سورية توظف الضربة الامريكية لمصلحتها
رأي القدس
ان يتظاهر عشرات الآلاف من السوريين احتجاجا على الغارة الامريكية على منطقة البوكمال الحدودية، فهذا أمر متوقع، ويصب في مصلحة التعبئة السياسية التي تقوم بها حاليا القيادة السورية، تمهيدا لاتخاذ خطوات انتقامية غير مباشرة، مثل التساهل في موضوع الرقابة على الحدود العراقية. فالسيد وليد المعلم وزير الخارجية السوري أكد في مؤتمره الصحافي الذي عقده في مقر الصحافيين الاجانب في لندن في اعقاب محادثاته مع نظيره البريطاني ان سورية لن تكون شرطيا للامريكان او لغيرهم.
ورقة الرقابة على الحدود العراقية تعتبر أقوى الاوراق التي تملكها الحكومة السورية، وأكثرها تأثيرا على المشروع الامريكي في العراق، فلولا الجهود السورية في احكام هذه الحدود في وجه المتطوعين الاسلاميين للانضمام الى المقاومة في العراق، من خلال زيادة عدد الجنود ونقاط المراقبة، واقامة وسواتر ترابية عالية، لتضاعفت اعداد العمليات العسكرية التي تستهدف القوات الامريكية عدة مرات.
محطة تلفزيون ‘دنيا’ السورية الخاصة المقربة من الحكومة قالت ان الرد السوري على الغارة سيأتي على شكل تقليص عدد القوات السورية على الحدود، واذا تمت ترجمة هذه الخطوة عمليا على الارض فإن علينا ان نتوقع مفاجآت غير سارة للقوات الامريكية في العراق.
ولعل الجهة الأكثر تضرراً من الغارة بعد الولايات المتحدة، هي الحكومة العراقية التي يرأسها السيد نوري المالكي. فقد ارتكبت خطيئة كبرى عندما لم تسارع الى ادانة هذه الغارة بالشكل الكافي، خاصة ان سورية حرصت على تطبيع العلاقات والتنسيق الأمني معها، وكانت حريصة على فتح سفارة في بغداد، بل وذهبت الى ما هو ابعد من ذلك عندما اوفدت السيد المعلم وزير الخارجية، لزيارة العاصمة العراقية، والالتقاء بأركان النظام بعد قطيعة مع العراق، استمرت حوالي عشرين عاماً.
الدكتور علي الدباغ المتحدث باسم الحكومة العراقية، رش الكثير من الملح على الجرح الغائر الذي احدثته الغارة في المعنويات السورية، عندما قال انها، أي الغارة، استهدفت مواقع للارهابيين داخل الاراضي السورية، وكأنه بذلك يبررها، ويضفي عليها طابع الشرعية.
وجود جماعات ‘ارهابية’ اذا صح ذلك، ولا يوجد اي دليل ملموس في هذا الخصوص، لا يأتي الرد عليه بالطريقة التي شاهدناها، اي انتهاك سيادة دولة عربية، وقتل بعض الأبرياء من ابنائها، وانما من خلال التنسيق والتعاون الأمني وقنواته. وهو تنسيق قائم منذ فترة وأعطى الكثير من النتائج الايجابية وفق المنظورين الامريكي والعراقي.
الغارة الامريكية أفادت سورية ونظامها، اكثر مما اضرتهما، فقد كسرت العزلة التي حاولت وتحاول بعض الأنظمة العربية فرضها، وحشدت الجماهير العربية خلف النظام السوري باعتباره الضحية، وأظهرته بمظهر المستهدف من قبل الولايات المتحدة الدولة المكروهة في العالمين العربي والاسلامي.
فاذا كان الهدف الامريكي من هذه الغارة هو احراج النظام السوري واضعافه لمصلحة القوى المعارضة، فان هذا الهدف لم يتحقق، بل وجاءت النتائج عكسية تماماً. وهذا امر ليس مفاجئاً، لان هذا هو حال معظم الحروب والسياسات الامريكية في المنطقة، فالحرب في افغانستان عززت ‘القاعدة’ و’طالبان’، والحرب في العراق استنزفت الولايات المتحدة مادياً وبشرياً، وسلمت العراق للنفوذ الايراني الذي تحاول الولايات المتحدة وحلفاؤها العرب محاصرته واحتواءه حالياً.
القدس العربي