لماذا الآن ؟!
خلف علي المفتاح
تبدو قواعد اللعبة الأمريكية في المنطقة في هذه الفترة واضحة أكثر من أي وقت مضى وخاصة في إطار التعامل مع سورية فالاعتداء الأمريكي على المواطنين الآمنين في منطقة البوكمال ليس مستغرباً من قوات الاحتلال الأمريكي
فمن يحتل بلداً أمنا ويقتل مئات الآلاف من أبنائه ويهجر الملايين ويبث الفتنة الطائفية يسهل عليه انتهاك سيادة دولة عضو في الأمم المتحدة واستهداف مجموعة من العمال في قرية نائية ولكن الذي يجب الوقوف عنده هو التوقيت الذي جرى فيه الاعتداء فهو جاء متزامناً مع الزيارات المتعددة للوفود الأوربية لدمشق ولفائها السيد الرئيس بشار الأسد واللهجة الأوربية الجديدة تجاه سوريا وتصريحا ت المسؤولين الأوربيين عن الخطأ الذي وقعت فيه تلك الدول في تعاطيها مع سورية وما لذلك من انعكاس سلبي على الوضع في المنطقة وزيادة حدة التوترات فيها وما حصل بعد ذلك من تحول بنيوي في المنطقة بعد الانفتاح الفرنسي ومن ثم الأوربي على سورية وما رافق ذلك من تبدل في المناخ السياسي وانفراج في الأزمات وتبدل في قواعد اللعبة واللاعبين فيها وكذلك جاء متزامناً مع زيارة السيد وليد المعلم وزير خارجية سوريا إلى لندن والتي جاءت بعد زيارة الوفد البريطاني لدمشق والحديث عن دعوة للسيد الرئيس بشار الأسد لزيارة العاصمة البريطانية ولا شك إن هذا الانفتاح الأوربي على دمشق لا يريح الإدارة الأمريكية التي اعتقدت أنها نجحت في فرض عزلة على سوريا فاكتشفت بعد فوات الأوان أنها عزلت نفسها عن قضايا المنطقة وهذا يذكر بما قاله ذات مرة رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل
واصفاً السياسيين الأمريكيين بقوله: إن الأمريكيين يجربون كل القرارات الخاطئة حتى يصلوا إلى القرار الصحيح.
الأمر الآخر والذي يتعلق بالتوقيت هو تزامن الاعتداء الأمريكي على الأراضي السورية بعد فترة وجيزة من تعيين سفير لسورية في العراق ومباشرته لأعماله وما رافق ذلك من حديث عن تفعيل للعلاقات بين سورية والعراق وفتح آفاق واسعة في هذا الاتجاه وهنا من المفيد الإشارة إلى أن السياسة الأمريكية ومنذ أكثر من ستة عقود عملت بكل الوسائل على منع قيام أي علاقة استراتيجية بين سورية والعراق أو بشكل أدق بين بلاد الشام والعراق وهو ما أطلق عليه المؤرخ البريطاني جيمس برستد الهلال الخصيب.
ومن هنا يبدوا أن الذين خططوا لذلك سعوا لتحقيق جملة من الأهداف أولها محاولة استفزاز القيادة السورية لمعرفة رد فعالها على العدوان ومحاولة استدراجها إلى مواجهة عسكرية والأمر الآخر العمل على افتعال عراك سياسي بين دمشق وبغداد يوتر الأجواء بينهما ويحول دون قيام علاقة استراتيجية بعد عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين
وكذلك محاولة خلق انطباع لدى الرأي العام الأوربي وداخل العراق بأن سورية هي التي ترسل المقاتلين للعراق عبر أراضيها وتؤمن لهم الدعم اللوجستي وتعمل على عدم استقرار العراق وبالتالي لا مبرر لهذا الانفتاح الواسع على دمشق.
إن الغباء السياسي الأمريكي في التعاطي مع المفردات السياسية في المنطقة بدا واضحاً وهو يكشف عيوباً كبيرة لدى راسمي الاستراتيجيات الكبرى في البيت الأبيض الذين أصابهم العمى السياسي وجعلهم يتخبطون في أكثر من اتجاه وهوما جعلهم يدفعون الثمن غالياً سواء على صعيد الداخل الأمريكي وهو ما تجسد بالانهيار الاقتصادي أو بالإفلاس السياسي على صعيد العلاقات الخارجية والمشكلة إن الإدارة الأمريكية الحالية والتي هي بحكم المنتهية لم يعد لها الكثير من الوقت لتسدى إليها النصائح فنهايتها أشبه ما تكون بنهاية ملحمة إغريقية إما قتلاً آو انتحاراً وكلاهما في السياسة من المحرمات ؟
المصدر : ( كلنا شركاء ) 28/10/2008