صفحات سورية

فائض عسكري أميركي على “الحدود” مع سوريا…

جهاد الزين
علّمتنا التجربة في عهد الرئيس جورج بوش ان الطيران الحربي الاميركي لا يشن غارات على الدول المصنفة في خانة اعداء الولايات المتحدة الاميركية فقط، بل ايضا يشنها على دول صديقة لواشنطن. والنموذج الأبرز للدول الصديقة تحت ما سمي “نيران صديقة” هو باكستان، وتحديدا منطقة القبائل في “اقليم الحدود الشمالي الغربي”.
ولن ننسَ طبعا النموذج الذي قدم في لبنان حين سمحت واشنطن عام 2006 للطيران الاسرائيلي (كما للجيش البري) بشن غارات لا سابقة لعنفها التدميري على المواقع والمناطق المعتبرة تابعة او حاضنة لـ”حزب الله” في كل الاراضي اللبنانية كما المواقع المسهِّلة لحركته، وفي فترة كانت فيها الدولة اللبنانية محتضنة (بفتح الضاد) بشكل كامل سياسيا وامنيا من قبل الولايات المتحدة وفرنسا!
… لكن ليس لهذه الاسباب التوصيفية فقط يميل المراقب الى اعتبار الغارة الاميركية على القرية الحدودية السورية مجرد حدث عابر لا اهمية سياسية بعيدة المدى له… فالاستنتاج في هذا الاتجاه، اي عدم تعليق اهمية نوعية على هذه الغارة وعدم اعتبارها تغييرا اكيدا في “قواعد اللعبة” يأتي من السياق الدولي العام للتوجهات الاميركية ومن التحولات العامة التي شهدتها المنطقة وتشهدها وانعكاسها على مستقبل العلاقات الاميركية – السورية.
اولا، من شبه المؤكد ان “تستوعب” القيادة السورية هذه العملية لكي لا تسمح بان تكون ذريعة لتصعيد سياسي ربما لا تزال تريده بعض الاوساط في واشنطن، اصبح او بدأ يفقد سياقه الراهن والأهم المستقبلي مع التحول التاريخي المنتظر في اميركا بترجيح فوز باراك اوباما بالرئاسة.
صحيح ان الجدل لا زال دائرا وبقوة حول حدود التحول الذي يمكن ان ينشأ في السياسة الاميركية حيال ايران مع فوز اوباما، لانه من الثابت ان الخلاف داخل المؤسسة السياسية الاميركية، الجمهورية والديموقراطية، كما داخل القوى الكبرى الغربية كلها ليس على الموقف من ايران النووية، فالجميع مجمعون على عدم القبول بايران ذات قدرة نووية عسكرية، وانما الخلاف هو على وسائل الحؤول دون امتلاكها القنبلة النووية. اوباما، اذا فاز، سيفتح القنوات الديبلوماسية مع ايران. قال ذلك صراحة، لكن الحوار شيء ونتائج الحوار شيء آخر وهو امر لا يمكن التكهن به، او ما اذا كان يمكن حتى ان يصل الى ضربة عسكرية لايران.
الامر بالنسبة لسوريا مختلف، ولا شك ان القيادة السورية باتت تلتقط ذلك. ففي العديد من التحليلات التي قدمها خبراء اميركيون قريبون من مناخ الحزب الديموقراطي، والعدد الاكبر منهم لعب ادوارا في عهد ادارة الرئيس بيل كلينتون لا ترد سوريا كنقطة استهداف رئيسية، بل حتى احيانا لا ترد كنقطة تركيز للسياسات الاميركية المفترضة حيال ايران. حتى ان بعض هذه التحليلات لا يأتي على ذكر سوريا حين يجري توصيف القوى المعتبرة ارهابية: واولها طبعا “القاعدة” تليها ايران وبشكل استطرادي “حماس” و”حزب الله”.
وفي “ادارة” اوباما، اذا تمكن من الفوز، سيلعب، خصوصا في السياسة الخارجية، “نائب الرئيس” جوزف بايدن دورا فاعلا قد يجعل الاتجاهات الديبلوماسية اكثر تفعيلا مع بدء مرحلة التحضير للانسحاب من العراق.
في كل هذا “الجو” حتى لو لم نقل “السياق البادئ” من باب انتظار المزيد من بلورة الامور خارج المنطقة قبل داخلها، يمكن اعتبار الغارة المفاجئة على القرية السورية مفاجئة حتما، ثم الارجح خارج اي سياق سياسي بعيد المدى.
بالمقابل، قد يكون من التكرار القول، ان القيادة السورية التي باتت مستعدة تماما للذهاب الى صلح استراتيجي مع اسرائيل على قاعدة بديهية انهاء احتلال الجولان باعتباره البند الاساس الذي يمثل المصلحة الوطنية العليا للدولة والمجتمع في سوريا… هذه القيادة سيتقرر اندفاعها نحو الدخول في التزامات جديدة في المنطقة بمدى ما ستذهب اليه الادارة الاميركية من دعم (ودفع) لفكرة ومشروع السلام السوري – الاسرائيلي.
لقد شهدنا للمرة الاولى في تاريخ الصراع العربي – الاسرائيلي في عهد الرئيس جورج بوش، موقفا اميركيا رافضا للسلام بالمطلق بين دولة عربية واسرائيل، ويعمل على منع انضاج مسار بهذا الاتجاه. صحيح ان المؤسسة الامنية السياسية الاسرائيلية لا تزال مترددة في السلام مع سوريا (وطبعا حيال السلام الاصعب والاعقد مع الفلسطينيين) لكن كانت الادارة الاميركية تجهد لاحباط مساعي “الجناح” الاسرائيلي الراغب في هذا السلام. هذا لم نشهده منذ 1948، كان العكس هو الذي يحصل، فتخضع واشنطن الراغبة بالسلام للقرار الاسرائيلي الرافض له…
بعد السنوات الصعبة التي عبرها النظام في سوريا بنجاح خلال “صحراء” السنوات الثلاث الاخيرة… من السهل توقع استيعاب الغارة رغم ما ادت اليه من ضحايا كمجرد “فائض عسكري” اميركي عن الكأس العراقي..
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى