رسالة إلى إيران عبر ضرب سوريا
سعد محيو
ثلاثة مستويات لتفسير الغارة الأمريكية المفاجئة على سوريا، اثنان منها تكتيكيان والثالث استراتيجي.
* التفسير الأول: القوات الأمريكية قامت بالغارة الجوية والإنزال كجزء من خطتها العسكرية الشاملة الخاصة بإغلاق كل منافذ العراق في وجه المقاومين العرب الراغبين في الانخراط في المعركة ضد الاحتلال.
الجزء الاول من هذه الخطة بدأ على الحدود السعودية- العراقية، التي كانت تشهد بالفعل حراكاً ملحوظاً في السابق، ثم تمدد إلى الحدود الأردنية. وخلال الأسبوع الماضي، كان جنرال أمريكي يهدد علناً بضرب سوريا لأنها “لاتزال الدولة الوحيدة التي يتسلل منها “الإرهابيون” إلى العراق، على حد تعبيره.
* التفسير الثاني: واشنطن أرادت توجيه رسالة عنيفة إلى كل من دمشق وطهران تحذرهما فيها من مغبة التعرض إلى قواتها أو مصالحها في لحظة الفراغ الراهنة التي تمر فيها السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط والعالم بسبب الانتخابات الأمريكية. مضمون الرسالة: الرئيس بوش مستعد للقتال حتى آخر قطرة من آخر لحظة له في البيت الأبيض، فحذار.
* التفسير الثالث (الاستراتيجي) يقوم على الفرضية بأن الجمهوريين يشعرون بقلق شديد من احتمال فشل مرشحهم للرئاسة ماكين فشلاً ذريعاً في الانتخابات، الأمر الذي سيشكل نكسة كبرى للحزب الجمهوري وللمصالح الاقتصادية الضخمة التي يمثّل. ولذا، فإدارة بوش تبحث عن أية ذريعة لتحويل أنظار الأمريكيين إلى المسألة الأمنية بعيداً عن القضايا الاقتصادية التي يتفوق فيها باراك أوباما تفوقاً كاسحاً على ماكين. وأي منفذ أمني أهم من إعادة تحريك ملف الإرهاب وأسامة بن لادن و”محور الشر” (وسوريا “عضو شرف” فيه حسب الإدارة الأمريكية)؟
كما يجب أن نتذكر هنا ان تل أبيب والعديد من الاطراف في واشنطن كانت، ولاتزال، تتوقع ألا يخرج بوش من البيت الأبيض إلا وهو قد أدخل الولايات المتحدة في حرب جديدة، خاصة ضد إيران وإلى حد ما سوريا.
أي التفسيرات الأقرب إلى الصحة؟
التفسير الأول وارد. والتفسير الثاني وارد أكثر. أما المقاربة الاستراتيجية فهي قد تبدو للوهلة الأولى في حاجة إلى المزيد من الأدلة والبراهين. لكن من يعرف طبيعة أجهزة السلطة في المؤسسة الحاكمة الأمريكية سيتذكر سريعاً أن العديد من الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة كان الصاعق فيها من اختراع أجهزة الاستخبارات الأمريكية: من خليج الخنازير في كوبا إلى خليج تونكين في فيتنام، ومن حرب العراق- إيران إلى (على ذمة البعض) 11 أيلول/سبتمبر في نيويورك وواشنطن.
هذه الحقائق تجعل الافتراضات الاستراتيجية تتساوق على الأقل مع الحقائق التكتيكية. وهذا يصح على وجه الخصوص بالنسبة إلى سوريا التي كانت منذ تسعة أشهر، ولاتزال الآن، الهدف الأمني والاستخباري المفضل لتل أبيب وواشنطن.. عوضاً عن طهران.
الخليج