صفحات سورية

النصف الآخر من الحقيقة

عدنان حسين
العملية العسكرية الجوية التي قامت بها القوات الأميركية داخل الأراضي السورية الأحد الماضي انتهاك لسيادة سورية، هذا شيء مؤكد، ولاشك فيه، ولا يمكن نكرانه. لكن هذا ايضا هو نصف الحقيقة. أما النصف الآخر منها، فهو أن سورية -أعني النظام السوري- استجلبت لنفسها هذا الانتهاك، الذي ما كان له ليحدث لولا أن السلطات السورية استباحت أصلا -كما صاحبتها ايران- انتهاك سيادة جارتها الشرقية وشقيقتها العراق بتقديم التسهيلات المتعددة الأشكال لإرهابيي «القاعدة»، وفلول نظام صدام حسين، الذين ما فتئوا يروّعون الشعب العراقي يوميا، ويُحدثون أضرارا بالغة في ممتلكاته الخاصة والعامة.
يعرف العراقيون جميعا حق المعرفة أن سورية وإيران لم تكفّا يوما عن التدخل في الشؤون الداخلية لبلادهم. ويعرف السياسيون العراقيون، إن في الحكومة أو في البرلمان أو في قيادات الأحزاب السياسية، أن في حيازة بغداد أطنانا من الوثائق التي تؤكد وتثبت هذا التدخل، وأن بغداد قدمت أهم هذه الوثائق إلى دمشق وطهران، وأن المسؤولين هناك ظلوا ينفون في البداية، ثم وعدوا بالتحقيق، وهو ما لم يحصل إلى اليوم، فبغداد لم تتلق أي إشعار بنتائج التحقيقات السورية والإيرانية الموعودة.
ويعرف العراقيون أيضا أن مئات من «المجاهدين» معتقلون في السجون العراقية، وأن مئات آخرين قُتلوا، إما بأسلحة القوات العراقية أو الأميركية، أو في عمليات انتحارية وهجمات نفذها هؤلاء «المجاهدون» على أهداف أغلبها عراقية ومعظمها مدنية.. وقد مرّ ما لا يقل عن سبعين في المئة من هؤلاء عبر حدود سورية مع العراق، بعدما أقاموا أياما وأسابيع في سورية بعلم سلطاتها، ففي سورية لا يمكن أن يعبر الحدود أحد من دون علم سلطاتها الرسمية التي تستطيع وبكل تأكيد أن تمنع كل حركة على الحدود، بخلاف ما تزعمه هذه السلطات على الدوام من أن الحدود مع العراق طويلة، وليس في الإمكان مراقبتها وحمايتها. واسألوا تركيا كيف تضبط سورية حدودها معها الآن ضبطا كاملا وشاملا، بعدما كانت مفتوحة أمام عناصر حزب العمال الكردستاني إلى اليوم الذي ظل فيه عبدالله أوجلان يحظى بالرعاية والحماية السوريتين، وحينها أيضا كانت سورية تزعم أن ليس في الإمكان ضبط الحدود الطويلة مع الجارة الشمالية.
العملية العسكرية الأميركية انتهاك لسيادة سورية، لكن ليس في مصلحة سورية، مثلما ليس في مصلحة العراق، قول نصف الحقيقة.. مصلحة سورية وشعبها، كما مصلحة العراق وشعبه، هي في وقف الانتهاك السوري، وغيره، لسيادة العراق.
أوان الكويتية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى