من وزيرستان إلى البوكمال: الحدود لمن يحميها
وسام سعادة
ليس من »رسالة خاصّة« توجّهها الولايات المتّحدة الأميركية إلى سوريا من خلال الغارة على بلدة مزرعة السكرية في منطقة البوكمال المحاذية للحدود مع العراق، وإنما هي تخضعها لـ»مبدأ عام«، وتفترض القوة العظمى أنّه مبدأ يسري على سوريا مثلما يسري على الباكستان.
ففي اليوم التالي للغارة على جنوب شرق سوريا، في إطار تعقّب كوادر من »القاعدة»، شنّ الأميركيون هجمة صاروخية بواسطة طائرات من دون طيّار على قرية ماندوتا جنوب وزيرستان الباكستانية، في استهداف لقيادات من حركة »الطالبان«، وهي الهجمة التاسعة عشرة منذ آب الماضي.
ويفيد مارك مايزيتي وإريك شميت في صحيفة »الإنترناشيونال هيرالد تريبيون« أنّ هذا النوع من الهجمات في وزيرستان يأتي بناء على قرار متّخذ في تموّز الماضي، بعد أشهر من النقاش داخل الإدارة الأميركية.
الفارق الأساسي هنا أن الهجمات الجوية والصاروخية في الباكستان تتم على أرض الدولة النووية الإسلامية الوحيدة في حين أن البرنامج النووي السوري قد أزيل تماماً ما بين العدوان الإسرائيلي على »مفاعل دير الزّور« في أيلول 2007 واغتيال العميد محمد سليمان قبل شهرين.
الفارق أيضاً أن الباكستان مصنّفة »صديقة« و«حليفة« للولايات المتحدة في حين أنّ سوريا.. ليست كذلك.
لكن القاسم المشترك بين الحالتين هو أنّ سوريا والباكستان تعلنان تصميمهما على مكافحة الإرهاب، بل قد ذهبت دمشق بعيداً في هذا الأمر مؤخراً، إلى حد دمج مبدأ »مكافحة الإرهاب« في عقيدة حزب البعث.
من وجهة النظر الأميركية الرسمية إذاً، ليس هناك نزوع من خلال هذه الضربة لا إلى »معاقبة« سوريا ولا إلى »تهديدها« ولا إلى إنكار ما قدّمته سوريا على صعيد مكافحة الإرهاب وغيرها من الملفات مؤخراً، كما أنها ليست »تصبّ جام غضبها« في نظام دمشق على ما نسمع ونقرأ.
ليس الهدف من الغارة على منطقة البوكمال لا »تشجيع« سوريا على مزيد من »الإنتظام« ولا دفعها إلى الإنفعال. بخلاف السياسة الفرنسية تجاه دمشق، والتي تقيم وزناً كبيراً للفعل وردّ الفعل وتحاول أن تختبر على دمشق تجارب »بافلوفية« فإنه ليس ذلك ما يعني أميركا، لا من قريب أو بعيد.
كل ما هناك أن أميركا تجد أن سوريا تبدي استعداداً للمشاركة في »مكافحة الإرهاب« وترفعه كشعار جزئي التطبيق وموظّف بشكل أو بآخر ضد من تعتبرهم دمشق خصوماً لها في المنطقة. لكن أميركا تجد أيضاً أن لدى سوريا قصوراً في »مكافحة الإرهاب« لوحدها، وبالذات في منطقة الحدود مع العراق. لذا فإنها تنطلق من خبرة 19 هجوماً شنتها في وزيرستان الباكستانية لترى فعاليتها في وزيرستان السورية، أو البوكمال.
وكما يلفت الإنتباه الخبير الإستخباري الأميركي جيمس روبينز فإن تكتيك »تجاوز الحدود« هذا كانت الشرعية الكولومبية السباقة إليه في آذار الماضي يوم استهدفت الرجل الثاني في حركة المتمرّدين أو »القوات المسلّحة الثورية الكولومبية« راوول رايس وقتلته في الإكوادور.
وإذا كان هذا التكتيك يواجه بمقولة الإعتداء على السيادة الوطنية، فإن جيمس روبينز يرفض ذلك من منطلق ضرب الإرهابيين حيث هم، وعلى أساس أنّ من لا يستطيع حماية حدوده لا تحميه حدوده.
أما بخصوص المرتكز الحقوقي لهذا المنطق في القانون الدولي فيذكّر روبينز بالقرار 1373 الصادر عن مجلس الأمن في 28 أيلول 2001 الذي يطالب بـ«منع تحركات الإرهابيين أو الجماعات الإرهابية عن طريق فرض ضوابط فعالة على الحدود وعلى إصدار أوراق إثبات الهوية ووثائق السفر«.
كما يطالب القرار 1373 بـ«الامتناع عن تقديم أي شكل من أشكال الدعم، الصريح أو الضمني، إلى الكيانات أو الأشخاص الضالعين في الأعمال الإرهابية، ويشمل ذلك وضع حد لعملية تجنيد أعضاء الجماعات الإرهابية ومنع تزويد الإرهابيين بالسلاح«. أضف إلى »عدم توفير الملاذ الآمن لمن يمولون الأعمال الإرهابية أو يدبرونها أو يدعمونها أو يرتكبونها، ولمن يوفرون الملاذ الآمن للإرهابيين«. والأهم من كل ذلك: »اتخاذ الخطوات اللازمة لمنع ارتكاب الأعمال الإرهابية ويشمل ذلك الإنذار المبكر للدول الأخرى عن طريق تبادل المعلومات«.
ويذكر روبينز في هذا الصدد أنّ القوات الأميركية في غرب العراق كانت قد وجهّت هذا »الإنذار المبكر« بشكل علني إلى السلطات السورية قبل أسبوع من الغارة.
أما من الجهة الإسرائيلية، فيتوقف آموس هارئيل قليلاً في صحيفة »هآرتس« عند مفارقة أن »من كانوا ينتظرون قصفاً لإيران عشية الإنتخابات الرئاسية الأميركية أو بعدها مباشرة بات عليهم الإكتفاء بضربة أقل أهمية مثل هجمة طوافة« ثم يدخل في »الجدّ« ويركّز على ثلاث نقاط:
1 ـ الهجوم على الهدف »القاعدي« في سوريا ستتبعه هجمات »مماثلة«.
2 ـ إن القاسم المشترك للسنة الأمنية الحافلة التي افتتحها الإعتداء الإسرائيلي على دير الزور في أيلول 2007 وتوالت فصولاً مع الأحداث »الغوامض« من اغتيالات وتفجيرات، »جعلت أحداً لا يأخذ سوريا على محمل الجد«.
3 ـ يعيد هاموس هارئيل التذكير بالإنذار الذي وجهه رئيس الإستخبارات العسكرية الإسرائيلية الجنرال عاموس يادلين والذي يهدّد بهجمة مماثلة لما حدث في البوكمال، وإنما في جنوب غرب سوريا لا في جنوب شرقها، وبما يتصل بخطوط الإمداد مع.. »لبنان«.
ثمّة إذاً مساحة من التقاطع بين هذه المعلومات والتحليلات الإستخبارية. وفي ما عنى لبنان فإنه يمكن أن تختصر بأن القرار 1373 سيضاف إلى رزمة القرارات 1559 و1680 و1701 التي تحكم العلاقة بين سوريا ولبنان من وجهة نظر المجتمع الدولي والولايات المتحدة، بل انه ينظر إلى »تفعيل القرار 1373« على الطريقة الأميركية كسبيل لإعادة شحن القرارات الثلاثة الأخرى.
وهذه تحديات قد تفرض في لبنان مزيداً من تنظيم الخلافات الأهلية للإلتفات إلى ما حولنا. أما سوريا فمهما قيل في حكّامها لكنّهم يدركون جيّداً أن إقفال المعاهد الأميركية ليس الحل، مثلما أن إحراق الكتب الفرنسية بعد جلاء المنتدب كان نقمة لا نعمة.