صفحات سورية

ملاحظات على العدوان

ساطع نور الدين
لم يقتحم الاعتداء الاميركي الأخير على سوريا حملة الانتخابات الرئاسية الاميركية التي لم يبق منها سوى خمسة ايام، ولعله ضاع في خضمها الاخير والحاسم، ولم يتحول الى عنوان جدي للسجال السياسي، الذي يغلّب كما هي العادة القضايا الداخلية الاقتصادية والاجتماعية، برغم ان الجمهوري جون ماكين حاول اللعب على وتر تجديد الاتهام لمنافسه الديموقراطي باراك اوباما بأنه لم يكن ليجرؤ على اتخاذ مثل هذا القرار، بالاغارة على منطقة البو كمال السورية الحدودية مع العراق.
هذا الاتهام الذي ورد في سياق التشكيك الدائم من قبل ماكين بقدرة اوباما على قيادة اميركا، لا سيما في زمن الحرب، لم يكن عبثا، خصوصا انه ارفق بالقول ان المرشح الديموقراطي اوفد مؤخرا احد مستشاريه السفير السابق دانيال كرتزر الى دمشق لمحاورتها، وهو ما نفاه اوباما على الفور، وأنكر صلته بالموفد وبالزيارة نفسها، لكنه لم يصل الى حد الرد المباشر على ما اتهمه به ماكين شخصيا من الجبن امام مثل هذه الحالة الخاصة بالامن والسياسة الخارجية الاميركية.
بكلمة اخرى، ظلت سوريا موضوعا ثانويا يحظر مقاربته من زاوية جديدة، زاوية الانفتاح او الحوار الذي يفترض ان يكون البديل الوحيد لسياسة الرئيس جورج بوش السورية التي يتفق المرشحان على انها كانت فاشلة او على الاقل غير مجدية. ولم يقدم المرشحان أي فكرة مختلفة… والاهم من ذلك انهما لم يتناولا الاعتداء الاخير إلا من بعده الامني، الذي يلغي عمليا أي نقاش سياسي خاص بالعلاقة الاميركية المضطربة مع دمشق.
ولهذا التقدير تفسير واحد هو ان الاعتداء لم يكن نقطة تحول في مسار السياسة الاميركية تجاه سوريا، ولن يؤدي الى أي تغيير جوهري سواء كان ماكين هو الرئيس المقبل او اوباما. وهو ما يتعارض مع النظرية الاسرائيلية التي شاعت في اليومين الماضيين وتحدثت عن تفاهم ضمني اميركي سوري على التخلص من شبكة امنية مطلوبة بتهمة التورط في تهريب مقاتلين اسلاميين عبر الحدود السورية الى العراق… وهي النظرية التي حركت الكثير من الهواجس اللبنانية عن ان دمشق سمحت لواشنطن بضرب تلك الشبكة كي تجدد التعاون الثنائي في هذا المجال الامني وكي تحصل في المقابل على الضوء الاخضر للدخول العسكري السوري الى شمالي لبنان لضرب الاسلاميين الذين تعتبرهم سوريا خطرا جديا على امنها.
ثمة ملاحظة عابرة، قد لا يكون لها أي معنى، هي ان الجدل السوري الاميركي حول العدوان على منطقة البو كمال كان اقل حدة مما هو متوقع في مثل هذه الحالة، ولم يصل الى مستوى المواجهة الدبلوماسية المباشرة، وكانت البيانات والتصريحات الرسمية المتبادلة تحرص على ابقاء شعرة معاوية اكثر مما تسعى الى قطعها، وكان لافتا ايضا رد الفعل الايراني الرسمي الذي اتسم ايضا بهدوء ملحوظ، ولم يلوح كما جرت العادة بمعاهدة الدفاع المشتركة بين البلدين التي تعتبر ان أي عدوان على احدهما هو عدوان عليهما معا.. وهو ما يمكن ان يعزى الى الاختلاف الجدي بين المقاربتين السورية والايرانية للوضع العراقي.
لعل هذه المعطيات لم تكن كلها وليدة الصدفة.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى