سورية.. وماذا عن السيادة؟
طارق الحميد
من ضمن ردود فعل دمشق على الغارة الأميركية على قرية السكرية في منطقة البوكمال الحدودية مع العراق، عرضت قناة سورية صورا تظهر تفكيك القوات السورية لمواقعها على الحدود العراقية، ونقلها للحدود مع لبنان.
دمشق قامت بنفي الخبر، إلا أن أحد المواقع المحسوبة عليها نشرت خبرا يدعم خبر سحب القوات، واستند الموقع إلى شهود عيان من المنطقة. ولذا فان عرض قناة تلفزيونية سورية للصور وبث الخبر يجعله أمرا يؤخذ على محمل الجد.
سحب القوات السورية، أو مجرد التلويح به، يعد أمرا فيه إدانة لدمشق، وإخلالا بمفهوم السيادة.
ولذلك مدلولان لا يمكن تجاهلهما؛ الأول أن هدوء الأوضاع الأمنية بالعراق وانخفاض العمليات الانتحارية مؤخرا دليل على أن السوريين قد قاموا بضبط الحدود التي كانت معبرا للإرهابيين، دون رقيب أو حسيب، كما كان يقول الأميركيون والعراقيون.
فعندما ضبطت سورية حدودها مع العراق مؤخرا، انخفضت العمليات الإرهابية بشكل ملموس، ولذا فمجرد فتح تلك الحدود يعني إعادة خط الإرهاب السريع بين سورية والعراق، ومجرد التلويح بذلك يعني إدانة للسوريين، خصوصا أن رد فعل وليد المعلم على الغارة الأميركية كان تصعيديا تجاه العراق، حيث قال تعليقا على تصريحات المتحدث الرسمي العراقي بأنه لا يصدق أن هناك عربيا فيه نقطة دم عربية واحدة يبرر الغارة.
تخفيض عدد القوات السورية على الحدود العراقية، أو مجرد التلويح به، يعد إدانة للسوريين، وتعميقا لأزمتهم الداخلية والخارجية. بالطبع من حق دمشق أن تغضب، وتدافع عن نفسها، لكن هناك فرقا كبيرا بين الدفاع عن النفس، وارتكاب أخطاء كبيرة، خصوصا أن واشنطن في لحظة انتخابات حساسة، وليس من مصلحة سورية تجديد عقد القطيعة معها لأربع سنوات قادمة، طالما أن دمشق نفسها، وعلى أعلى المستويات، دائما ما تتحدث عن رغبتها في عودة العلاقات مع واشنطن.
الأمر الآخر، وعلى مستوى سوري داخلي، ألا تخشى دمشق على أمنها وسلامة حدودها من تسلل الإرهابيين، أو مهربي المخدرات من العراق إلى الداخل السوري؟ فالسؤال هنا كيف تخشى دمشق من حدودها مع لبنان، ولا تخشى الجار العراقي الملتهب؟
كما أن هناك قضية أساسية لا يمكن تجاهلها، فمن بديهيات العمل السياسي سلامة الأمن الإقليمي الذي يعد جزءا من السيادة وحمايتها، لأن في حماية الحدود أمرا سياديا يخول لك حتى استخدام القوة إن لزم الأمر للدفاع عن حدودك.
فكيف يقرر السوريون ترك حدودهم لتتحول خطا سريعا للإرهاب بين سورية والعراق، وبالتالي تعريض أمنهم القومي للخطر، ناهيك عن التخلي عن حق سيادي أصيل، يعد من صميم عمل أي حكومة وحاكم، وجزءا لا يتجزأ من عقد الحفاظ على الوطن!
استغرب البعض عندما قلت سابقا بأن سورية في ورطة داخلية وخارجية بعد الغارة، فماذا سيقولون اليوم مع بث صور سحب القوات السورية من الحدود العراقية، ثم معاودة النفي.. هل هناك ورطة أكبر من هذه الورطة التي تعيشها دمشق؟
الشرق الأوسط