية.
حتى اللحظة، هذا هو المرجح. ولن تشهد الحدود السورية العراقية تبديلا او تعبئة اضافية، ولن تسجل العلاقات السورية الاميركية المضطربة اصلا ، توترا اضافيا.. الا نتيجة خطأ اكبر في الحساب والتقدير من هذا الجانب او ذاك.
السفير