الغارة على سوريا استهدفت منسّق القاعدة فيها
بيل روجيو
قال مسؤول استخبارات رفيع لصحيفة “The Long War Journal” إنّ الهجوم العسكري الأميركي داخل سوريا كان يستهدف قائداً كبيراً ينتمي الى تنظيم “القاعدة” الذي يهرّب مقاتلين أجانب، وأسلحة وأموال من سوريا الى العراق.
دخل فريق عمليات خاصة أميركي الى سوريا في محاولة لإلقاء القبض على أبو غديّة، وهو أحد كبار قادة “القاعدة” والمسؤول عن الشبكة في سوريا منذ العام 2005. وكان محلّلو الإستخبارات الأميركية قد اعتبروا أبو غدية قائد الشبكة السورية حسبما نقلت صحيفة “الواشنطن بوست” في تموز الماضي. وحدد الجيش الأميركي أبو غدية “كهدف كبير” في شباط عام 2008.
وحصلت الغارة في قرية السكريّة القريبة من منطقة “بوكمال” في شرق سوريا، في مكان لا يبعد أكثر من خمسة أميال عن الحدود السورية العراقية؛ وأقدمت أربع مروحيات أميركية على اجتياز الحدود، وحطّت اثنتان منها لإنزال قوات العمليات الخاصة التي تولت تمشيط المباني.
وأسفر الهجوم عن مقتل تسعة أشخاص وجرح 14 شخصاً. وقد ادّعى المسؤولون السوريون أن الضحايا ليسوا سوى عاملي بناء أبرياء وأطفال.
ولم يعلّق المسؤولون الأميركيون على السؤال الذي وجهّته صحيفة “The Long War Journal” لهم عمّا إذا كان أبو غديّة قد قُتل في الغارة أو تمّ القبض عليه.
وتُعتبر هذه الغارة الأولى من نوعها التي تشن على سوريا، في حين كانت الولايات المتحدة تضرب باستمرار أهدافاً تابعة لتنظيم “القاعدة” وحركة طالبان داخل مناطق باكستان القبلية، منذ بداية أيلول الماضي.
إنّ أبو غدية، واسمه الحقيقي هو بدران تركي هشان المزيدي، هو من مدينة الموصل شمال العراق. وهو خلف سليمان خالد درويش، السوري الجنسية ومساعد أبو مصعب الزرقاوي، المسؤول السابق لـ”القاعدة” في العراق الذي قتلته القوات الأميركية في حزيران 2006، في حين قتل درويش في غارة استهدفته في القائم في حزيران عام 2005.
لفت نظر سوريا
حدثت الغارة بعد ثلاثة أيام فقط على قول الجنرال جون كيلي قائد القوات المتعددة الجنسيات إنّ سوريا تعتبر “معضلة”، لأنها ترفض حماية حدودها ولأن عملاء لـ”القاعدة” يعملون داخل سوريا بشكل علني.
وقال كيلي: “إن قوات الأمن العراقية والاستخبارات العراقية تشعر أنّ عملاء “القاعدة” وغيرهم يعملون بمنتهى الراحة في سوريا. وعلمنا أنهم يحاولون بشكل دوري عبور الحدود”.
وأشار كيلي الى أن على الرغم من تقلّص وجود “القاعدة” في منطقة القائم، فهي لا تزال تشكّل خطراً على القوات العراقية والأميركية. وكانت غارة شنّها عناصر من “القاعدة” في 11 أيار الماضي في منطقة القائم أدت الى مقتل 11 شرطياً عراقياً.
هذا وتعمل الشرطة العراقية بمساعدة القوات الأميركية على مضاعفة جهودها لحماية الحدود العراقية. ويقوم الجيش بإعادة بناء سطيحة ضيّقة على طول الحدود مع سوريا في محاولة لوقف التسلّل منها الى العراق. وتابع كيلي: “لقد قمنا بإجراءات ضخمة على طول الحدود السورية تفوق كل ما سبق وقمنا به”.
الشبكة السورية
لطالما شكّلت سوريا مأوىً لعناصر “القاعدة” والبعثيين الذين هربوا لدى غزو الولايات المتحدة للعراق عام 2003. وقد استغّل الإرهابيون والمتمردون الحدود السورية – العراقية الطويلة، والمقفرة وغير المراقبة التي تمتد على طول أكثر من 460 ميلاً في مقابل محافظات الأنبار، ونينوى، والدهق الواقعة غرب العراق.
في أوج حركة التمرّد في العراق، بدأ يتوجّه من سوريا الى العراق بين مئة و 150 مقاتلاً أجنبياً كل شهر. وأدت العمليات التي حصلت في الأنبار الى خفض هذا العدد ليصبح 20 متسللاً في الشهر، حسبما يقول الجيش الأميركي.
ويعيش في سوريا بشكل علني متمردون ملاحقون مثل ميشان الجابوري. وكان الجابوري، العضو السابق في البرلمان العراقي، قد فرّ الى سوريا بعد اتهامه بالفساد لاختلاسه أموال الحكومة، ودعم “القاعدة”. ويتولى الجابوري من سوريا، إدارة تلفزيون “الزوراء” الفضائي الذي يبث أشرطة فيديو تروج لـ”القاعدة” و”الجيش الإسلامي في العراق”، وتظهر هجمات ضد القوات العراقية والأميركية.
وأقامت “القاعدة” شبكة لها من العملاء داخل سوريا لنقل المقاتلين الأجانب، والأسلحة، والأموال لدعم نشاطاتها الإرهابية داخل العراق. ويوجد كتيّب لـ”القاعدة” يفصّل طرق التسلّل الى العراق عبر سوريا، تحت عنوان “الطريق الجديد الى بلاد الرافدين”، وقد وضعه جهادي يُدعى “المهاجر الإسلامي”، واكُتشف صيف عام 2005.
تمّ تقسيم الحدود العراقية السورية الى أربعة قطاعات: الهبور ويمر عبر زاخو في الشمال، معبري تل كجك وسنجار الى غرب الموصل، ونقطة الدخول في القائم شمال الأنبار، والمعبر الجنوبي في الطنف غرب رتبه، قرب الحدود الأردنيّة. واعتبر الجهادي أنّ نقطتي العبور في الطنف والهبور شديدتا الخطورة، في حين أنّ معبر القائم هو الطريق المثلى لدخول العراق.
وكانت القوات الأميركية قد حصلت على الكثير من المعلومات عن “القاعدة” في سوريا بعد مقتل عنصر رئيس فيها في أيلول عام 2007، ذلك أن القوات الأميركية قتلت مثنّى، وهو القائد الإقليمي لـ”القاعدة” في منطقة سنجار.
وخلال العمليات التي قامت بها، وجدت القوات الأميركية العديد من الوثائق والملفات الإلكترونية التي تشرح بالتفصيل “العمل الأكبر للقاعدة لتنظيم، وتنسيق عمليات نقل الإرهابيين الأجانب الى العراق، وأماكن أخرى” حسبما قال اللواء كيفيف برغنر، المتحدّث السابق باسم القوات المتعددة الجنسيات في العراق، في تشرين الأول عام 2007
وقال برغنر إن العديد من الوثائق التي وجدت مع مثنّى ضمّت لائحة ترد فيها أسماء 500 مقاتل من مقاتلي “القاعدة” من “عدد من الدول الأجنبية، منها ليبيا، والمغرب، وسوريا، والجزائر، وعمان، واليمن، وتونس، ومصر، والأردن، والمملكة العربية السعودية، وبلجيكا، وفرنسا، والمملكة المتحدّة”.
واحتوت وثائق أخرى وجدت في حوزة مثنّى على “عهد الشهيد”، وقد وقّع عليه مقاتلون أجانب في سوريا، وعلى تقريرعن النفقات. ويقضي العهد بأن يسلّم الإنتحاري صورة فوتوغرافية له، وأن يتخلى عن جواز سفره، وبأن على المجنّد أن يخضع لدورة أمنية في سوريا. أما تقرير النفقات، فالحسابات فيه مدوّنة بالدولار الأميركي، والليرة السورية، والدينار العراقي، وهو يتحدّث عن سلع مثل الثياب، والطعام، والمحروقات، وبطاقات تعبئة الهاتف، والأسلحة، والرواتب، و “النعاج المشتراة”، والأثاث، وقطع تبديل السيارات، وغيرها.
وقام مركز مكافحة الإرهاب في “وست بوينت” أخيراً بدراسة مفصلّة لـ “سجلات سنجار” التي نُشرت في تموز عام 2008، وأظهرت الدراسة أن لـ”القاعدة” شبكة واسعة منتشرة في سوريا، وأن الحكومة السورية سمحت لها بمتابعة أعمالها.
وتصل الدراسة الى الإستنتاج أن “الحكومة السورية تجاهلت عن قصد “الشبكة”، وقد تكون حرّضت على توجّه المقاتلين الأجانب الى العراق”. وأشارت الى “احتمال شن هجوم عسكري على النظام السوري، الذي اختار دعم المتمردين والإرهابيين الذين يدمّرون العراق”.
ومما جاء في الدراسة أن “القاعدة” ضاعفت عدد شبكاتها التي تضم “منسّقين سوريين، يعملون بشكل خاص مع مقاتلين من بلدان معيّنة. وعلى الأرجح مع منسقين خاصين من بلدان منشأ المقاتلين”. وتشكّل مدينة “دير الزور” السوريّة مركز ونقطة عبور المنتسبين الى “القاعدة” وعملائها الى العراق.
والغالبية العظمى من المقاتلين الذين يدخلون الى العراق عبر سنجار يقومون بتفجيرات انتحارية. ويقدّر مركز مكافحة الإرهاب في “وست بوينت” أنّ 75% من المتسلليين قاموا بهجمات انتحارية داخل العراق.
The Long War Journal